كتاب أكاديميا

سوسن إبراهيم تكتب: قمع موظف

    يقف بالمنتصف لا يهمه إلا المضي قدما في سلام، يطبع قبلات المحبة والاحترام على جباه “الكبار الكرام”. يقف بالمنتصف لا مع هذا ولا مع ذاك يراعي مشاعر الاخرين ولو على حساب مشاعره، يقبل ان يُهان وان يُحني الرقاب لأنه في أماكن يُجبر فيها على الانكفاء حول ذاته كقواقع وحيدة تصارع للبقاء ويجبر ايضا على الانمساخ والانسلاخ من هويته ليبقى أشلاء متفرقة بلا حياة في أرفقة المؤسسات والمنظمات.

يعمل بلا كلل كآلات صدئة قديمة تحتال على الزمان لتبقى تخدم الآخرين لأن وجودها في هذه الخَرِبة محتوم وبقاؤها مكتوب. يجامل ويجامل حد التملق لان ليس بوسعه شيء ولأنه محكوم ومجبور في البقاء.

هذه الأماكن هذه الخَرِب هي وظائف عتيقة بالية بمنهجها واستراتيجيتها وليس في ظاهرها أو مبناها وشكلها التي قد تكون ناطحة سحاب مؤثثة بأفخم الامكانيات ولكنها مع رؤساء عمل تقليديون محبطون يفقدون حس الابداع والابتكار التي تحول الموظفين إلى وسائل تعمل ولا تهدأ، تعمل ولا تفكر.

تُخرس الأفكار الخلاقة وتحارب المنهجيات الحديثة لانهم جامدون ومتعصبون يرون بأن كلامهم مبجل وكراسيهم مقدسة لا تُحلُّ إلا لسلالات معينة حيث يتوارثها الابناء الذين ما هم إلا نسخا مطابقة “للرجل الكبير”؛ المسؤول المناط بإدارة مؤسساته وإعادة فضل إنجازاتها لشخصه “الكريم”.

هؤلاء الاشخاص من رجالات الدولة هم فقط من يسطع نجمهم في المحافل والمؤتمرات وهم انفسهم من يكسر موظفيه ليبقوا تحت طاعته وليعملوا عميا وصما وبكما في سبيل تغافلهم عن مستوطنات القوة لديهم ليبقوا عاجزين مهانين وبنفس الوقت ممتنين لتلك الوظائف التي ترمي عليهم كل نهاية شهر ببضع دنانير ينسوا بها ارق الليالي الماضية ويستعيدوا نشاطهم ليعملوا من جديد بكل اسى وألم وينتظروا نهاية الشهر لكي تعيد الحلقة نفسها وتكرر “مأساة الموظف” الذي لم يسعفه حظه بمسؤول جائر متجمد وهو نفسه لم يقدر حق نفسه فرضي بالمهانة والصَغار.

                                    سوسن إبراهيم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock