ما هي أبرز الإنجازات والاكتشافات الطبية لهذا العام؟
بالنظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، فقد شهد عام 2020 العديد من الإنجازات الطبية المهمة على مستوى العالم والتي ستساهم حتماً في تحسين إنذار الأمراض المزمنة وزيادة معدّلات البقاء على قيد الحياة عند الإصابات المرضية الحادّة. سنتكلم في هذا المقال عن أبرز الأحداث الطبية التي شهدها هذا العام وجهود الأطباء المبذولة لمواجهة الأمراض الحادّة والمزمنة التي تهدّد جنسنا البشري.
من إنجازات الطب في 2020: دواء هشاشة العظام مزدوج المفعول
قامت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في شهر أبريل من عام 2020 بإعلانها عن الموافقة على استخدام دواء جديد في مجال أمراض العظام وتحديداً الهشاشة العظمية. تعتبر هشاشة العظام من أكثر الأمراض الشائعة لدى كبار السن والتي تحمل اختلاطات خطيرة قد تصل إلى الوفاة نتيجة بعض أنواع الكسور العظمية الحاصلة بسببها.
يحمل الدواء الجديد اسم روموسوزوماب (Romosozumab) وهو عبارة عن عقار ذي تأثير مزدوج على الجهاز العظمي، حيث يقوم بتأثير محفز لزيادة تكوين وتدعيم العظم مع تأثير مثبط للارتشاف العظمي. ففي تجربة سريرية تم نشرها في مجلة New England Journal of Medicine، أظهرت نتائج الأبحاث أن النساء المصابات بهشاشة العظام الحاصلة بعد انقطاع الطمث (سن اليأس) واللاتي تلقين العلاج بعقار روموسوزوماب حملهن خطر لحدوث الكسور الانهدامية في العمود الفقري بشكل أقلّ بنسبة 50% وخطر حدوث كسور الورك بشكل أقلّ بنسبة 38% من النساء المصابات بهشاشة العظام واللاتي تعالجن بمضادات الارتشاف العظمي فقط. مما يفتح آفاقًا جديدة في مجال طب الشيخوخة ويزيد من معدّلات الأعمار المتوقعة للبشر.
تقدّم كبير في استخدام الجراحة غير الغازية في جراحات الصّمام التاجي
تم تقديم تقنية إصلاح الصّمام التاجي عن طريق الجراحة غير الغازية لأول مرة عام 2013 وذلك عن طريق استخدام جهاز مُبتكر خاصّ عبر القثطرة، تمت الموافقة عليه من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، ويتم من خلال هذا الجهاز الجديد إصلاح الإصابة الحاصلة في الصمام التاجي لدى الأفراد الذين يعانون من قصور صمّامي ارتجاعي بدئي وغير مؤهلين للخضوع لـعملية قلب مفتوح.
وفي شهر مارس من عام 2020، قامت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بـالموافقة على توسيع استخدام هذا الجهاز الجديد ليشمل عمليات إصلاح قصور الصّمام التاجي الارتجاعي الثانوي الحاصل نتيجة تضخّم البطين الأيسر في القلب. والمّميز في هذا الإنجاز، أن مرضى قصور الصمام التاجي الارتجاعي الثانوي لضخامة البطين الأيسر كانوا من ضمن المرضى ذوي الإنذار السيئ في معدّل الحياة على الرغم من العلاجات الطبية التلطيفية والتي كانت تفشل في تخفيف أعراضهم أو شفائهم.
الطب في 2020: أول علاج على الإطلاق لاعتلال العضلة القلبية النشواني بالترانسثيريتين (transthyretin amyloid cardiomyopathy)
إن اعتلال العضلة القلبية النشواني بالترانسثيريتين هو مرض مترقي ومميت، في هذا الاعتلال تترسب الألياف النشوانية المكونة من بروتين ترانسثيريتين مكان الألياف العضلية الفعّالة في جدار البطين الأيسر للقلب، تقود هذه الترسبات في المراحل النهائية للمرض إلى استبدال النسيج العضلي للقلب بهذه الألياف غير الفعّالة وبالتالي تصلّب عضلات جدار البطين الأيسر للقلب والذي يؤدي في النهاية إلى الفشل القلبي.
تم تطوير عقار جديد عام 2020 يُدعى تافاميديس (Tafamidis)، ويقوم هذا الدواء بالارتباط مع ألياف الترانسثيرتين مانعاً إياها من الترسّب مكان الألياف العضلية السليمة للقلب. وحصل هذا الدواء على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية بعد النتائج الواعدة التي حققها في التجارب السريرية، حيث أنّه أدى إلى خفض معدلات الوفيات ومعدلات الاستشفاء المرتبطة بالأمراض القلبية والوعائية بنسبة 30% لدى المرضى الذين تناولوه عن المرضى الذين لم يخضعوا للعلاج بهذا العقار.
العلاج المناعي لحساسية الفول السوداني
تعتبر حساسيّة الفول السوداني من أكثر حالات فرط الحساسية صعوبةً وإثارة للتوتر لدى الأطفال وآبائهم نظراً لسهولة التعرض العرضي لهذه المادة الغذائية الشائعة. وفي هذا العام قامت لجنة من الخبراء بإرسال توصية إلى إدارة الغذاء والدواء الأمريكية للموافقة على أول علاج مناعي فموي يستهدف الحساسية من الفول السوداني، وهذا العلاج عبارة عن كبسولة دوائية تحتوي على كمية ضئيلة من الفول السوداني بتراكيز مدروسة.
وجاءت توصية هذه اللجنة بناءً على نتائج الاختبارات السريرية لتجربة عشوائية مزدوجة، حيث أظهرت المرحلة الثالثة من هذه الدراسة أن 3 من أصل كلّ 4 أطفال (أي 76.6%) وصلوا إلى جرعة صيانة مقدارها 300 ميللي غرام (أي ما يعادل حبّة فول سوداني واحدة) نتيجة التعريض التدريجي للأطفال عبر هذه الكبسولات. وتأتي أهمية هذا العلاج من خلال تقليل القلق من ردّ الفعل التحسسي العنيف الناتج عن التعرض العرضي لهذه المادّة.
الطب في 2020: تحفيز الحبل الشوكي مغلق الحلقة لعلاج آلام العمود الفقري
إن تحفيز الحبل الشوكي لعلاج آلام العمود الفقري تقنية ليست جديدة في عالم الطب، حيث يعمل التحفيز التقليدي للحبل الشوكي عن طريق إرسال نبضات كهربائية ثابتة عن طريق محفّز مزروع ضمن الحبل الشوكي، تؤدي هذه النبضات إلى التقليل من إشارات الألم التي تصل إلى الدماغ وبالتالي تخفيف الشعور بالألم. أما نقطة الضعف في هذا العلاج التقليدي هو أن المحفّز المزروع يعتمد على إرسال نبضات كهربائية ثابتة لا تأخذ بعين الاعتبار حركة الشخص مما يؤدي إلى محدودية في فعالية هذه الطريقة في تخفيف الآلام المزمنة.
قام الباحثون بتطوير تحفيز الحبل الشوكي مغلق الدارة والذي يحصل على ردود الفعل من الحبل الشوكي للمريض نفسه. أي أن المُحفز المزروع قادر على التواصل بشكل مباشر مع الخلايا العصبية في النخاع الشوكي وبالتالي تعديل قوّة النبضات الكهربائية المُرسلة وفقاً لذلك. وباستخدام هذه التكنولوجيا يمكن الحصول على مُخفف للآلام يعتمد على نشاط المريض لتحديد قوة النبضات الكهربائية المُرسلة إلى الدماغ مما يعني نوعية حياة أفضل واستهلاك أدوية مُسكنة أقلّ. وهنا لا تزال هذه التقنية بانتظار موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بناءً على معطيات الدراسة التي يقوم بها العلماء.
دخول البيولوجيا في إصلاح العظام
يعدّ تمزق الرباط التصالبي الأمامي (ACL) إصابة شائعة من الإصابات العظمية وبشكل خاصّ عند الرياضيين ولاعبي كرة القدم. يعتمد إصلاح هذا التمزق على أخذ قطعة من وتر عضلة ثم القيام بعملية زرعه مكان الرباط المتمّزق. لكن هناك احتمال 20% لتمزق هذا الوتر وانتكاس الإصابة مجدّداً.
الآن، يأمل الباحثون في الحصول على نتائج أفضل على المدى الطويل باستخدام المواد البيولوجية الخاصة بالمريض -الخلايا ومكونات الدم وعوامل النمو والمواد الطبيعية الأخرى في الجسم- لتعزيز الشفاء بشكل أفضل وتقليل الالتهاب في إصابات العظام. حيث تستخدم التقنية الجديدة -المعروفة باسم إصلاح الرباط الصليبي الأمامي المحسن (BEAR)- إسفنجة محقونة بعوامل بيولوجية مع دم المريض. هذه الإسفنجة المحقونة تكون بمثابة سقالة لتحفيز التئام الرباط الصليبي الأمامي، والحفاظ على الأنسجة بدلاً من قطعها.
تجري الآن تجربة سريرية عشوائية تُستخدم فيها هذه التقنية الجديدة ويأمل العلماء والباحثون توسيع استخدام هذه التقنية لتشمل إصابات الكفة المدورة، كذلك لاستخدام هذه المواد كطلاء لتغليف الأجهزة الخارجية قبل زرعها في الجسد للوقاية من الإلتهاب ورفض الجسم لها.
الطب في 2020: غلاف من الصادات الحيوية لمنع الالتهاب في الأجهزة المزروعة في القلب
أجهزة القلب المزروعة مثل أجهزة تنظيم ضربات القلب ومزيلات الرجفان معرضة لخطر الإنتان. لكن تغليف هذه الأجهزة في “غلاف” من الصادات الحيوية -غلاف شبكي يحتوي على الصادات الحيوية- والذي يقوم بالتسريب البطيء لصادين حيويين، ريفامبين ومينوسكلين، لمدة 7 أيام بعد الزرع، يقوم بتقليل خطر حدوث الإنتان والالتهاب في هذه الأجهزة المزروعة.
حصل هذا الغلاف على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عام 2013، لكن المتخصّصين في الرعاية الصحية كانوا في انتظار نتائج دراسة WRAP-IT (Worldwide Randomized Antibiotic Envelope Infection Prevention) والتي أظهرت انخفاض بنسبة 40% في حالات إنتان والتهاب الأجهزة المزروعة في القلب عند استخدام هذا الغلاف، وهذا ما يجعل أجهزة زرع القلب أكثر أماناً.
حمض البيمبيدويك للمرضى الذين لا يستطيعون تناول الستاتينات
تعتبر مشكلة ارتفاع شحوم الدم والكوليسترول من المشاكل الصحية الشائعة جداً في وقتنا الحالي والتي تتطلب تناول أدوية خاصّة (الستاتينات) لخفض مستويات الكولسترول في الدم لتجنب الآثار الطبية الخطيرة الحاصلة نتيجة ارتفاع مستوياته. لكن هذه الأدوية تسبّب لدى 5% إلى 10% من المرضى آثار جانبية مزعجة وهي الآلام العضلية.
حمل الطب 2020 معه حلاً لهذه المشكلة، حيث قام العلماء بالإعلان عن عقار جديد مكوّن من حمض البيمبيدويك (bempedoic acid) والذي يعمل بشكل مشابه للستاتينات وذلك عن طريق منع عمل إنزيم رئيسي يستخدمه الجسم لصنع الكوليسترول. لكن على عكس الستاتينات، هذا الحمض لا يتراكم في العضلات وبالتالي لا يوجد هنا خطر حدوث هذه الآلام العضلية.
حالياً يتم انتظار موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على استعمال هذا الدواء كبديل عن الستاتينات والتي أظهرت التجارب السريرية عليه قدرته على خفض مستويات البروتين الدهني منخفض الكثافة (LDL) بنسبة 21% لدى المرضى الذين تناولوه. وفي حال تمت الموافقة عليه سنكون أمام إضافة أُخرى على علاجات خوافض الشحوم الدموية
الطب في 2020: مثبطات PARP للعلاج الوقائي من سرطان المبيض
واحدة من أهم التطورات في علاج سرطان المبيض مؤخراً هي مثبطات (poly-ADP ribose polymerase (PARP والتي حسّنت معدّل البقاء على قيد الحياة عند المرضى، وتمت الموافقة عليها الآن من قبل إدارة الغذاء والدواء (FDA) كخط أول في العلاج الوقائي والتلطيفي في المرحلة المتقدمة من المرض.
حتى الآن، لم يتم اكتشاف علاج وقائي على نطاق واسع في سرطان المبيض. ولكن في دراسة مُبهرة نُشرت في أواخر العام الماضي، أظهر الباحثون انخفاضاً بنسبة 70% في خطر تطور المرض أو الوفاة خلال 3 سنوات عند المشاركين الذين يستخدمون مثبطات PARP المعتمدة للعلاج الوقائي. ولا تزال هناك العديد من التجارب قيد الحدوث، ومن المتوقع أن تخطو مثبطات (PARP) خطوات كبيرة في تحسين نتائج العلاج في سرطانات المبيض.
الطب في 2020: علاج قصور القلب سوي الوظيفة القذفية عن طريق أدوية السكري
لا يوجد حتّى الآن علاج فعال لقصور القلب سوي الوظيفة القذفية المعروف بـ (HFpEF) لكن هذا العام قد يحمل معه أخباراً جيّدة. يتم الآن اختبار دواء يستخدم لخفض مستويات سكر الدم عند مرضى السكري نمط 2، هذا الدواء عبارة عن مثبطات الناقل المشترك 2 لغلوكوز الصوديوم (SGLT2).
أصبح استخدام مثبطات (SGLT2) لعلاج قصور القلب سوي الوظيفة القذفية موضع اهتمام عندما أفاد الباحثون أن هذه الأدوية تقلل من خطر الموت القلبي الوعائي وقصور القلب لدى مجموعة من مرضى السكري من النمط 2 المقبولين في المستشفيات. كما أظهر الأفراد الذين يعانون من قصور القلب سوي الوظيفة القذفية دون مرض السكري والموضوعين على مثبطات (SGLT2) نتائج مماثلة. لا تزال الدراسات جارية في هذا الخصوص لكن النتائج الأولية تبدو واعدة، وربما نكون أمام علاجات جديدة محتملة للمرضى الذين يعانون من هذا النوع من قصور القلب.
اللقاح الخاص بفيروس كورونا (كوفيد-19) في الوقت الحالي
لا يوجد لقاح حتى الآن مصرح به ومُوصى به للوقاية من فيروس كورونا (COVID-19) من قبل مركز السيطرة على الأمراض (CDC). حالياً توجد العديد من التجارب السريرية الجارية لاكتشاف لقاح ضد كورونا، ولكي تكون لقاحات فيروس كوفيد-19 مُرخصة ومُوصى باستخدامها في الولايات المتحدة وباقي بلدان العالم، فمن المهم فهم كل لقاح من ناحية طريقة التأثير وفترة الوقاية والآثار الجانبية الناتجة عنه.
يمكن القول إن هذا العام رغم أنه لم يحمل معه لقاح لهذا الفيروس إلا أنّنا قد نكون أمام بداية اكتشافه، ففي شهر نوفمبر أعلن مركز السيطرة على الأمراض عن وصول 5 مرشحين أقوياء للقاح إلى مراحل متقدمة في التجارب السريرية واسعة النطاق المجراة. تشمل هذه اللقاحات: لقاح COVID-19 من AstraZeneca لقاح Janssen’s COVID-19 لقاح Moderna’s COVID-19 لقاح Novavax’s COVID-19 لقاح Pfizer’s COVID-19 ولا يزال العالم بانتظار النتائج النهائية والتي باتت قريبة لهذه الدراسات لبدء الاستخدام واسع النطاق لهذه اللقاحات ضد الجائحة.