كتاب أكاديميا

أ. فارس الشمري يكتب: إشكالية تعارض النحو القرآني مع قواعد النحو العربي

  في الوقت الذي نجد فيه بعض المحاولات البائسة التي تحاول أن ترمي القرآن الكريم بالنقص لأنه يحوي بعض الآيات التي يعارض نحوها قواعد النحو العربي، نجد بأن البعض الآخر يحاول أن يقلل من شأن قواعد النحو العربي انتصارا للقرآن الكريم لأنها – حسب زعمهم – تعارض القرآن الكريم ولذلك يتجه لاستخلاص قواعد النحو من القرآن ضاربا بقواعد النحو عرض الجدار غافلا عن الجهود التي بذلت من أجل تثبيت دعائم هذا العلم على مر العصور، وكأننا أصبحنا أمام قضيتين متناقضتين فإما قواعد النحو القرآني و إما قواعد النحو العربي !! وأمام هذا التناحر بين الرأيين فإننا نجد لزاما أن نبين الطريق السليم وهو عدم وجود تعارض بين النحو القرآني وبين قواعد النحو العربي إلا في عقول أصحابها، وسنوضح على عجالة من الأمر فساد الرأيين بشيء من الإيجاز بدليلين وإليك البيان:- الدليل الأول للرد على المنتقصين من قواعد النحو القرآني .وهو ما اصطلح عليه بالدليل ( الإجمالي) وهو الدليل الذي يرد على مجمل الشبه على اختلاف أبوابها بكتب النحو، أما الدليل التفصيلي وهو الذي يبحث في كل مسألة على حدة فهذا متروك للردود المطولة والموجودة بالكتب التي ألفت لهذا القصد. من هنا نقول إن من المعروف و المتسالم عليه بين علماء النحو واللغة العربية أن الذين يُعتمد قولهم دليلاً في علم النحو واللغة هم عرب الجاهلية وعرب صدر الإسلام وعرب العصر الأموي، فالخطب والأشعار والمحاورات الثابت صدورها عن عرب هذه العصور الثلاثة هي المصدر المعتمد لتشكيل ضوابط النحو واللغة، وأما العرب الذين جاءوا بعد هذه العصور فيُعبَّر عنهم بالمولِّدين لذلك فإن أشعارهم وخطبهم لا تُعتمد دليلاً في علم النحو واللغة.ولأن القرآن الكريم بقطع النظر عن كونه إلهياً أو بشرياً صادر في العصرين الجاهلي والإسلامي لذلك كان من أهم مصادر علم النحو واللغة، فكيف يصح تخطئته نحويًا أو لغويًا والحال أنه مصدر علم النحو واللغة، فكما لا يصح تخطئة أيِّ جملة وردت في معلَّقة امرئ القيس أو معلَّقة طرفة بن العبد أو تخطئة أيِّ فقرة وردت في شعر حسان بن ثابت أو في كلامِ لامية بن خلف أو غيره من العرب فكذلك لا يصح تخطئة آيةٍ من القرآن الكريم في صرفها أو إعرابها.   ومن جانب آخر إن القرآن الكريم نزل في أكثر العصور تميُّزًا بالفصاحة والبلاغة وسائر فنون اللغة، وقد نزل متحديًا العرب في ذلك ومدعيًا أن العرب مجتمعين غيرُ قادرين على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، وقد كانت الدواعي عندهم مقتضية لتفنيد هذا الإدعاء وكسر هذا التحدِّي وذلك نظرًا لكفرهم وطغيانهم وتعنتهم إلا أنهم لم يجدوا لذلك سبيلاً، فلم يتمكن فحولهم من أُمراء الشعر والأدب الوقوف على مغمزٍ في شيءٍ من آيات القرآن رغم حرصهم على ذلك بل كلّما جدُّوا في البحث عن ثغرةٍ تكون مدخلاً للطعن عليه تبدَّى لهم من عظمته ورصانته ما لم يكونوا قد أدركوه قبلُ حتى قال قائلهم (والله ما هذا بقول بشر) وقال آخر يصف القرآن (والله إنَّ به لحلاوة وإنَّ عليه لطلاوة وإنَّ أعلاه لمُورق وإنَّ أسفله لمغدق).فقد أدركوا أن القرآن ممتنع في صرفه وإعرابه وفي سبكه وحسن بيانه وفي بلاغته وفصاحته وفي إيجازه وإطنابه وفي فصله ووصله وبديعه وتناسق حروفه، ولذلك عدلوا عن مكابرته ومطاولته وبدلا من الرد عليه باللسان لجئوا للسيف والسنان، ولو كانوا قادرين على مجاراة القرآن وتفنيده لكان ذلك أيسر عليهم فيما يرومون إليه من الحروب التي خاضوها فكلَّفتهم الكثير من الأموال والأرواح.- الدليل الثاني للرد على المنتقصين من قواعد النحو العربي. من المقطوع به بين علماء اللغة أن من حملوا القرآن بصدورهم وأوصلوه إلينا متواترا هم أنفسهم من وضعوا أسس قواعد النحو العربي – وهو ما ثبت في كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مع أبي الأسود الدؤلي- بعد أن وجدوا اللحن قد دخل على العرب بسبب دخول الكثير من غير العرب للإسلام، وحفاظا منهم على تثبيت اللغة العربية تجدهم قد شمروا عن سواعدهم  وراحوا يقعدون النحو العربي جيل بعد جيل حتى وصل إلينا كما هو عليه الآن.  وأخيرا محاولة الانتقاص من القرآن الكريم بشبه ساقطة، أو محاولة الانتقاص من قواعد النحو هي محاولات سقيمة نهايتها الفشل لأنها تحاول التشكيك بعربية من ثبتوا  لنا فنون اللغة العربية. وهي محاولات كما ترى دونها خرط القتاد.    بقلم أ. فارس الشمري           عضو هيئة تدريب– معهد التمريض 


займ на карту быстро

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock