د. علي النجادة لـ «أكاديميا»: استمرار التعليم عن بُعد ثمنه سيكون باهظاً على الأسر
د. علي النجادة لـ «أكاديميا»: استمرار التعليم عن بُعد ثمنه سيكون باهظاً على الأسر
– لا بد من إيجاد الحلول الناجعة للتعامل مع الجائحة
– هناك خطورة من استمرار التعليم عن بُعد أبرزها الإصابة بأمراض نتيجة الجلوس أمام الأجهزة لفترات طويلة
– تغيّر أسلوب التعليم بشكل مفاجئ ودراماتيكي غيّر قواعد العملية التعليمية وأساليب التعليم والتعلم
– يجب التفكير في البدائل العملية كالمختبرات وورش العمل الإفتراضية
أكاديميا| التربية – التطبيقي – الجامعة – خاص
أكد أستاذ التصميم الداخلي في كلية التربية الأساسية بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب البروفيسور د.علي النجادة منذ أن أطلت جائحة الكورونا وانتشرت في مختلف بلدان العالم، تغييرت الكثير من الأنشطة البشرية والممارسات اليومية، ولم يسلم التعليم في كافة المراحل من التأثر بإسقاطات هذه الجائحة التي أصابت الناس “في مقتل” دون تفريق بين الجنس واللون والعرق والعمر والديانة والحالة الاقتصادية والتوجه السياسي وما إلى ذلك. أصيب العديد من الناس إصابات متباينة إنتهت ببعضهم إلى الوفاة، ومن حماه الله ولم يصب بهذا الداء ِ(اللغز) الذي لا يعرف حتى الآن حقيقة أصله ومنشأه، فقد وضعت على حياته وحركته العديد من القيود واللاءات.
وقال النجادة في تصريح خاص لـ «أكاديميا» إنَّ التعليم هو أحد أهم الأنشطة اليومية التي أصابتها جائحة الكورونا على غرّة وفي غفلة من الزمن لكثير من دول العالم. لذلك هرعت معظم دول العالم للإتجاه إلى استخدام البديل الممكن والمتاح ألا وهو التعليم عن بُعد.
إن التعليم عن بُعد هو ليس أمر جديد وليد الساعة، وإنما هو منتشر منذ نحو ثلاثة عقود في بعض دول العالم لاسيما في التعليم الجامعي، أما اليوم فقد إنتشر هذا النوع من التعليم كما النار في الهشيم في كافة مراحل التعليم وغالبية دولة العالم لأنّه أصبح الأسلوب المتاح والخيار الوحيد لإستمرار عملية التعليم.
وأضاف أنَّ أهمية التعليم في حياة الأفراد والمجتمعات والأمم كبيرة وحيوية، لأنّ عليها تقوم جميع الأنشطة الإنسانية الحيوية من إقتصاد وسياسة وطب وهندسة وبناء وتطوّر تقني وتنمية للموارد البشرية وما إلى ذلك. لذلك أصبح لزاماً على جميع الدول ومن خلال أصحاب القرار أنْ ينظروا بعين الجد للإستثمار في هذا المجال الحيوي الذي يؤثر في حياة ورفاة الإنسان على هذه الأرض.
وأكد النجادة على أنَّ تغيّر أسلوب التعليم وبشكل مفاجئ ودراماتيكي من التعليم التقليدي في الفصول الدراسية على إختلاف مراحل التعليم إلى التعليم عن بُعد ومن خلال أجهزة الحاسوب أو التليفونات الذكية وغيرها، قد غيّر قواعد العملية التعليمية وأساليب التعليم والتعلّم بشكل واضح وجوهري. من هنا برز عدد من التساؤلات المستحقة للمقارنة بين التعليم التقليدي والتعليم عن بُعد في الجدوى الفعلية على كافة المستويات وعلى المدى القريب والبعيد، وفي آلية وأدوات تعليم المواد النظرية في مقابل المواد العملية والتطبيقية.
وحول مدى تأييده لعودة التعليم التقليدي وعودة الطلبة لقاعات الدراسة، أفاد النجادة: إنَّ عملية العودة للتعليم التقليدي أمر لابد منه لتعليم بعض المقررات الدراسية والتدريبات العملية التي يصعب وقد يستحيل تنفيذها من خلال التعليم عن بُعد لأنّها تعتمد على الممارسة العملية في مختبرات متخصصة أو ورش عمل فنية مجهزة بشكل متكامل.
وأوضح النجادة أنَّ ما حصل خلال الأشهر الماضية من إنتشار جائحة الكورونا بشكل مفاجئ ووبائي، وإحتمال الإصابة بأمراض أخرى في المستقبل القريب أو البعيد، لا قدر الله وحمانا جميعاً منها، وذلك بناء على قراءتنا للتاريخ، يحتم على جميع القائمين على عملية التعليم في جميع دول العالم التفكير في عملية تهجين التعليم التقليدي بالتعليم عن بُعد وذلك من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة في تلبية الاحتياجات الضرورية لاستمرار العملية التعليمية دون عراقيل أو إنقطاع.
وشدد على أنّه يجب التفكير في البدائل العملية كالمختبرات وورش العمل الإفتراضية، بالإضافة إلى التفكير في برامج إلكترونية حديثة يمكن أن تُسهّل عمليات تنفيذ بعض المهام أو التمارين الضرورية مثل إستخدام برامج الرسم الهندسي والتلوين أو برامج العلوم بمختلف فروعها، وبرامج اللغويات وغيرها من العلوم المختلفة، لأننا فعلياً نستخدم في الوقت الحالي مثل هذه البرامج. أنا لا أدعي بأنَّ الأمر سيكون سهلاً وغير مكلف، لكن الواقع يفرض علينا ألا نتوقف ونتحجر لأنَّ الزمن لا يتوقف والإبداع الإنساني ليس له حدود وكما يقال: “الحاجة أم الاختراع”.
وحول وجود أو عدم وجود خطر من استمرار التعليم عن بُعد، أجاب البروفيسور النجادة، بأنَّ الاستمرار في هذا النوع من التعليم بعض الأخطار التي يمكن أن تتمثل في الإعتماد بشكل كبير على الآلة وهذا أمر سيكون باهظ مالياً على عدد كبير من الأسر ذات المداخيل المنخفضة وعدد الأطفال المرتفع نسبياً. كذلك فإنَّ من أخطار التعليم عن بُعد ما يمكن أن تتسبب فيه طول فترات النظر إلى شاشة الحاسوب أو الأجهزة الذكية من إرهاق للعين وصداع للرأس وأمراض لا يعلم نوعها وخطورتها إلا الله جل وعلا. كذلك فإنَّ كثرة الجلوس للتعلّم عن بُعد يمكن أن تتسبب في الإصابة بأمراض جسدية أخرى، ناهيه عن الآثار الاجتماعية التي يمكن أن تكون سلبية والمتمثلة في انحسار المخالطة الاجتماعية والتعامل مع الآخرين وجهاً لوجه والتوجه للانعزال والوحدة والقلق والتوتر وأمراض نفسية أخرى محتملة. كذلك فإنّه من المتوقع أن تظهر آثار سلبية أخرى على الفرد والأسرة والمجتمع في وقت لاحق إذا ما استمر هذا النوع من التعليم.
وعن سؤالنا حول كيفية التعامل مع التعليم عن بُعد في حال استمرار الواضع الراهن، أفاد النجادة بأنّه لا بد من إيجاد الحلول الناجعة للتعامل مع هذا الحالة وذلك من خلال دراسة إيجابيات وسلبيات التعليم عن بُعد، يلي ذلك التطوير والإستثمار في إيجابيات هذا النوع من التعليم ومعالجة كافة أو معظم السلبيات التي يمكن أن يكون منشأها ليس التعليم عن بُعد بذات ولكن أساسها الجهل بكفية وآلية التعامل مع هذا النوع من التعليم الذي أستجد على الكثيرين.
وفي آخر سؤال لنا حول أثر التعليم عن بُعد على التحصيل العلمي للطلبة، أفاد النجادة أنَّ هذا الأسلوب يعتمد نجاحه بشكل كبير على عدة أركان هي: المعلّم، والمتعلّم، والمنهج، وطرق التعليم، والبيئة التعليمية، وأدوات التعليم. فإذا ما أعد المعلم بشكل متكامل لإتقان التعامل مع أدوات وبرامج التعليم عن بُعد، وإذا ما توجه المتعلم وأفراد أسرته بكل جد وجدية لهذا الصنف من أسلوب التعليم، وإذا ما توفرت للمعلم والمتعلم وسائل التعليم وتلقي التعليم بالشكل الصحيح والمناسب، وإذا ما تمَّ تطوير المناهج الدراسية للتماشي مع متطبات وطبيعة التعليم عن بعد، وإذا ما تمَّ توفير المتطلبات الأساسية والضرورية في بيئتي التعليم والتعلم، فإن التعليم عن بُعد يمكن أن يؤتي ثماره المرجوة، ولكن إذا ما حدث خلل وإختلال في أي من تلك العناصر والعوامل المؤثرة في علمية التعليم عن بُعد فإنَّ الفشل سيكون مصير هذا الأسلوب الجديد. وفي الواقع فإنَّ مثل هذا الخلل إذا ما حدث فسوف يؤثر بالتأكيد على التعليم التقليدي وعلى أي نوع آخر من التعليم قد يستحدث في المستقبل القريب أو البعيد.