الحيوانات الأليفة.. «أجهزة إنذار» مبكر من الزلازل؟
يجزم العلم، رغم فتوحاته الكثيرة في ميادين عدة، باستحالة تَوَقُّع موعد حدوث الزلازل والهزات والبراكين الناجمة عن حِراكٍ في باطن الأرض وعن حركة الصفائح في مناطق الفوالق في البر والبحر على حد سواء.
ورغم عجز العلم وأبحاثه ودراساته، فإن ثمة اعتقاداً سابقاً بأن الحيوانات أو بعضها تشكل أجهزة «إنذار مبكر» للزلازل و«أخواتها» عبر سلوكها غير المعتاد والمفاجئ والمثير للانتباه.
قصص كثيرة تروى عن الحيوانات والزلازل.. وسريعاً انتشرت فيديوهات إثر زلزال مقاطعة هاتاي التركية توثّق تصرفات غريبة لحيوانات قبل الزلزال. فهل شعور الحيوانات المسبق بالزلزال واقع بيولوجي أم خرافات يتلقفها الناس للاحتماء خلْفها من مخاوفهم تجاه ظواهر طبيعية مدمرة؟
لا شك أن كثيراً من قصص اضطراب الحيوانات التي رافقت الزلزال كان حقيقياً. فقد روت الممثلة ماغي ابو غصن عبر حسابها على تويتر أنها تملك كلبين وهرّة. وقبل كل هزة أرضية كان الكلب ينبح بطريقة مخيفة فيما الهرّ يدور في أرضه. وتساءلتْ إذا كان في الإمكان إعتبار تصرف الحيوانات بمثابة إنذار يدفعنا للخروج من البيت.
وتابعت الممثلة اللبنانية إنها مقتنعة بالأمر، وسألت الناس عن رأيهم. وجاءت الإجابات متناقضة من متابعيها، إذ بعضهم أكد أن حيوانه الأليف تصرّف في شكل غريب، في حين قال البعض الآخر إن حيوانهم لم يقم بأي ردات فعل غريبة ولم تَظهر عليه أي إشارات مقلقة لا بل ظلّ نائماً.
وعلى مواقع التواصل ظهر فيديو لهِرة بدأت تقفز في البيت إلى حد إيقاظ أفراد العائلة فخرجوا من بيتهم ونجوا من الخطر المحدق بهم.
أحد الأصدقاء ممن يهوون تربية الكلاب ويملكون 5 منها تعيش معه في البيت، أكد لـ «الراي» أنه لم يرَ منها أي تصرف غريب أو ربما لم ينتبه إلى حال التوتر التي إنتابتها لأنها غالباً ما تعمد إلى النباح حين تسمع صوتاً غريباً في الشارع بحيث لم يعد يولي الأمر أي إهتمام وهذا ما يقود إلى فرضية أن غالبية مَن يقولون إن حيواناتهم لم تتصرف في شكل مختلف ربما لم ينتبهوا إلى سلوكهم لإنشغالهم بأمور أخرى. لكن ماذا يقول العلم؟ هل يؤكد النظرية القائلة إن الحيوانات تستشعر الزلازل والهزات والبراكين قبل حصولها؟
في فبراير 1975 وتحديداً في الصين قرب مدينة هايشتنغ، حذّر خروجُ عدد كبير من الثعابين التي كانت في سبات شتائي من أوكارها السلطات التي أدركت أن شيئاً ما سيحدث، وبادرت إلى إخلاء المدينة التي وقع فيها زلزال بعد ساعات.
ويُحْكى عن تصرفات غريبة مختلفة تقوم بها الحيوانات قبيل الزلزال كالنباح المتكرر أو حال الهيجان والركض من زاوية إلى أخرى مع محاولة الإختباء في الأمكنة الضيقة سواء بالنسبة إلى القطط أو الكلاب. أما الطيور فتنتابها حال من الهيجان تجعلها تدور في أقفاصها. وعلى صعيد أشمل يُحكى عبر التاريخ أن الضفادع تقفز من البرك والأبقار يتوقف درّ حليبها.
ويروي شهود عيان، ان سلوك الحيوانات تَبَدَّلَ مباشرة قبل التسونامي الذي ضرب أندونيسيا العام 2004 نتيجة زلزال حصل في عمق البحر فركضت الأفيال إلى مناطق مرتفعة، وهجرت طيور الفلامنغو مناطق التعشيش المنخفضة، ورفضت الكلاب الخروج في الهواء الطلق.
وفي إحدى القرى الساحلية في تايلند، أفاد سكان محليون أن آذان قطيع من الجاموس على الشاطئ إنتصبت فجأة، وبدأ الجاموس يحدق في البحر، ثم إندفع إلى قمة تل قريب قبل بضع دقائق من وقوع كارثة تسونامي.
في لبنان سألت «الراي» أطباء بيطريين عمّا لاحظوه من تصرفات غريبة عند بعض الحيوانات أثناء الهزات الأرضية التي حدثت فيه إثر زلزال تركيا وبعده وإذا كان في الإمكان البناء عليها لتأكيد أن الحيوانات تستشعر الزلازل قبل حدوثها.
الطبيب البيطري نخلة كلاس قال إنه تلقى إتصالات هاتفية عدة من أشخاص يخبرونه أن حيواناتهم المنزلية لا سيما كلابهم وقططهم قد إهتاجت في شكل غير معهود فأخذت تنبح وتركض بجنون أو تخبط بقدميها قبل حدوث الهزة الأرضية بدقائق. حتى أن صاحب إحدى مزارع الدجاج أعلمه ان الدجاجات في المزرعة الواقعة في منطقة البقاع اللبنانية كانت في حال هيجان شديد.
لكن هذا الطبيب يؤكد رغم كل ما سمعه من وقائع أن هذه التصرفات «ربما تشير إلى وجود حاسة قوية عند الحيوانات، ولكن لا يمكن الجزم بأنها تستطيع توقع الهزات والزلازل قبل حدوثها ولا شيء علمياً يثبت ذلك. ولو كان في الإمكان حتى الآن إثبات قدرة الحيوانات على إستباق الزلازل لَكان العلم لجأ إليها كوسيلة لتحذير الناس من الكوارث. حتى أن الأمر المؤكد الوحيد اليوم هو أن تصرفات الحيوانات غير الإعتيادية تحدث قبل وقت قصير من الهزة الأرضية أو الزلزال وليس قبل يوم أو أيام».
وينهي كلاس كلامه قائلاً «علمياً لم ندرس هذه التفاعلات الحسية في كلية الطب البيطري. ولو كانت أكيدة كان سيتم إدراجها ضمن مناهج دراسة السلوك الحيواني، ولكن حتى الآن لم تدخل ضمن النطاق العلمي».
ويؤكد الطبيب البيطري بشارة معلوف بدوره أنه سمع قصصاً من زبائنه «عن تصرفات غير معهودة لحيواناتهم الأليفة قبيل حدوث الهزة الأرضية ببضعة دقائق، وهي أمور مبرهنة يمكن توثيقها. حتى أنه سمع قصصاً عن ماعز توقف دفق حليبها قبل الهزة وعن كلبة مرضعة لم تعد تدر حليباً خلال الهزة. لكن رغم ذلك لا يمكن تأكيد هذه الوقائع علمياً وربْطها بالزلازل والهزات».
وهنا يعطي معلوف تفسيراً علمياً لِما يحدث ويقول «إن الحيوانات تستطيع أن تستشعر عبر التموجات العصبية في أيديها وأرجلها بأي أمور غريبة تحدث من حولها وليس فقط الزلازل. فهي تملك نهايات عصبية حساسة جداً في هذه الأماكن بحيث إذا أحست بصوت سيارة تمرّ مثلاً أو خطوات شخص يقترب تقوم برد فعل، ومن هنا يمكن تفسير كونها تحسّ بارتجاجاتِ الأرض قبل وقوع الهزة بدقائق قليلة. والإحساس يكون من خلال هذه التموجات وليس عبر السمع أو الشم كما يُظن».
ويضيف: «يختلف الإحساس من فصيلة حيوانية إلى أخرى وحتى ضمن الفصيلة الواحدة، والدليل على ذلك أن بعض الكلاب قد أحست بالهزة قبل وقوعها فيما كلاب أخرى من الفصيلة ذاتها أو فصيلة مختلفة لم تشعر بشيء وهذا أمر شبيه بما يحدث بين البشر. ولكن في شكل عام فإن الكلاب والهررة كما الأبقار والأغنام والماعز تحس بالهزة الأرضية ويقال إن الأبقار تدور حول نفسها قبل الهزة. حتى الطيور يمكن أن تشعر بها. فكل الحيوانات تملك إحساساً معيناً وقد تبادر إلى الهرب في ردات فعل غريزية تجاه الخطر مهما يكن مصدره. ولكن حتى اليوم ورغم هذه الملاحظات ورغم دراسات أجراها أكثر من مركز أبحاث في العالم ما زالت الأمور ضمن التكهنات والإحساس غير المبرهن ولا يمكن تثبيتها. وقد تكون رد فعل طبيعياً من الحيوانات تجاه أي عامل خارجي غير معتاد».
الأجوبة المحتملة
في دراسة أجريت عام 2013 صوّر علماء ألمانيون نمل الخشب الأحمر، وهي حشرات لا تعرف معنى الراحة، تقوم ببناء أعشاشها في قاعدة الأشجار الصنوبرية في مستعمرات تتكون أحياناً من أكثر من 300.000 نملة. بعدها وجدوا أن قبائل النمل غيّرت روتينها المعتاد قبل الزلزال، وأصبحت أكثر نشاطاً في الليل، وأقل نشاطاً خلال النهار.
وسجّل علماء آخرون، من خلال سلسلة من الكاميرات تم تثبيتها في منطقة في بيرو في حوض نهر الأمازون، التغيرات التي طرأت على سلوك الحيوانات قبل ثلاثة أسابيع من وقوع زلزال، بلغت شدته 7 درجات، وضرب المنطقة عام 2011. وخلال فترة زمنية إستمرت 23 يوماً قبل وقوع الزلزال، سجل العلماء 5 حركات أو أقلّ يومياً لهذه الحيوانات، بالمقارنة بخمس عشرة حركة في اليوم، في الفترة السابقة لذلك.
لكن غالبية هذه الدراسات ومحاولات الحصول على جواب، إعتمدت، إلى حدٍّ كبير، على قصص وملاحظات فردية وفقاً لمراجعة جمعية علم الزلازل الأميركية والتي فحصت 180 دراسة سابقة عام 2018 وأكّدت أن نتائج كل الدراسات تتفق مع فرضية مفادها أن الحيواناتتشعر بطريقة ما بحدوث الهزات والزلازل أو البراكين أو التسونامي، عبر إشارات من خارج محيطها لكنها لا تؤكدها في شكل مثبت.
ويَفترض باحثون أن سببَ إضطرابِ الحيوانات وتَغَيُّر سلوكها يعود إلى أن ضغط الصخور قبل الزلزال يتسبب بملء الهواء بالأيونات على نحو تستشعره جلود الحيوانات، أو ربما تتمكن الحيوانات من أن تشتمّ رائحة الغازات المنبعثة من ضغط بلورات الكوارتز قبل وقوع الزلزال. لكن، إلى الآن تبقى هذه ضمن الفرضيات وما زال من غير المعروف لماذا يحدث هذا التأثير على الحيوانات قبيل وقوع أحداث طبيعية، ولكن قد يساعد تفاعل الحيوانات مع البيئة المحيطة بها يوماً ما، على تطوير أدوات للكشف المبكّر عن الزلازل.