الكاتبة سوسن إبراهيم تكتب: تجارة الوهم
تجارة الوهم
حينما بدأت أقرأ كتبا خارج المنهاج الدراسي _ الذي لم يكن ممتعا حقا _، بدأت بقراءة كتب التنمية. كنت عاشقة لقلم وأفكار خبير التنمية البشرية المصري ابراهيم الفقي -رحمه الله- قرأت مفاتيح النجاح والثقة بالنفس وقوة التفكير وغيرها بل واستمعت لمحاضراته المصورة، وقرأت للكاتب الكندي بريان تريسي كتابه عن علم نفس النجاح. واشتهرت الكاتبة الاسترالية بكتابها السر فتلقفته بنهم وكتبا أخرى عن الكاريزما وفنون الحياة وأكثر من نفس المجال.
وبالفعل كنت اتأثر بها بشكل ملحوظ ولكن بشكل مؤقت. وعندما بدأت بالتبحر بالروايات العالمية والكتب الادبية اصبحت كتب التنمية نوعا لا استسيغه بسهولة، تحولت من الانجذاب والمتعة الى النفور، لأسباب جمة منها ان الكتب الادبية والعالمية وجدت بها عمقا وواقعية لم اجدها بالأولى. والسبب الاخر بانها كتبا تبيعني “الوهم” بابتسامه عريضة ومسحة من الرضا الساذج.
يقول نعوم تشومسكي “باختيارٍ مِنا ، يُمكِنُنا أن نعيشَ في عالمٍ من الوهم المريح.”
كتب التنمية هي تجارة قديمة تبيعنا الوهم، تصور لنا الحياة كعالم وردي جميل وكل مشاكلنا من التوتر وعدم الثقة بالنفس إلى الفقر والفقد هي مُشكلات هينة تتخطاها بمجرد التركيز على شيء أخر او كما يشرح كتاب السر _على سبيل المثال_ بجذب فكرة “سعيدة” بدلا من الانشغال بفكرة اخرى عابسة وكئيبة. أو أن تحقق أرباحا طائلة بمجرد تمدُدك على فراشك وتخيل نفسك تسبح بين فئات الدولار والاسترليني كما في كتبٍ أخرى تبيعك وهم الثراء في ٧ أيام أو عشرة!
حقيقة، أقدر المشاعر الايجابية التي تحاول بثها تلك الأنواع من الكتب ولكنها غير عملية ولا واقعية، قد تخطفك من عالمك المرير لحظات أو تؤثر بنفسيتك مؤقتا ولكنها سرعان ما تتبخر وتغوص انت مرة اخرى بالواقع.
الأجدر بهذه الكتب أن تحفزك على العمل والسعي الدؤوب لتحقيق النجاح بدلا من تكرار جمل رنانة عقيمة. أن تعلمك كيفية البدء باستثمار طاقاتك وامكانياتك بدلا من التمدد وتخيل الثراء، أن تصنع من نفسك شخصا أقوى يواجه الحياة بطرق علمية مدروسة تعيد صياغة مفاهيمك وتوضح أساليب التغلب على المشكلات بدلا من التهرب منها أملا باختفائها، ان تؤكد بأن الحزن والألم والفقد أطراف لا تتجزأ من حياتنا وبأننا لابد ان نفسح المجال لأنفسنا لنعيشها بكاملها، أن نطلق العنان لدموعنا بالانهمار، أن نحزن ونبكي وانه لا بأس بذلك لأنها وسيلة اولية لنعترف بأننا أحياء ونتأثر بداية لنتخطى تلك المرحلة الصعبة ونعيشها كما يجب، لتنقشع شمس الأمل من جديد ويصبح المستقبل جليا ومشرقا لا مليئا بالضباب وخيبات الماضي تلاحقنا.
ان تعلمنا بان الحياة ليست دائما مشرقة وبأنها ليست وردية بل انها مزيجًا من الألوان وهذا ما يُميزها. بأننا في أوقات معينة لابد ان نقاتل لنصل الى اهدافنا وبأوقات اخرى لابد ان نرتجل أساليب تسعفنا بالحياة ليست بالضرورة ناجحة، او ان نرتجل عن مقعد القيادة ونجعل الاقدار تقودنا حيثما شاءت إن نحن ضللنا الطريق واحترنا.
ان تعلمنا بأن الحياة ليست دائما بسيطة ولا جميلة ولكن لابد أن نعيشها بالطريقة التي نرغب بلا اوهام تأسرنا ولا قوانين كثيرة تقيدنا لنكون “مثاليين” ونماذج تستحق الدراسة. وان لا أحد يخلو من النقص حتى وان كان شخصا عظيما. حتى وان أظهر ما لا في نفسه، ستظل هناك نقاط ضعف تملؤه كما توجد القوة.
اذا قررتُ يومًا ما أن أكتب كتابًا يُحفز الآخرين سأجعله مليئا بالتجارب الفاشلة، لأثبت لكم بأن الحياة لا تحفل بالفشل بل تمضي على أي حال وانت ما عليك سوى ان تتأقلم وتتخطى وتنهض من جديد، أن تعيش جميع المشاعر بلا هرب او تأجيل، أن تعيش الحياة بحذافيرها فذلك المغزى منها.
سوسن إبراهيم