سوسن إبراهيم تكتب: ابقوا العامة مشغولة
أصبحت الصحافة المتعارف عليها الآن في العالم الرقمي وحتى مثيلتها التقليدية تقيد المتلقي في قالب معين من الخبر. فتسلط الضوء على جانب من الخبر دون الأخر. بل في أحايين كثيرة توجه المتلقي للاهتمام بمواضيع هامشية وبالية لتُبعد الأنظار عن القضايا المصيرية والمهمة. وذلك بالطبع يتم بسبب أجندات معينة تعتمدها الجهات المسؤولة بالصحيفة وكذلك الفضائيات التي تعزز هذا النوع من الأخبار.
فطبيعة العمل الصحافي حاليًا تقتضي بأن تتقيد بحدود منيعة تفصلها عن “تابوهات” الحكومات ورجالات الدولة وجهات عديدة لابد أن يتم تغطيتها لا لسبب إلا لحصانتهم “المكتسبة” ولإخفاء كل ما تخططه الأيادي والعقول. بل ويتم اقصاء المواطن عن المشاركة بأهم القضايا المجتمعية التي تساهم في حل أزمات الشعب والتي في الوقت نفسه تُحدث مطالبتها الجلبة على أصحاب التشريعات والقرار. لذا بإن مهمة الصحافة قد تتحول بلمح البصر من مهنة نبيلة تطالب بالحريات والسلطة للشعب إلى نظام متواطئ مع كل ما يشوه صورة وسمعة الصحافة الحرة. وتلك الأخيرة ليست “الحرة” بمعناها الحرفي ولكن هي الصحافة المسؤولة التي توجه الجمهور لجوانب مهمة في الخبر وتجعل المتلقي مطّلع على جوانب الحدث من جميع الزوايا.
لذا فإن من أهم محاولات الصحافة الصفراء- اذا صح التعبير عنهم- للاستخفاف بعقل المتلقي والتي نود أن نلقي عليها الضوء هي عملية الإلهاء. يقول نعوم تشومسكي:
“أن السياسيين حافظوا على تحويل انتباه الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية والهوه بمسائل تافهة لا أهمية لها. أبقُوا الجمهور مشغولا، مشغولا، مشغولا دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير، فقط عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى.” اذًا اختلفت أغراض الإعلام وتعددت!
أن تجعل الجمهور المتلقي للخبر بعيد كل البعد عن الحدث الأساسي والأهم في المجتمع بل ويتم تحوير مساراته الفكرية فلا يركز إلا على تلك القضايا الهامشية لدرجة تجعله ممتلئ بكافة المعلومات التافهة التي لا تُغني ولا تشبع من جوع، بل متشبع بكافة التفاهات التي يُروج لها. فالنفس البشرية عطشى للأخبار والمعلومات تتغذى عليها كما تتغذى على الطعام والشراب. إن هذه الاستراتيجية التي تستخدمها الكثير من المحطات الفضائية الإخبارية وغيرها من الصحف التي تلونت وتبدلت فأصبحت بلا مهنية تصعد على أكتاف المتلقين الذين يستسيغون الأخبار مهما اختلفت مصادرها. وليس ذلك فحسب وإنما هناك استراتيجيات وطرق أخرى كثيرة تستخدم للتضليل. فيستخدم البعض نظرية التأطير فتفرض على المشاهد او المتلقي نظرة وجانب وحيد من المشهد. فمن المعروف أن القليل من الصدق في الكذب يُصدّق! فعلى سبيل المثال لا الحصر، تستخدم هذه العملية أثناء الثورات الشعبية التي تحصل لكي تُعظم مشهد الثوار او تقلل من مستوى جدية الشعب ومشاكستهم فتجردهم من مصداقيتهم لتعطي للعالم فكرة مغايرة عن التي يُراد توصيلها.
الإعلام والصحافة رسالة بل ميثاق منيع يجب احترامه لكي يصبح الصلاح هو رمز البلاد والسلام شريعته ونهجه ولكي يُنظر إلى الفساد على أنه دخيل ويمكن دحضه..
سوسن إبراهيم محمد