موفق حوسة يكتب :أهمية تكنولوجيا الصحة الرقمية في خضم جائحة كوفيد
30 أغسطس 2020: يمكن أن يكون لتقارب تقنيات الصحة الرقمية فوائد كبيرة وتأثير إيجابي على تقديم خدمات الرعاية الصحية، الآن أكثر من أي وقت مضى. وفي عام 1879، اعتبرت المكالمات الهاتفية وسيلة مهمة لتسهيل الاستشارات الطبية التي تُقدم للمرضى. وفي عام 1925، تحدثت مجلة “ساينس آند إنفنشن” عن استخدام غير شائع في ذلك الوقت لأجهزة الراديو لتثقيف السكان على نطاق أوسع بالجوانب الصحية. واليوم، ومع ظهور أجهزة الحاسوب الشخصية، واتصالات الإنترنت، والأجهزة المحمولة، ووسائل التواصل الاجتماعي، والذكاء الاصطناعي، والصور المجسمة، والأجهزة القابلة للارتداء، والجراحة عن بعد، تطورت تقنيات الصحة الرقمية وتحولت إلى منظومة متكاملة، وأصبحت ضرورية لبقائنا اليومي.
الصحة الرقمية في خضم الأزمات الصحية
ما لا يدعو للدهشة هو أن أزمة انتشار فيروس كوفيد-19 ساعدت في إلقاء المزيد من الضوء على أهمية الصحة الرقمية، خاصةً عندما يتعلق الأمر بتثقيف المرضى أو المستهلكين الصحيين وتشخيص إصابتهم وعلاجهم. فعلى سبيل المثال، أصبحت تطبيقات تتبع المخالطين طريقة مقبولة على نطاق واسع للحد من انتشار الفيروس. وأضحت الاستشارات عن بعد، التي كانت آخذة في الارتفاع بالفعل قبل انتشار الفيروس، ممارسة طبيعية جديدة الآن.
وتقود دولة قطر الجهود المبذولة لتعزيز تطبيقات الصحة الرقمية في المنطقة. وكان النجاح الأكبر الذي حققته الدولة على مر السنين هو تطبيق نظام السجل الصحي الإلكتروني، الذي يربط المستشفيات الأولية والثانوية والمرجعية. ويحسن هذا التدفق للمعلومات داخل قطاعات الرعاية الصحية من عملية اتخاذ القرارات السريرية، واستقبال المرضى، وإدارة المستشفيات، وتخطيط السياسات الصحية.
ولكن عندما يتعلق الأمر بهذه التقنيات، سنجد أن عمليات التطبيق ليست كلها متساوية. ففي دولة قطر، ظهر نموذج من مستويين على مر السنين يمكن أن نرى فيه المستشفيات الحكومية أو التابعة للحكومة تتبنى تقنيات صحية رقمية أكثر تقدمًا، مقارنة بالمستشفيات الخاصة. وهذه المستشفيات، بما في ذلك مركز سدرة للطب ومراكز الرعاية الصحية الأولية التابعة لمؤسسة حمد الطبية، تمهد الطريق نحو تعزيز تطبيقات الصحة الرقمية. وسوف تتسبب أزمة انتشار فيروس كوفيد-19، إلى جانب التدابير الاحترازية ذات الصلة، في زيادة استخدام القطاع الخاص لتقنيات الصحة الرقمية من أجل تحقيق المزيد من الدخل، عندما تكون شركات التأمين قادرةً أيضًا على تعويض العيادات الطبية الخاصة عن هذه الخدمات.
شيء للمتشككين
يشكل تبني دولة قطر لتطبيق “احتراز” نموذجًا فريدًا في العالم. ورغم أنني كنت ذات يومٍ من المتشككين في جدوى استخدام هذا التطبيق، إلا أنني سرعان ما أدركت قدرته على حماية الصحة العامة لسكان دولة قطر. وتعتبر تجربة استخدام تطبيق “احتراز” ناجحة بكل المقاييس لأن السياسات الحكومية المتعلقة به تحد أيضًا من دخول الشخص المريض إلى الأماكن العامة. وبدون التنفيذ الكفؤ لهذه الإجراءات، لما كان التطبيق قد حقق هذا النجاح.
ولكن كما هو الحال مع أي تقنية، من الممكن أيضًا حدوث انتهاك لاستخدام التطبيق، وستكون هناك إمكانية لوجود الثغرات. وفي شكله الحالي، يسهل تطبيق “احتراز” عمليات مسح رمز الاستجابة السريعة، وهو ما يترك شكوكًا أقل في ما إذا كان المستخدمون الخاضعون للعزل يعرضون لقطة لشاشة “خضراء” ولكنها ثابتة. وقد تمكنت الصين، وهي البلد الذي انتشر منه فيروس كوفيد-19، من القضاء على جميع آثار الفيروس مع الالتزام الصارم بتتبع المخالطين.
ونظرًا لأن الدول الغربية تظهر فيها تباينات خاصة، فقد يكون من الصعب تطبيق هذه التقنيات بشكل كامل، حيث يتصور عموم الجمهور أنها تشكل انتهاكًا للحريات الشخصية. فعلى سبيل المثال، تعرض التطبيق الذي استخدمته الصين لانتقادات كبيرة بسبب ميله إلى جمع المعلومات الخاصة والشخصية للمستخدمين. وفي كثير من أنحاء العالم الغربي، يُترك استخدام مثل هذه التقنيات لتقدير المستخدم فقط.
الاستخدام وإساءة الاستخدام
يتمثل التحدي الأكبر الذي نواجهه الآن في سد الفجوة بين المريض والاستخدام السريري للتقنيات الجديدة. فكلما اتسع نطاق الأدوات المتاحة لنا، زادت صعوبة دمج البيانات وتفسيرها وتوحيدها. وإذا كان المريض يتتبع مستويات السكر لديه باستخدام لاصق مراقبة الجلوكوز، وأنماط نومه باستخدام ساعة فيتبيت، ومعدل نبضات قلبه باستخدام ساعة ذكية، فكيف يمكن دمج هذه البيانات بشكل شامل في خطة رعاية المريض؟ بغض النظر عن الحمل الزائد للمعلومات، لا تسمح أنظمة السجلات الطبية التي نستخدمها اليوم بدمج البيانات التي ينشئها المستخدم في شكل إلكتروني.
ومع زيادة التقنيات والاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي، أصبحت سلامة المرضى والرعاية العادلة والميسورة تمثل قضايا مهمة للغاية لا تزال تتطور. وعلاوة على ذلك، هناك تباين بين استخدام تكنولوجيا الرعاية الصحية في البلدان المتقدمة والنامية، وهو ما يوسع من الفجوات وغياب المساواة في استخدامها. من ناحية أخرى، إذا أصبحت خوارزميات الذكاء الاصطناعي متاحة وميسورة على نطاق واسع، فما الذي يمنع ممارسًا عامًا من إجراء تقييم لسجل المريض على غرار تقييم طبيب متخصص؟
مسار المستقبل
لعل الأهم من استخدام الأدوات الرقمية التي تلبي احتياجاتنا الشخصية هو ضمان أن تكون هذه الأدوات قابلة للنشر وقادرة على تقديم تقييمات دقيقة لسجلات المرضى في الوقت الفعلي. ولا يخدم نظام سجل المرضى غير المدروس أو المجزأ سوى القليل من الأغراض حتى لو كان يشتمل على أكثر التقنيات تقدمًا. ويجب أن نتذكر دائمًا أن التكنولوجيا موجودة لخدمة الاحتياجات البشرية، ولكن بدون توافر إمكانية تطبيقها، فإنها لن تدوم طويلاً.
* يشغل الدكتور موفق حوسة منصب أستاذ مشارك بكلية العلوم والهندسة في جامعة حمد بن خليفة. وتقدم الكلية برنامجَّين متقدميّن في المعلوماتية الصحية، بما في ذلك برنامج ماجستير نظم المعلومات في الإدارة الصحية وبرنامج ماجستير تحليل البيانات في الإدارة الصحية.
ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.