أخبار منوعة

أ. صفية اشكناني تكتب: التعليم الإلكتروني.. مزايا وسلبيات

أثارت تجربة التعليم الإلكتروني عن بعد، في ظل تبني أسلوبه منذ انتشار فيروس كورونا، الكثير من النقاش بين جميع فئات المجتمع الواحد وعبر مجتمعات بلدان العالم أجمع. وعلى الرغم من احتدام الجدل الذي كشف عن تخبط في الرؤى، يمكن حصر الآراء في قطبيْن: قطب يدفع باتجاه تبني هذا الأسلوب ممثلاً بالمختصين في التقنيات والحاسوب، الذين يدافعون عنه بقوة وحماس، مستندين إلى الأثر الملموس لثورة المعلوماتية، التي تفجرت في ظل التطور المتسارع في التكنولوجيا الرقمية، على تفاصيل حياتنا اليومية بما فيها طرق تواصلنا وتعلمنا وتفكيرنا. وهم يؤمنون بأن توظيف هذا النوع من التعليم، بطريقة متكاملة وشاملة، هو أمر حتمي لا بد من تبنيه بشكل واسع في المستقبل. ينصح القطب الثاني، ممثلاً بكثير من المختصين التربويين وعلماء الاجتماع والإنسانيات، بالتروي وضرورة أخذ الحيطة بإجراء الدراسات وتحليلات البيئة، بما فيها الثوابت والمتغيرات، قبل أخذ القرارات حول جدوى تبني أسلوب التعليم الإلكتروني ومدى توظيفه وكيفية استخدامه.
يشكل تحديد مزايا التعليم الإلكتروني وسلبياته أهم عناصر دراسة جدوى تبنيه. وقبل الخوض في هذه العناصر، يجدر الانتباه لعدد من المحددات التي تتطلب التفكير فيها لاتخاذ القرار المناسب، باعتبارها تؤثر في مستوى الاعتماد على تلك المزايا. تعتبر الفئة العمرية ممثلة بالمرحلة التعليمية من أهم تلك المحددات، حيث تتفاوت احتياجات المتعلمين في المدارس وقدراتهم على التعلم الذاتي باستخدام التقنيات عن احتياجات المتعلمين في الجامعات، ما يتطلب التمحيص في نهج إدخال هذا الأسلوب ومدى استخدامه في هاتين المرحلتين. كما تتفاوت هذه الاحتياجات والقدرات تبعاً للموضوع ومجال التخصص، كتدريس الرياضيات مثلاً مقابل التربية البدنية، وتخصصات العلوم الطبيعية والتطبيقية مقابل تخصصات العلوم الاجتماعية والإنسانيات، إن كان على مستوى التدريس المدرسي أو في الجامعات. وفي نفس السياق، تتفاوت الاحتياجات في الجامعات التعليمية عنها في مؤسسات التدريب، والتعليم التقني والمهني.
وبالمحصلة، يُحدِد مستوى الجاهزية المناسب لخصوصية كل فئة من الفئات المتلقيّة مدى إمكانية توظيف أسلوب التعليم الإلكتروني في العملية التعليمية، خاصة ما يتعلق بتوفر البنى التحتية، والطواقم البشرية المؤهلة ذات الكفاءة العالية لاستخدامه، والموازنات الكافية، وتقبُّل الأهل بشكل خاص، والمجتمع بشكل عام. وتُحدّد حالة الاستقرار في البلاد مستوى الاعتماد عليه. ففي حين يُستخدم أسلوب التعليم الإلكتروني كأحد أساليب التعليم الداعمة للعملية التعليمية في حالات الاستقرار، يكاد يُصبح الاعتماد عليه كاملاً في حالات الطوارئ التي تتسبب في عزل الناس عن بعضهم البعض جغرافياً داخل الدولة الواحدة، كحدوث الكوارث الطبيعية، وانتشار الأوبئة (كما في حالنا اليوم مع جائحة كورونا)، وفي حالات الحروب وما يتزامن معها من حصار للدول المتنازعة.
بشكل عام، تتلخص أهم مزايا التعليم الالكتروني في كونه عابراً للحدود، وذلك لاعتماده على التقنيات ووسائل الاتصال الحديثة، ما يتيح الفرصة للمتعلمين من جميع أنحاء العالم للوصول إلى المواد التعليمية دون مغادرة بلادهم. كما يوفر للمتعلمين درجه عالية من المرونة، خاصة في حالة التعلم الإلكتروني غير المتزامن، في الرجوع لتلك المواد عدة مرات والتفاعل معها في الوقت والمكان والسرعة المناسبة لهم، ويمكنهم من الاستفادة القصوى منها كونها منظمة بطريقة سهلة. يسمح التعليم الإلكتروني بتحديث المحتوى التعليمي ووسائل التقييم بسهولة ويسر، ويمكّن المعلمين من الاستعانة بخبراء من كل العالم للمشاركة في التعليم وإثراء المحتوى التعليمي، خاصة في حالات التعليم الإلكتروني المتزامن.
يوفر التعليم الإلكتروني الجهد والوقت فهو يمكّن المتعلمين، في حالة توفّر البنية التحتية الضرورية، من الوصول للمصادر التعليمية، بأشكالها المقروءة والمسموعة والمرئية، بضغطة أُصبع. كما يوفر عليهم المال اللازم، مقارنة بالتعليم الوجاهي، للسفر والإقامة، ويرفع عن كاهلهم القلق والضغوط النفسية المرتبطة بضرورة الالتزام بأوقات دوام المكتبات والمختبرات، ويخفف من الشعور بالفروقات الطبقية ويقوي الإحساس بالمساواة، ما يشجع المتعلمين على الحوار والإدلاء بآرائهم من دون خجل. ويسمح هذا الأسلوب باستقبال التغذية الراجعة الفورية من المعلمين حول الاختبارات وأنشطة التقييم الإلكترونية التي يتقدم لها المتعلمون ويوفر المجال لتصحيح الأخطاء، ما يؤثر إيجابياً على مستويات إدراكهم وتحصيلهم..
تتمحور أهم سلبيات التعليم الالكتروني حول قصوره، نسبة للتعليم الوجاهي، في تحقيق أهداف التنشئة الاجتماعية والسياسية بشكل متكامل وشامل، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من عملية التنمية البشرية .
لا تقتصر عملية ترسيخ وتعميق الهوية والانتماء الوطني، وتعزيز الثقافة الحية، على التزود بالمعارف فقط، والتي يوفرها التعليم الإلكتروني، وإنما تتعداها لمتطلبات أساسية أُخرى، كالمشاهدات والتفاعلات الوجاهية والاحتكاكات اليومية التي تحدث في مؤسسات التعليم النظامية كالمدرسة والجامعة، وغير النظامية كالأسرة والمنتديات وأماكن العبادة. ويبقى أثر التعليم النظامي الوجاهي أوسع وأعمق، إذ يتيح الفرصة، بشكل منهجي ولمدة زمنية طويلة ومتواصلة، للمتعلمين التفاعل والحوار مع المعلمين والزملاء، في مواضيع تقع خارج حدود المعارف والمهارات المتخصصة بالموضوع الدراسي. نتيجة لهذا التفاعل، يكتسب المتعلمون معلومات ومهارات وقيماً ومُثُلاً تساعدهم على التأمل في قضايا ثقافية إنسانية ومجتمعية، محلية وعالمية، مثل قضايا المسؤولية المجتمعية والبيئة وأسباب الحروب والصراعات. وكل ذلك مهم وأساسي في تحديد المواقف والاتجاهات الفكرية التي تؤثر في سلوكهم وممارساتهم اليومية، ما يصقل شخصياتهم، ويحدد مستوى مساهماتهم كمواطنين صالحين في تطوير مجتمعاتهم.
يؤدي التعليم الالكتروني، أحياناً، إلى التباعد الاجتماعي، وقد يعمل على تعميق الميل إلى العزلة نتيجة للإدمان على الاستخدام المتواصل للتقنيات والتطبيقات المتوفرة عبر الإنترنت لأغراض التعلم والتسلية والمتعة، التي قد تصل حدّ الإدمان على ممارسة الألعاب ومشاهدة الأفلام. وقد تصل الآثار السلبية لهذه الظاهرة إلى التشتت وعدم التركيز، وإضعاف مستوى الدافعية نحو التعلم، خاصة إذا كانت المادة التعليمية جامدة ولا تستخدم المؤثرات المحفزة.
يحتاج التعليم الإلكتروني إلى العديد من المتطلبات عالية الكلفة وبالغة الصعوبة، خصوصاً في طور التأسيس. فتوفير البنى التحتية والكوادر الخبيرة وتدريب المعلمين وإعداد المناهج الإلكترونية يتطلّب ليس فقط الكثير من الجهد والمثابرة، وإنما تخصيص الكثير من الموارد المالية اللازمة. وقد يؤدي عدم توفّر جميع المتطلبات بكفاءة ومساواة إلى تعميق الفجوة في تلقي هذا النوع من الخدمات التعليمية بين الأرياف والمدن داخل حدود الدولة، كما وبين بلدان العالم غير المتكافئة.
يمكن أن يساهم الدمج بين التعليم الوجاهي والتعليم الإلكتروني عن بعد في تعزيز المزايا ومعالجة سلبيات كل منهما.

من المتوقع أن يستمر الجدل حول جدوى استخدام التعليم الإلكتروني بالاستناد إلى طرح مزاياه وسلبياته ومتطلباته. ولن يتم التوافق على دوره ومدى استخدامه والنماذج المثلى للاستفادة القصوى منه، إلا بعد إجراء مراجعات شاملة وتقييم متكامل لأثره في تطوير العملية التعليمية وتحسين نتائج المتعلمين. وسيكون للتجربة التي يخوضها العالم حالياً في هذا النوع من التعليم، بسبب انتشار فيروس كورونا، الأثر المستقبلي الكبير في صقل وتحديد التوجهات. ستكشف نتائج التقييم الشاملة للظروف والمتغيرات المحيطة بنا، ولسياسات التعليم الإلكتروني المتبعة وعمليات تنفيذه ومخرجاته وكلفته، مواطن الضعف وسبل تصحيحها، ومواطن القوة وطرق تعزيزها. ومن المأمول أن يتم على أساس هذا التقييم اتخاذ القرارات المناسبة التي قد تؤدي إلى تعديل السياسات والإجراءات، ووضع الإستراتيجيات المناسبة لاستخدام التعليم الإلكتروني الموائم لكل مرحلة دراسية.

إعداد الأستاذة / صفية أشكناني
مدرب متخصص ج
المعهد العالي للخدمات الإدارية
قسم الإدارة المكتبية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock