د. بدرية العوضي تكتب : دولة الرفاه والحوكمة
ان مفهوم دولة الرفاه بمعناه العام يتجسد في دستور الدولة وقوانينها وثوابتها ؛ الحضارية والتاريخية والثقافية وطبيعة قِيَمِها وحيوِّية شعبها ومرتكزات ضمان مبادئ العدل وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين و تأمين مقومات التمايز بينهم وفسح مجالات النمو والتطوّر الفردي والجماعي وضبط حركة التنافس الشريف ، وذلك وِفقاً لمعايير مقرَّره وقواعد حاكمة وإجراءات وترتيبات محددة ، و أن يُعطى كل مواطن مايستحقه حسب جهده وقدراته … هذا المعنى لدولة الرفاه يحتاج الى الاستقرار والتطوير ويقظة دائمه و فِطنه دقيقة ودقة في استشراف المستقبل و استعداد لكل الاحتمالات ، وتَشخيص عناصر قوتها و مواطن ضعفها و وضع الترتيبات لتعظيم الفوائد وتقليل الخسائر ، وبما يؤكد هيبة الدولة ويقوِّي دورها ويعزز ثقة المواطن بها ويقوّي الإجماع الوطني حول المصالح الوطنية ، ويرسِّخ قيم المواطنة وتحمّل المسؤولية … هذا يستدعي الالتزام قولًا وفعلًا بمفهوم الإدارة الرشيدة ومبادئها وقيمِها وأدواتها لتأمين أداءً حكوميًا يوسَم بالحَسم والعزم وصلابة الإرادة ، ويعتمد على جهاز ادارييٍّ كفؤاً يعضِّد عزيمتها ويدَّعِّم كفاءتها ويقوي فاعليتها … أداءً يتوافق مع خصائص وظيفة الدولة ومتطلباتها في عصر العولمة بتداعياتها المتسارعة في تأثيرها والمعقَّده في طبيعتها . ولذلك اصبح تحسين مستوى الأداء بالنسبة للحكومة و أجهزتها يعتمد بصورة أساسية ومُلزمة على تحقيق التوافق والترابط بين مفهوم دولة الرفاه ومفهوم الحوكمة ومبادئها وأساليبها وأدواتها … والحوكمة تعني حكم القانون وسيادته على الجميع ، والتوفيق بين المفهومين يحقق :
أولاً ، تأطير مبدأ المشاركة وترشيد الممارسة السياسية السليمة و المنتجه ، وتأكيد معاني المسؤولية الوطنية واحترام قيم التعددية والاختلاف في الرأي .
ثانياً ، الارتقاء بخصائص الحكومة والتي تتمثل في الالتزام بالقيم والمعايير المؤسسية والمهنية والعمل الاستراتيجي و التطوير المستمر و تفعيل مبادئ الشفافية و المساءلة و كذلك تأكيد أهمية قواعد التشجيع والتحفيز و مبادئ الإنصاف .
ثالثاً ، تعظيم الاستجابة السليمه لحاجات المواطنين وحقوقهم وهي التي تُبنى على أساس دقة المعرفة بهذه الاحتياجات والحقوق بصورة صحيحة وبالتزامٍ دائم بمبادئ العدل والمساواة وبتوفير أدوات حيوية و متجدده .
رابعاً ، تأمين جوْدة الخدمة وسهولة توصيلها وذلك بتفعيل القوانين و تبسيط إجراءات العمل و تهذيب اللوائح الإدارية وذلك باعتماد مفاهيم وأسس الحكومة الإلكترونية بأدواتها وأساليبها المختلفة .
خلاصة القول ، ينبغي التأكيد على أهمية صلابة إرادة وحضور الدولة بأجهزتها في كل الأنشطة والميادين وعلى تأكيد محْورية المهام التي تنهض بها و حيوية دورها في استشراف المستقبل وريادتها في التعامل مع معطياته ، وعلى ضرورة تعزيز هذا الحضور بشكلٍ دائم وبما يقَوِّي ثقة المواطن بالدولة ويعظِّم هيبتها …
بقلم: د. بدرية العوضي
الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب