أ. د. فيصل الشريفي يكتب: قصة التاجر وذهاب ماء الوجه
درس التاجر مهم لمن أراد حفظ ماء وجهه، فلا تجعل نفسك ذليلة بيد أحد مهما كانت الأسباب، فالكرامة وعزة النفس كنزان لا يُشتريان بمال قارون، لذلك أبعد نفسك عن الهوان والذل، و«المعنى في بطن الشاعر»، كما يقولون.
في البداية أبارك لكم حلول شهر رمضان المبارك، سائلاً المولى عز وجل أن يتقبل أعمالكم وأن يمن عليكم بموفور الصحة والسعادة.
يقال إن هناك جريمة قتل وقعت في إحدى المدن الكبيرة، راح ضحيتها ابن شيخ عشيرة ذو جاه وقوة، حيث كان القاتل ابن أحد أكبر تجار المدينة، وكعادة العرب وبعد انقضاء الأسبوع الأول لمراسيم العزاء ذهب وجهاء المدينة إلى ذلك الشيخ طلباً للصلح بعد أن قام أهل القاتل بتهريب ابنهم إلى مكان آمن خوفاً عليه من الثأر.
هذا الشيخ رفض كل ما جاء به الوسطاء متمسكاً بحقه في قتل من قتل ولده، حيث مضى عام كامل على هذه الحادثة دون أن يصل إلى القاتل، وفي هذه الأثناء توجه أحد العقلاء إلى أبي القاتل التاجر يستأذنه بالتوسط لدى ذلك الشيخ بعد أخذ الإذن منه بالموافقة على كل الطلبات التي يريدها ذلك الشيخ.
في اليوم التالي دخل هذا الوجيه على الشيخ مستأذناً إياه بالحديث قائلاً له: “لن تكون الأول ولن تكون الأخير، فإما أن ترضى أو تجد وسيلة لقتل قاتل ولدك”، هنا أطرق الشيخ رأسه وقد رضي بالصلح، بشرط أن يقبل التاجر على نفسه أن يعمل شحاذاً أربعين يوماً متواصلة في المدينة التي اشتهر بها وله ولابنه الأمان بعد ذلك.
وافق التاجر على هذا العرض خوفاً على ولده وبدأ بتنفيذ ما ألزم نفسه به، فكان في اليوم الأول والثاني يغطي كل وجهه خوفاً من العار، وفي اليوم الثالث والرابع بدأ يخرج إحدى عينيه، وفي اليوم الخامس والسادس أخرج نصف وجهه، وما كاد ينقضي اليوم السابع إلا ووجه التاجر معروف لكل الناس.
في اليوم الأربعين بعث الشيخ صك الأمان إلى التاجر كما وعد، لكنه في اليوم الحادي والأربعين مر على السوق الذي كان يشحذ فيه التاجر فوجده على حاله ماداً يديه يستجدي الناس، فوقف عنده يسأله عن سبب وقوفه رغم انقضاء المدة، فقال له لقد ذهب ماء وجهي منذ اليوم الذي قبلت به شرطك الذي طلبته مني.
هذا الدرس لمن أراد حفظ ماء وجهه، فلا تجعل نفسك ذليلة بيد أحد مهما كانت الأسباب، فالكرامة وعزة النفس كنزان لا يُشتريان بمال قارون، لذلك أبعد نفسك عن الهوان والذل، و”المعنى في بطن الشاعر”، كما يقولون.
ودمتم سالمين.