فاطمة الصفار تكتب: مقبرة من نوع آخر
ھا قد وصلنا إلى القرن الواحد والعشرین وإلى الآن نجد مّن یزعم أنّنا مُنعمین بكافّة صور الحریّة في بلد الدّیموقراطیّة في حین أنّ الواقع المریر شاھدٌ على دلائل مُغایرة لذلك تماماً.
إذا كانت الحریّة غیر مسلوبة وحق مُصان للجمیع كما یُعتقد، فبأي حق یتم منع بعض الكتب التي لا تتعدّى حدود الضُوابط الأساسیّة وقمع الحریّات في اختیار الملائم والمناسب لكل ذائقة أدبیّة متباینة من شخص لآخر؟ وبأي منطق یتم فیه خلق مقبرة فكریّة من الكتب على اختلاف مواضیعھا ؟ كما أنّه بأي صفة یتم فیھا أخذ الدور الأساسي في اختیار ما یناسب كل شخص عاقل ناضج یعلم علم الیقین الخطأ من الصّواب وإنْ كان المحتوى المطروح مُخالفاً للقناعات الشخصیّة ؟ لم لا یتم تعزیز دور الرقابة الذاتیّة لدى الفرد بترك حق الاختیار أمراً عائداً إلیه؟
أعتقد أنّ المنفذ الوحید إلى الإجابة عن كل ھذه التّساؤلات یكمن في أھمیّة دور الرقابة على الكتب كما یدّعي البعض، في حین أنّي أراھا رقابة ظالمة وبعیدة كل البعد عن میزان العدل، وذلك ببساطة شدیدة بعلة المعاییر المتفاوتة والمقاییس المتباینة، فالكتاب الذي قد تراه غیر صالحاً للقراءة، قد أراه باباً للإصلاح وللأفكار الموسعة لمدارك العقل، ھذا إلى جانب أنّه لا یوجد عمل كتابي لا فائدة تُرجى منه على الإطلاق، فقراءة أي كتاب لأجل القراءة فقط ھي بحد ذاتھا وسیلة ُمثلى لبلوغ الغایة الأسمى التي تتجلى في استخدام العقل حیث الإدراك والاستنتاج وربط الأحداث ومن ثم تحلیلھا وتذكرھا، فجمیعھا عملیّات معقدة تنشط الذّاكرة والعقل، لذلك لا یجوز التّقلیل من قیمة المقروء أیاً كان محتواه.
كما أن الإنسان قد خُلق مُخیّراً ولم یُخلق مُسیراً لیتم إجباره على اتّباع نمط معیّن من الكتب، خُلق مخیّراً لیختار لا لیتم الاختیار عنه ولم یُخلق مسیّراً لیتم تسییره وفقاً لضوابط معیّنة وشروط محدّدة قد تختلف صحتھا باختلاف القناعات الذّاتیّة والأفكار الشخصیّة.
وإنّه من غیر المنطق بتاتاً أن لا یُسمح للإنسان في ممارسة حریّته في بلد الحریّة من خلال أبسط صورة ممكنة اعتقادا بتحقیق الإصلاح ومنع الفساد.
یاسادة إن الحریّة المنشودة ھنا لا یُقصد بھا الحریّة المطلقة على الإطلاق وإلا أصبحنا في فوضى عارمة لا یُحمد عقباھا، فعلى العكس تماماً إن الحریّة التي نرمي إلیھا ھي المقیّدة بضوابط للطرح لا للقمع والمنع، ضوابط تسمح بالإبداع لا الإخلال بالمنظومة الاجتماعیة القائمة على أسس راسخة لا اختلاف علیھا.
یا سادة إنّھ لشيء مُحزن حقاً ومؤسف جداً ما آل إلیه الوضع الراھن من قوانین ظالمة وسالبة لأبسط حقوق النّاس التي یُفترض أن تكون مكفولة ومحفوظة لھم.
وأخیراً ُوجب التّنبیه على الحقیقة التي تنص على أن القمع لن یغرس سوى بذرة التّخلف وتفاقم الانغلاق إ ْن لم یتم التّحرك بجدیّة وبذل كافّة الجھود الممكنة في معالجة ھذه العقبة بأسرع ما یمكن.