كتاب أكاديميا

غادة الشريف تكتب :نافذتي السرية

لأمر أشبه بالحصول على جارٍ جديد، نملك غرفتين مجاورتين، يمكنني رؤية الأضواء كل ليلة، واستطيع أن ألمحه وهو منهمك في القراءة، وفي بعض الليالي أستطيع سماع الموسيقى تعلو في الجهة المقابلة، لا شك أنه غريب الأطوار، وهذا ما جعلني أسترق النظر إليه دائما، طريقة تناوله العاديّة للقهوة تعجبني، وفي كل مرة يتأمل فيها الحياة من وراء النافذة، كان يُلقي التحية ويبتسم.

 

وفي الليالي الممطرة كان يسدل الستائر، ويختفي، لا أعلم إن كان يخشى المطر؟ أم يخاف غضب الرعد، لقد كنا وحيدين، لا نملك إلا مراقبة بعضنا البعض، دون أن نستخدم أصواتنا..

 

وكل ليلة، في ساعةٍ متأخرة! يوقظني احتكاك الأغصان بنافذتي، يمكنني أن أتحسس الوحدة والخوف في آن.

 

أترك دفء الفراش وأتقدم بضع خطوات لألقي نظرة على صديقي الصامت، ها هو ذا يجلس على مكتبه، على إضاءة  خافته ، يكتب بشراهة ويرمي بالأوراق في كل مكان، أعتقد أنها أفكاره المبعثرة، أو مشاعره الجامحة، وهذا ما كان يولد لديّ الرغبة بالتجول في خياله، ربما استطعت التقاط فكرة صغيرة أنظر من خلالها للبُعد الآخر الذي يعيش فيه.

 

أشعر بالبرد يتسلل إلى أصابعي، بدأت يداي تأخذ لون الليل! زرقاء كالحبر المسكوب على خريطةٍ قديمة.

 

هذا ما أحتاج إليه لجعلك أكثر من مجرد شخصية خياليّة.

 

أكمل مراقبتي من خلف الستار، شخصٌ تائه في عالمٍ صغير بالكاد يسع مجموعة كتب، غطاء سرير، وكوب قهوة مميز، وعلى الرغم من المسافات يمكنني رؤية ابتسامته، الشعور بكل معانيها، أصدقها تلك التي تأتي فور انتهائه من قراءة نصٍ متقن، إنها ابتسامة النصر، الابتسامة التي قد يخفق لها قلبُ عصفورة وقفت أمام نافذته! تغني بصوتها النقي، وبلغةٍ لا نفهمها أبدا، إلا أنها تستدعي الإنصات، هنالك لحنٌ مميز، وكأنها رسالة أتت بها من السماء.

 

في التاسعة صباحاً، أجدك قد أعددت إفطارك، بطريقة مرتبة وفوضويّة في وقت نفسه، تهتم باختيار ما ستأكله، لا تحتاج لوضع زهرةٍ على الطاولة، لقد كانت تنمو حول نافذتك بشكلٍ ساحر منذ الأزل، أتساءل هل تحتاج إلى القلم حتى في أوقات الصباح الباكر؟ أعتقد ذلك، حتى لا تفلت منك أي فكرةٍ وتهرب إلى الشارع المقابل، أما في الأوقات المُملة، عندما تترك الشرفة وتهم بالبحث عن سر الوجود، أجدني وحيدة للغاية، أتأمل طيفك الهادئ، يجلس على كرسيّ ليدوّن الملاحظات، والاسطوانة المعتادة تغني للفراغ، هنالك صمتٌ منكسر، وظِلال ترقص في الخفاء، وأنا أنتظر عودتك..

 

قبيل الفجر، عندما تبدأ عيناك بالذبول، والبحث عن غيمة لتتوسدها، أراك من خلف الزجاج، أشبه بمراهق خارت قواه، وألقى بكل ثقله على السرير، يداك وهي تجذب أطراف الغطاء، تجعلني أحلم، وأتنهد بعمق، كلانا يكتفي بغطاءٍ دافئ، ولا أحد يفصح عن رغبته بشيء آخر، ولا حتى عن قبلةٍ أخيرة قبل النوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock