أ. د. فيصل الشريفي يكتب: الشهادات الوهمية برعاية ذهبية
لم ينفك الشارع الكويتي عن إثارة ملف الشهادات الوهمية والجامعات الضعيفة، موجهاً رسائل مغلظة إلى الحكومة والمجلس، مستخدماً وسائل التواصل الاجتماعي في إرسال امتعاضه من الإجراءات التي اتخذت لمعالجة هذا الملف؛ مما يؤكد أن قضية جودة التعليم تأتي من ضمن أولوياته.
قبل فتح هذا الملف وما فيه لا بد من العودة قليلاً إلى الوراء لبحث الأسباب التي أدت إلى تضخمه بهذا الشكل، والتي سأذكر بعضها على شكل نقاط:
– تشجيع الدولة لأصحاب الشهادات من خلال إقرارها الكوادر والميزات المالية واقتصار المناصب الإشرافية على حملة البكالوريوس وما فوق، مما أدى إلى زيادة في أعداد الطلبة الدارسين في الخارج رغبة منهم في تحسين وضعهم الوظيفي والمادي.
– في السنوات الماضية كانت الجامعات لا تخضع للتدقيق بالشكل الذي يتناسب مع معايير الجودة الأكاديمية من قبل مؤسسات التعليم العالي.
– لم يكن شرط التفرغ الدراسي الكامل للموظف من ضمن متطلبات الدراسة للراغبين من الطلبة في استكمال دراستهم، مما يضع علامة استفهام حول كفاءة التحصيل العلمي.
– تناقض قرارات اعتماد الجامعات من قبل وزارة التعليم العالي والمكاتب الثقافية التابعة، مما يؤكد أن بعض القرارات لم تكن مدروسة بالشكل الأكاديمي الكافي.
– تعيين بعض خريجي تلك الجامعات في مناصب قيادية وإشرافية مما يؤكد عدم جدية الحكومة في محاربة هذا الملف، وتكريس مفهوم الواسطة والمحسوبية، وغياب معايير المفاضلة المهنية.
– انتشار ثقافة اللقب الجامعي في المجتمع دون تمييزه للفروق النوعية بين الجامعات المرموقة والمصنفة كأفضل جامعات على مستوى العالم، وبين جامعات «الويك إند» (عطلة نهاية الأسبوع).
– بالرغم من تعاقب أكثر من وزير على هذا الملف فإن الإخوة أعضاء مجلس الأمة لم يظهروا أي نوع من الجدية في مواجهة هذا الملف، واكتفوا بالتلويح بمساءلة الوزير المختص دون تفعيل لأدواتهم الدستورية (نسمع جعجعة ولا نرى طحنا).
أحد الإخوة المحامين قادنا أيضاً لمجموعة من الأسئلة المهمة مستفسراً عن الإجراءات التي قامت بها وزارة التعليم العالي في اعتماد تلك الجامعات، وإذا ما سمحت للطلبة بالدراسة بفتح ملفات لديها؟ وعن ماهية المعايير التي استندت إليها الوزارة في المصادقة على تلك الشهادات؟
فإن كانت الإجابة بـ»نعم» فالنتيجة المتوقعة محاسبة من تورط في هذا الملف. هذا الملف لا يمكن حصره بالشهادات الوهمية إلا بإضافة ملف الجامعات الضعيفة إليه، والتي كيفت نظمها التعليمية مع ما يتماشى ورغبة الطلبة المنتسبين إليها، فكم من فرد تحصل على شهادات ومن جامعات أوروبية وأميركية وعربية، وهو على رأس عمله، ولم يقم بزيارة الجامعة إلا بضعة أيام من السنة، ومع ذلك استطاع التخرج والحصول على معادلة شهادته، والمصيبة تكون أكبر عندما تكون لغة الدراسة بغير العربية والإنكليزية.
المسؤولية الحقيقية تقع على وزارة التعليم العالي وديوان الخدمة المدنية، فهما المؤتمنان على هذا الملف، ولا يمكن فك ارتباطهما منه، لذلك المحاسبة الحقيقية تقع على عاتقهما، وهنا فقط أود أن أشير إلى أن رئيس ديوان الخدمة المدنية ووزير التربية والتعليم العالي ممثلان في مجلس الخدمة المدنية، مسؤولان عن فحص شهادات الخريجين للتأكد من سلامتها العلمية، خصوصاً من يتم ترشيحهم للمناصب القيادية ومن يتم التجديد لهم ومن هم على رأس عملهم.
الحكومة اليوم على المحك في معالجة هذه القضية كونها اعترفت بوجود هذا الكم من الشهادات الوهمية والضعيفة، وعليها على الأقل إقالة كل القياديين مهما كان منصبهم من مواقعهم كدليل على جديتها.
في الختام هناك مسؤولية أخلاقية وأمانة علمية تقع على عاتق الطالب، وهناك مسؤولية قانونية ومهنية تقع على عاتق «التعليم العالي» والمؤسسات التابعة لها وبين هذا وذاك يظل الشارع يترقب الحل.
ودمتم سالمين.