ا.د. محمود داود الربيعي يكتب: فلسفة التربية وعلاقتها بالقيم الأخلاقية الإسلامية
قامت فلسفة الأخلاق في الإسلام على ارتباط الصفات الأخلاقية الثابتة بنشأة الروح التي هي من عالم الأمر الثابت والمطلق ، لا عالم الخلق المتغير والنسبي قال تعالى ” وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ” .
ولأن الروح مرتبطة بالله فهي تنزح دوما الى التحرير من ثواب المادة وعلائقها والرجوع الى العالم الامري المؤثر والمتأثر لها الذي جاءت منه بأمر الله سبحانه وتعالى ، ولهذه الروح ارتباط خاص بها تحاول ان تسير البدن به بموجب قواعد أخلاقية ثابتة مؤثرة ومتأثرة لها لكي يصل الانسان الى مقصودة في هذه النشأة وهو نيل الخلود والسعادة والرضوان الإلهي في الحياة الآخرة .
فالأصل هو الله سبحانه لا المادة وما يرتبط بها ، والتي تنزع دوما الى التثاقل الى الأرض والالتصاق بها لأنها من تأثرها واليها تعود بحسب خلقة التكوين ، وهنا نلاحظ أن لكل من حركتي الروح والبدن اتجاهان متعاكسان ، وهذه نقطة مهمة جداً أوضحتها السنة المطهرة والقرآن الكريم بجلاء تام ، لكن معظم التشريعات الوضعية المنتمية للحضارات المادية أو المرتبطة بالمادة لم تنتبه اليها ، فجاءت قوانينهم وأنماط سلوكهم وأعرافهم وأسلوب حياتهم مرتبطة بالمادة لا بالله سبحانه وتعالى ، وعندما قامت الحضارة الغربية الحديثة استندت الى المادة والقيم المرتبطة بها وسخرت فكرة الارتباط المطلق وإستبدلته بالارتباط بإصالة الفرد فصارت فلسفتهم نسبية متغيرة بتغير الأحوال والأطوار والزمان والمكان ، وعلى هذا الأصل قامت القواعد الأخلاقية عندهم ، ولأن الانسان والمادة يتغيران بإستمرار ، صارت سننهم وتقاليدهم وأخلاقهم متغيرة بتغير الأحوال طبقا الى نظريات التغير والتبدل في المادة ، فما يصلح اليوم لا يصلح بالضرورة غدا وأضحت ” الأخلاق تختلف أصولا وفروعا بإختلاف الاجتماعات المدنية لإختلاف الحسن والقبح من غير أن يرجع الى أصل ثابت قام على سياق ، وقد ادعي أنها نتيجة النظرية المعروفة للتحول والتكامل في المادة “.( الطباطائي – 1379 هـ ،ص375) .
وصار من المألوف عندهم تغير مفاهيم الشرف والفضيلة والعفة والحسن والقبح من جيل الى جيل ومن عصر الى عصر وتأتي القوانين المشروعة لديهم لتتماشى مع هذا التغيير والتبدل ، حتى صرنا نرى مظاهر التعري وعدم الحشمة وغيرها من ألوان السلوك الاجتماعي ، قد سادت عندهم وأصبحت مألوفة دون أن يعترضون عليها ، بل صار إشباع الغريزة الجنسية لديهم من غير طرقها المشروعة والتي لا توافق أصل خلقة التكوين ، شائعا دون أن ينكره احد إلا قلة قليلة تتهمها الكثرة الغالبة لديهم بالشذوذ عن الإجماع العام ، وسرى هذا السلوك غير المحتشم بقوة ، كونه أحد أهم وسائل التعبير عن الذات وقيم الحضارة عند الغرب ، وبسبب ضعف الأيمان العقائدي والتخلف والجهل وعدم الالتزام بالتعاليم الإسلامية عند معظم البلاد الإسلامية فقد سرى تقليد الغرب في كل مناحي الحياة . .
إن الإسلام بوصفة حضارة إلهية يؤكد على ثبات القيم الأخلاقية المرتبطة بالروح ومنها قيم الشرف والعفة لأنها تتدخل في صياغة الشخصية وتساعد في تكاملها وترقيها للفرد والأمة .
وبناءً على هذا فلابد أن تعتمد القيم الأخلاقية المبنية في المنظومة القيمية للحضارة الإسلامية ، مرجعية أساسية تستند اليها فلسفة التربية عند المسلمين .
إن أكثر الأسباب تدميرا لأي حضارة هو انتشار الفساد والانحلال الأخلاقي فيها وهذا ما لا تستطيع الحضارات المادية تفاديه كونها مرتبطة بنشأة المادة المتغيرة لنشأة الروح الثابتة المطلقة .( العارضي – 2006،ص22). ولأن الإسلام لا يقر أي نشاط من شأنه الإضرار بالنفس أو المال العام والخاص ، كون هذه الأمور تعيق الانسان من الترقي والتكامل في الحياة ، جاءت تشريعاته لتحرم مثل هذه الأمور لفائدة الانسان ، ولأن النفس الانسانية المسلمة محترمة ولها منزلة شرفية عالية لإرتباطها بالله سبحانه وتعالى ولها واجب مقدس في هذه النشأة يتمثل بإقامة الخلافة في الأرض ، جاءت كل التشريعات الإسلامية لتخدم هذا السعي المأمور به الانسان المسلم ربانياً .
ا.د محمود داود الربيعي
العراق \بابل\ كلية المستقبل الجامعة