فاطمة السلمان تكتب: اتبع بوصلتك
الارتباط بين الرجل والمرأة هو سلوك إنساني سارت عليه الخليقة منذ نشأتها ولا تخلو منه ثقافة أو مجتمع، ومرت هذه العلاقة بتغيرات كبيرة وتحولات جوهرية في كيفية حصولها ومراحلها، وتعددت أشكالها باختلاف العصور والعادات الاجتماعية، فمن أساليب الزواج البدائية لدى بعض القبائل (طريقة الجبابرة) وهي طريقة تحميها التشريعات القديمة، تتم بشن غارات على القبائل ليستولي الرجال على النساء بالقوة، في حين كان الزواج في مجتمعات أخرى يتم مقابل مبلغ مادي يشتري به الرجل زوجته، ثم جاءت الشرائع السماوية فأنقذت البشرية ونظمت شكل الزواج ليكون علاقة إنسانية راقية تسمو بالمجتمع.
أما الدين الإسلامي فقد رغّب بالزواج في مواضع عدة من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون” (الروم: 21)، فجعلها علاقة حميمة يميزها الود والرحمة، لكن لو طرحنا هذا السؤال: ماذا يمثل الزواج للناس في وقتنا الحاضر؟ فماذا ستكون الإجابة؟
أصبحنا نلاحظ أن البعض يعزم على الزواج فقط لأنه سنة الحياة، والبعض الآخر يراه شيئا جديدا يرغب باستكشافه وخوض مغامراته، وفئة أخرى تلجأ له هربا من الوحدة، لكن قلة قليلة تدرك المعنى الحقيقي لهذه الرابطة المقدسة وتتخذ الدين مرجعا ينظم حياتها مع الطرف الآخر، ولو نظرنا في تلك العلاقات سنجدها نماذج ناجحة تعبر أمواج المشكلات بسفينة ربانها الاحترام والمعتقدات الراسخة.
وبنظرة فاحصة لضعف الروابط بين الزوجين وسهولة اللجوء للطلاق نجد أن أسباب ذلك عديدة، منها: التركيز على الأهداف الثانوية للزواج واتباع طرق خاطئة لتنظيمه وعدم اعتبار الدين مرجعا أساسيا لذلك، إضافة إلى اتخاذ العقد كورقة ويسهل إلغاؤها بإجراءات قانونية وإغفال كونه ميثاق مقدس بينهما وبين الله، ومن أكثر أسباب الطلاق شيوعا هو حكم أحد الطرفين على المشكلة بشكل منفصل عن الآخر بأن حلها هو الانفصال، لكن لو كان هناك نقاش عميق يتميز بالاحترام بين الطرفين لوجدا أن الأسباب التي اعتقدا بها ما هي إلا أعراض، أما المشكلة الأساسية فهي مختلفة تماما، وسبب ذلك هو عدم فهم الرجل لطبيعة تفكير المرأة والعكس.
وقد يكتشف الزوجان أن المشكلة هي الاختيار الخاطئ، والخلل قد لا يكون في أحدهما إنما يكمن في عدم تلاقي الشخصيتين، فحين تختار زوجتك فكر بها شريكة لحياتك وأمًّا لأطفالك، لا تدعهم يلومونك حتى لو بينهم وبين أنفسهم، بل اجعلهم يشكرونك على حسن الاختيار، ولا أعني مما تقدم أن الطلاق غير جائز، بل قد يكون هو الحل الأمثل لبعض الحالات، لذلك فإنه من الضروري التأهيل النفسي بعد الانفصال كي لا تتفشى النظرة السوداوية للعلاقات الزوجية، فكم من شخص حولنا تذبل روحه ومشاعره إما من الألم والحسرة على علاقة أضاعها باندفاع، أو من الشعور بالضياع وعدم القدرة على تحديد هدفه في الحياة.
وختاما، فإن رسالتي موجهة بصدق إلى كل من يتلفت حوله بحثا عن مخرج من كلمات العتب من الآخرين ونظرات التساؤل في عيونهم: أن أغمض عينيك عن كل علاقة، فحالتك فريدة، وأغلق أذنيك عن كل حديث من شخص عابر، وحاول أن تحدد أين أنت وسط هذا الطريق المتشعب مستخدما (البوصلة) التي يكوّنها منطق عقلك وأحاسيس قلبك وواقع تجربتك، وثق تماما بأنها ستخرجك إلى حياة تلامسك فيها أشعة النور وتنعش إحساسك نسمات الأمل.