الدكتور عبد الإله الرضواني يكتب: فيروس كوفيد-19 والحاجة لتعزيز جهود مكافحة السمنة
تعَرَّض العالم لإغلاق غير مسبوق بسبب جائحة الفيروس التاجي (كوفيد-19)، الناجم عن فيروس SARS-CoV-2. وقد تسبب فيروس كوفيد-19 في وفاة عدد كبير من المرضى يفوق بكثير عدد وفيات الفيروسات السابقة مجتمعة وهي: فيروس SARS-CoV، وفيروس MERS-CoV، المسببة لمتلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة (SARS) ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS)، على الرغم من تسبب فيروس SARS-CoV-2 في وقوع معدل وفيات أقل.
وقد حدث ذلك لأن فيروس كوفيد-19 ينتشر بشكل أسرع بين البشر، وهو ما يؤدي إلى إصابة عدد كبير منهم في وقت قصير. ويمكن لأي شخص أن يتعرض للإصابة بسهولة من خلال قطرات السعال التي تحتوي على الفيروس، أو عن طريق لمس الأشياء والأسطح الملوثة.
وبشكلٍ مبدئي، يُصيب فيروس SARS-CoV-2 خلايا الجهاز التنفسي، ويتسبب في حدوث التهاب حاد وموت هذه الخلايا. وبعد ذلك، يُصيب الفيروس الأعضاء والأنسجة الحيوية الأخرى ويلحق أضرارًا بها، وهو ما يسبب العديد من المضاعفات التي قد تؤثر على القلب، والكلى، والدماغ.
السمنة: خطر الإصابة بمرض كوفيد -19 الحاد
السمنة هي زيادة الدهون الكلية في الجسم، وتحدث عندما يصل مؤشر كتلة الجسم لدى الفرد إلى 30 أو أعلى. ويُحتَسب مؤشر كتلة الجسم عبر قسمة وزن الجسم بالكيلو جرام على الطول بالمتر المربع (كجم/ م2). ويتراوح هذا المؤشر لدى الشخص، الذي يتمتع بوزن صحي، بين 18 و 25 كجم/ م 2، في حين يشير مؤشر كتلة الجسم الذي يتراوح بين 25 و30 إلى أن الشخص يعاني من زيادة الوزن.
وتُشَكِل السمنة تهديدًا صحيًا كبيرًا، وهو ما يزيد بشكلٍ كبيرٍ من خطر الإصابة بأمراضٍ أخرى، بما في ذلك مرض السكري، وأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض الكبد الدهني، والخرف، والسكتة الدماغية، والعديد من الأمراض السرطانية.
وقد أظهرت دراسات حديثة استندت إلى بيانات مستمدة من جميع أنحاء العالم أن 40-45% من المرضى الذين أُودعوا العناية المركزة بعد إصابتهم بفيروس كورونا، كانوا يعانون من السمنة، وهو ما استدعى تلقيهم لتهوية ميكانيكية جراحية. كما خلصت دراسة جديدة أُجريت في المملكة المتحدة إلى أن السمنة تزيد من خطر الوفاة بفيروس كورونا بنسبة 37٪.
وتعتبر السمنة الآن من عوامل خطر الإصابة بشكلٍ أكثر حدة من أشكال فيروس كوفيد-19، وربما من عوامل خطر التعرض للوفاة، بغض النظر عن الإصابة بأمراضٍ أخرى. وحتى تاريخه، لم يتضح بعد السبب الدقيق وراء ارتباط السمنة بالأشكال الأكثر خطورة من حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19. ومع ذلك، من الثابت أن السمنة تضعف جهاز المناعة بشكلٍ عام.
وعلاوة على ذلك، يعتقد الخبراء أن حالات الإصابة الشديدة بفيروس كوفيد-19 لدى المرضى الذين يعانون من السمنة المفرطة قد تُعزى إلى ضعف وظائف الرئتين. ومن المرجح أن يكون لدى المرضى الذين يعانون من السمنة المفرطة مقاومة أكبر في الشعب الهوائية، وعددًا محدودًا من عضلات الجهاز التنفسي، ورئتين أقل حجمًا. وتزيد هذه العوامل من خطر الإصابة بالتهابات الرئتين (الالتهاب الرئوي) بفعل التعرض للبكتيريا، والفيروسات، والفطريات.
وتشير دراسات حديثة كذلك إلى وجود خطر أكبر للإصابة بأمراض كوفيد-19 الشديدة والوفاة لدى مرضى السكري وارتفاع ضغط الدم، وهما حالتان مرتبطتان بالسمنة، حيث تساهم مستويات السكر غير المنضبط في الدم لدى مرضى السكري في إضعاف دفاعات جهاز المناعة، وبالتالي تزيد من شدة العدوى، وربما من خطر التعرض للوفاة.
ولا يزال السبب وراء تعرض المرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم لخطر الإصابة بأمراض كوفيد-19 الشديدة، وحتى الوفاة، غير مفهوم بشكلٍ جيد. ومن التفسيرات المقترحة لتوضيح ذلك، معاناة العديد من المرضى المصابين بالفيروس من ارتفاع ضغط الدم إلى جانب الشيخوخة، وهو ما يساهم في إضعاف قدرة جهاز المناعة على مقاومة الفيروس.
وتشير نظرية غير مؤكدة إلى أن بعض الأدوية المستخدمة لعلاج ارتفاع ضغط الدم تزيد من خطر الإصابة بأمراض كوفيد-19 الشديدة. وترفع هذه الأدوية من مستويات بروتين يعرف باسم الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 في الجسم. ويجب أن يعلق فيروس السارس SARS-CoV-2 بجزيء من جزيئات هذا الإنزيم لكي يتمكن من إصابة الخلايا. وحتى قبل انتشار فيروس كوفيد-19، كانت شدة وانتشار العدوى أعلى عمومًا لدى الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة.
وباء السمنة: هل حان وقت الوقاية؟
وفقًا لبيانات صادرة عن منظمة الصحة العالمية في عام 2016، وصل عدد الأفراد الذين يعانون من السمنة إلى 650 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، وارتبط هذا الوباء بوقوع 4.7 مليون حالة وفاة على مستوى العالم في عام 2017.
وفي العديد من الدول، يعاني ما يقرب من 60-80٪ من البالغين و20-30٪ من الأطفال من زيادة الوزن أو السمنة، ويعتبر الشرق الأوسط من أكثر المناطق تضررًا بهذا الوباء. وفي قطر، على سبيل المثال، يعاني 43٪ من البالغين من السمنة، أي ما يقرب من ضعف متوسط المعدل العالمي. ومما يثير القلق أن حوالي 40٪ من الطلاب القطريين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و19 عامًا يعانون من زيادة الوزن، وهو ما يشير إلى ضرورة اتخاذ تدابير عاجلة لمنع سمنة الأطفال من الاستمرار في مرحلة البلوغ.
وتُعتبر السمنة من الحالات المعقدة التي تحدث بسبب عوامل جينية وبيئية. ومع ذلك، يُعدُ الإسراف في تناول الأطعمة والمشروبات الغنية بالسعرات الحرارية، إلى جانب الخمول البدني، من الأسباب الرئيسية لانتشار وباء السمنة في منطقة الشرق الأوسط بشكلٍ عام.
ومع ذلك، من المهم أن نشير إلى أنه رغم الانتشار الواسع للسمنة والسكري في منطقة الشرق الأوسط، فإن معدل الوفيات بين مرضى كوفيد-19 في هذه المنطقة أقل بكثير منه في بعض الدول الغربية ذات معدلات السمنة المنخفضة.
وهناك حاجة لإجراء المزيد من الأبحاث للتوصل إلى فهم أفضل لمعدل الوفيات المنخفض من جراء الإصابة بفيروس كوفيد-19 لدى مرضى السمنة في منطقة الشرق الأوسط. ومع ذلك، وبصرف النظر عن جائحة كوفيد-19، وفي ضوء العديد من الحالات المهددة للحياة المرتبطة بالسمنة، بما في ذلك إمكانيات التعرض للعدوى والإصابات الأكثر حدة، هناك حاجة مُلِّحة لوضع استراتيجيات للحد من هذا الوباء المتفشي.
لن تنجح جهود مكافحة السمنة إلا بالالتزام المتواصل للهيئات الحكومية والجهات المعنية في القطاع الخاص، بالإضافة إلى الأسر، والمدارس، وأماكن العمل، والصناعات الغذائية، والمؤسسات الرياضية، وغيرها من المؤسسات والمجتمعات.
وتُعد البحوث والدراسات التنموية من الأمور الحاسمة لفهم أسباب السمنة، وتحديد الأدوية المحتملة، أو الاستراتيجيات الأخرى لمكافحتها في نهاية المطاف. ويشارك باحثون في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، التابع لجامعة حمد بن خليفة، في مشاريع لفهم المؤشرات الوراثية لداء السمنة، والتعرف على حلول للتنبؤ بإمكانية حدوثه، والوقاية منه منذ البداية.
- يشغل الدكتور عبد الإله الرضواني منصب عالم بمركز بحوث السكري في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، التابع لجامعة حمد بن خليفة.
ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.