د. بدرية العوضي تكتب: الانصاف والتنمية المستدامه
الإنصاف قيمة إنسانية أكّدتها كل الديانات السماوية ، واعتبرتها واحدةً من المقومات الأساسية في حياة الأسَر والمجتمعات والأمم .
قال الله سبحانه و تعالى ؛
( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) ،،
( وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )..
ففي الإنصاف يستتب الأمن في البلاد ويتمتع الناس بالاستقرار ، ويتحقق التكاتف والتعاون و التعاضد بينهم ، ومن ثم يشعر أبناء الوطن ، بأنهم سينالون حقوقهم بالعدل والمساواة دون انتقاص و دون مساس ودون الحاجة للبحث عن وساطة ، و بما يحافظ على كراماتهم و يصونهم من حالة الانكسار و التذلل عند المتنفذين او رجال البرلمان .
وقد أقرّت الدول قيمة الإنصاف ، كأحد المقومات الأساسية للتنمية المستدامة . ففي عام 2015 تداعى قادة العالم للعمل و البحث من أجل التوصل لمجموعةٍ من القواعد و المتطلبات و الضوابط التي تجعل العالم أكثر إنصافاً ، و ذلك من خلال الدعوة الى ضرورة الالتزام بأهداف و غايات التنمية المستدامة و مقوّماتها و قِيَمها ، و قد كان الهدف العاشر منها يدعو بصورةٍ مباشرة الى عالمٍ أكثر إنصافاً داخل الدول و خارجها .
إذاً قيمة الإنصاف تُعتبر الركيزة الأساسية من ركائز الحكم و مطلب ضروري لكفاءة أجهزته ؛ السياسية و الاقتصادية و الإدارية و القضائية ، و لضمان فاعلية أدائها ، و لصلابة إرادة الحكم و نفاذ بصيرته و متانة عزيمته و شرعية قراراتها و قُوّة نفادها ، وبما يحقق عدم التمييز ، و أن يخضع الجميع لنفس القواعد ولنفس الشروط للحصول على المزايا ، بغض النظر عن كل الاعتبارات الفئوية والمصلحية .
حيث إن غياب قيمة الإنصاف أو اعتلالها تُشيع مظاهر التعدي على القانون ، و تَهضم حقوق الناس و تُضعِف التزامهم بواجباتهم الوطنية و قِيمهم الأخلاقية ، و بدونها يتفشى الفساد وتنهض تحالفات المصالح و تتعاظم أدوات تبادل المنافع بين رجال السياسة والاقتصاد والبرلمان وبين القيادات الإدارية والسياسية في الدولة ، مما يؤدي إلى تراجع ثقافة الادارة المنتجة ، و ضعف الالتزام بمفاهيم العمل المؤسسي وشيوع مظاهر تسيس أجهزة الدولة واختراق نسيجِها ، و تنامي الإستقطابات السياسية و المحاصصة الفئوية و الترضيات المصلحية ، مما يسهل انتشار ظاهرة الإشاعة و استفحال آفة الفساد .
الأمر الذي يؤدي إلى خلق مناخ إداري كئيب ، وإلى تعاظم ترَهُل أجهزة الدولة ، وكذلك يرسّخ عيوبها ويُظهِر عجزها ويفقدها سحر فاعلية دورها ويلوّث رونق خدماتها و يُخّل في قوة تأثيرها ، و من ثم يُضعِف إرادة الدولة و يكسر هيبتها ، و يُحِد من دورها في ضبط الشأن العام وترشيده ، و كذلك تتعثر عندها جهود تحقيق التنمية المستدامة ، و تتآكل وظائف الدولة الأساسية في تعزيز الشعور الوطني و في تحقيق الأمن و الاستقرار و الطمأنينة في نفوس المواطنين .
لذلك يُفترض من الدولة أن تتبني منهجهاً يستنهض هِمَمِها ، و يُرشِّد استدعائها لإمكانياتها المادية و البشرية و قدراتها الفكرية و المعرفية ، و إحكام السيطرة على عملية توظيفها و الارتقاء بسُبل و ادوات تنميتها ، و بشكلٍ خاص الاهتمام بجوْدة مخرجاتها الثقافية و التعليمية و التدريبية.
بقلم الدكتورة بدرية العوضي
الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب