مآسي الابتعـاث .. قتلوه وقتلوا حُلمـه
أكاديميا | خاص _ بشاير الديحاني
تورد الصحافة العالمية بين حين وآخر أخبار وفاة بعض الطلبة الكويتيين والسعوديين المبتعثين في الخارج، ومع أن الصحافة الكويتية والسعودية تنقل تلك الأخبار، إلا أننا قلما نرى فيها تحليلاً وافياً للظروف التي أدت إلى وفاتهم، وأين تقع المسؤولية في تحضيرهم مستقبلاً لتفادي بعض المخاطر التي يمكن أن تواجههم في غربتهم.
فقد توفي خلال العام الفائت 2014 على سبيل المثال أربعة طلبة مبتعثين في الولايات المتحدة على الأقل. ولا يمكن القول بأن قضية المبتعث السعودي (عبد الله القاضي) الذي قُتل غدراً في الولايات المتحدة قد وصلت إلى نهايتها مع اكتشاف جثته وتقديم قاتله إلى العدالة، إذ لم تكن تلك القضية الأولى بين قضايا قتل المبتعثين السعوديين في الخارج أو الاعتداء عليهم، وقد لا تكون الأخيرة وذلك بالنظر إلى الأعداد الكبيرة من خريجي الثانوية العامة الذين يرسلون سنوياً للدراسة الجامعية في دول تختلف في عادتها وأنظمتها وثقافاتها عما اعتادوا عليه، مما يطرح تساؤلاً حول حاجة المبتعث للتهيئة والإرشاد والتوجيه والمتابعة الحقيقية, وقبل ذلك ترشيد الابتعاث ودراسة سلبياته وتفاديها ليؤتي الابتعاث ثماره المرجوة لخدمة الدين والوطن.
وجاءت حادثة مقتل القاضي في الوقت الذي كان فيه المجتمع السعودي يترقب معرفة هوية قاتل (ناهد المانع) المبتعثة في بريطانيا والتي وقعت ضحية عنصرية ذلك البلد قبل عدة أشهر، حين هزّ حادث مقتلها المجتمع السعودي بعد تعرضها لستة عشر طعنة في الرأس والعنق من أحد الجناة وهي سائرة في طريقها إلى الجامعة، وتبين بعد ذلك أن سبب قتلها كان دافع الكراهية والعنصرية ضد الإسلام، بحكم أن ناهد قدمت إلى بريطانيا لدراسة الدكتوراه ولم تتخل عن حجابها ونقابها، وقد أثار حادث مقتلها كثيراً من التساؤلات حول من المسؤول عن هذه الجريمة التي ارتكبت في حق ناهد المانع بداية من قرار ابتعاثها والذي وجدت نفسها مدفوعة إليه، واطمئنانها للسير وحيدة في بلد اشتهر بالنداءات والجرائم العنصرية ونهاية ببقاء قاتلها طليقاً حتى الآن.
في حين ذكر جارها سين برجم، إنها دائما كانت تلبس حجابها وتغطي رأسها إضافة للعباية التي تميزها عن غيرها، مبينا أنها كانت لطيفة مع جيرانها وتحييهم عندما كانت تمر بالجوار، فيما علق أحد أساتذتها في معهد اللغة في جامعة إيسكس أنها كانت من المبتعثات اللاتي كن على خلق وقد أتت للدراسة وتطوير لغتها الإنجليزية، وأنه لا يصدق مقتلها حتى اللحظة.
الجريمة الثالثة لعام 2014 ، الطالب السعودي رائد عبدالإله البقشي (28 عاماً)، وهو طالب يدرس الهندسة الكهربائية منذ ثلاثة أعوام في ولاية ميتشغن، تغيّب عن الجامعة وأصدقائه في مدينة بونت بلزنت ليومين متتاليين، إذ افتقدوه، وبحثوا عنه بشكل مكثف. وحاولوا التوصّل إليه في منزله والاتصال به، أو الدخول بكسر الباب، وباءت محاولاتهم بالفشل. فسارعوا إلى إبلاغ الأجهزة الأمنية، التي بدورها حضرت إلى المكان ودخلت المنزل، إذ تم العثور على رائد متوفياً على سريره. وتحفظت على الجثة للتأكد من عدم وجود أية ضربات أو طعنات، أو ما يشير إلى «شبهة جنائية». اذا كما قيل شبهة جنائيه !
وما أعلنته سفارة دولة الكويت في الاردن عن مقتل الطالب الكويتي (محمد الشمري) الذي يبلغ من العمر 22 عاماً بمشاجرة حدثت في العاصمة الأردنية.
حيث أوضحت السفارة في بيان تلقته وكالة الانباء الكويتية (كونا) أن السفارة تريثت في الاعلان عن حالة الوفاة وذلك بعد ان استوضحت الامور كافة من الجهات الامنية في الاردن وتم ابلاغ ذوي المتوفى بتفاصيل الحادث.
وقالت ان التحقيقات الاولية اشارت الى أن الوفاة حدثت نتيجة عراك بالأيدي فقط وليس هناك أي سلاح من أي نوع وبهذا ينتفي العمد أو القصد الجنائي حيث أصيب الشاب الكويتي بكدمات على أثرها تم نقله على الفور إلى أقرب مستشفى إلا أنه فارق الحياة بعد وصوله بدقائق.
والحقيقة أنه قُتل إثر جريمة قتل بشعة، عقب مشاجرة مع 4 شبان، متأثرا بشدة الضربات التي تلقاها.
اضافة إلى الجريمة البشعة في الإمارات، التي حدثت خلال عام 2014 وتداولتها وسائل الأخبار المختلفة بمختلف العناوين منها :
طالب كويتي يقضي “تعذيبًا” على يد زملائه!
حين نقلت صحيفة “الرأي” الكويتية عن المحامي فايز الظفيري، أنه تلقى اتصالاً هاتفياً من اتحاد طلبة الكويت في الإمارات أُبلغ خلاله بالجريمة التي حصلت، وانطلق إثر ذلك إلى مخفر الغرب في الشارقة وباشر متابعة قضية مقتل الطالب.
حيث أوضح الظفيري أنه بعد حضور المجني عليه (مبارك مشعل العدواني) في ساعة مبكرة إلى جامعة الشارقة لوحظ عليه من قِبل زملائه آثار ضرب مبرِّح في أماكن متفرقة من جسده، وبعد انتهائه من المحاضرات خرج متوجهاً إلى سكنه، وفي طريقه سقط أرضاً وعندما تم إسعافه إلى المستشفى لفظ أنفاسه الأخيرة نتيجة نزيف داخلي بسبب التعذيب.
إلا أنه تبين بعد نقل الطالب إلى المستشفى أنه تعرض للتعذيب في أماكن متفرقة من جسده؛ ما أدى إلى وفاته، حيث تبيّن تعرضه إلى رضوض وكسور وحرق أسفل القدمين، وبعد تحري رجال الأمن تبيّن لهم أن من قام بتعذيبه اثنان من زملائه في الجامعة وتم القبض عليهما.
ولا زالت جرائم قتل الطلبة المبتعثين قائمة لأسباب مجهولة، أحدهم في مدينة Kansas City بولاية كانساس، وفي مدينة Grand Rapids في ميشيجن، والثالث (طالبة في العشرين من عمرها توفيت في حادث سير) في مدينة Golden في كولورادو. وربما كانت هناك أخبار أخرى فاتتني عن وفاة مبتعثين في الولايات المتحدة أو وجهات أخرى للابتعاث مثل أستراليا وبريطانيا ونيوزيلندا.
وبالإضافة إلى حوادث الوفيات، التي تجد عادةً طريقها إلى الصحافة والنشر، يتعرض المبتعثون لجرائم وحوادث ومضايقات كثيرة قلما تصل إلى الصحافة الكويتية والسعودية ، كما يرتكب بعضهم أخطاء عن حسن نية أو جهل بأوضاع البلد الذي يقيمون فيه وقوانينه وعاداته ونظامه الأمني والقضائي، ويدخل في ذلك القضايا المتعلقة بالتحرش الجنسي بشكل يعاقب عليه القانون، كما يدخل فيها المخالفات المالية التي يعاقب عليها القانون. وبعضها ناجم عن النصب والإحتيال والابتزاز التي يتعرض لها الطلبة من قبل زملائهم الذين قد ينتحلون شخصيته أو يقنعونه بالقيام بتصرفات معينة نيابة عنهم.
مما سبق؛ ثمة قواسم مشتركة فيما بين تلك الجرائم، ففي كلا الحالات لم يتسن لأي من الضحايا توخي القدر الكافي من الحذر والتقدير السليم لمتطلبات العيش والتعامل في مثل تلك المجتمعات، ومع مضي مشيئة الله عز وجل فيهم رحمهم الله؛ إلا أن قدراً لا يمكن إغفاله من الحذر و الأخذ بالأسباب الضرورية في مثل تلك الظروف قد يجنب صاحبه هذه الأخطار، وهذا ما كان سبباً في تعالي الأصوات بعد الحادثتين بضرورة تجنيب طلابنا مثل هذه المخاطر بدءاً بالاختيار السليم للطلبة المبتعثين وإخضاعهم لبرامج توعوية خاصة بأنظمة تلك الدول ومتطلبات العيش فيها، وتكثيف البرامج الدينية لهم للابتعاد عن الأماكن المشبوهة التي قد تشكل خطراً عليهم.
ومن وجهة نظري أنه لن يتم التوقف عن قتل المبتعثين والمبتعثات، لأسباب كثيرة، أن أعداد المبتعثين كبيرة للغاية، ولا يوجد هناك حرص تلقائي من الأسرة التي تقوم على ابتعاث أبنائها في عمر مبكر للغاية، غير مدركة أهمية وجودها وتواصلها الدائم معهم، وطبعاً هناك خلل واضح من قبل الملحقيات الثقافية لسفاراتنا في الخارج، في عدم الاجتماع الدائم والمنتظم مع الطلبة والطالبات، ووضع برامج وأنشطة متنوعة تسمح لهم بالالتقاء مع مسؤول الملحقية، وأقل ما يمكن للملحقية أن تقوم به هو أن تضع خدمة تلفون طوارئ، تقدم مجاناً للطالب والطالبة في حال تعرضهم لأي خطر يمكن أن يداهمهم.
ولذلك فإن أحد الحلول الرئيسية هي تكثيف فترات التأهيل الأكاديمي والنفسي والاجتماعي للطلبة، خاصة خريجي الثانوية، قبل دخولهم معترك الدراسة الجامعية. وعدم ابتعاث أي طالب لم يتمكن من اجتياز فترة التأهيل بنجاح، حفاظاً على حياتهم ومستقبلهم وصحتهم النفسية.
اخواني واخواتي الطلبة والطالبات المبتعثين، لا تستهينوا بخطورة الوضع في دول الغرب. وعليكم التعامل بحذر فهناك عصابات لا يستهان فيها تتربص الطلبة المبتعثين، والمؤسف جداً أنهم يقومون بالتركيز على من يحملون أسماءاً عربية ومن دول الخليج بالتحديد . وذلك اعتقاداً منهم بأنهم أغنياء جداً ويملكون ثروات هائلة .
أيضاً حذار من التواصل مع أي شخص غريب سواء عبر مواقع الإنترنت أو من الشارع. وأن لايتم ادخال هؤلاء الغرباء في مقر السكن أو التحدث معهم في الخصوصيات أو الأمور المالية . ويفضل دائماً أن يتم الإقامة مع أشخاص لهم سمعة طيبة وموثوقين .
حفظكم الله أخوتي المبتعثين ..
ورحم الله من مات بدون أن يدري بأي ذنب قُتل!