أ. مسلط الديحاني يكتب: الامانة
الإسلام يرقب من معتنقه أن يكون ذا ضمير يقظ تصان به حقوق الله وحقوق الناس وتحرس به الأعمال من دواعي التفريط والإهمال ومن ثم أوجب على المسلم أن يكون أميناً !
والأمانة في نظر واسعة الدلالة وهي ترمز إلى معان شتى مناطها جميعاً المرء شعور المرء بتبعته في كل أمر يؤكل إليه وإدراكه الجازم بأنه مسئول عنه أمام ربه على النحو الذي فصله الحديث الكري
” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته”
قال ابن عمر راوي الحديث سمعت هؤلاء من النبي صلى الله عليه وسلم وأحسبه قال : ” الرجل في مال أبيه راع وهو مسئول عن رعيته” .
والعوام يقصرون الأمانة في أضيق معانيها برعايتها ويستعينون بالله على حفظها حتى أنه عندما يكون أحدهم على أهبة سفر يقول أخوة : ” أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك”
وعن أنس قال: ” ما خطبنا رسول الله إلا قال : لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له”
ولما كانت السعادة القصوى أن يوقي الإنسان شقاء العيش في الدنيا وسوء المنقلب في الأخرى فإن رسول الله في استعاذته بين الحاليين معاً إذ قال : ” اللهم أني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة” فالجوع ضياع الدنيا والخيانة ضياع الدين .. !!
وكان رسول الله في حياته الأولى قبل البعثة يقلب بين قومه بالأمين وكذلك شوهدت مخايل الأمانة على موسى حين سقى لابنتي الرجل الصالح ورفق بهما وأحترم أنوثتها وكان معهما عفيفاً شريفاً :-
(( فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ {24} فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {25} قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ))
وقد حدث هذا قبل أن ينبأ موسى ويرسل إلى فرعون ولا غرو فرسل الله يختارون من أشرف الناس طباعاً وأزكاهم معادن النفس التي تظل بالفضيلة على شدة الفقرة ووحشة الغربة هي لرجل قوي أمين والمحافظة على حقوق العباد تتطلب خلقاً لا يتغير باختلاف الأيام بين نعمى ويؤسى وذلك جوهر الأمانة.من معاني الأمانة وضع كل شئ في المكان الجدير به واللائق له فلا يسند منصب إلا لصاحبه الحقيق به ولا تملأ وظيفة إلا بالرجل الذي ترفعه كفايته إليها.
واعتبار الولايات والأعمال العامة أمانات مسئولة ثابت من وجوه كثيرة: فعن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله ألا تستعملي ؟ قال فضرب بيده على منكبي ثم قال : يا أبا ذر، إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدي الذي عليه فيها.
إن الكفاية العلمية ليست لازمة لصلاح النفس قد يكون الرجل رضى السيرة الإيمان ولكنه لا يحمل من المؤهلات المنشودة ما يجعله منتجاً في وظيفة معينة.
ألا ترى إلى يوسف الصديق ؟ إنه لم يرش من نفسه لإدارة شئون المال بنبوته وتقواه فحسب، بل يحفظه وعلمه أيضاً (( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم)) وأبو ذر لما طلب الولاية لم يره الرسول جلداً لها فحذره منها والأمانة تقضي بأن نصفي للأعمال أحسن الناس قياماً بها فإذا ملنا عنه إلى غيره لهوى أو رشوه أو قرابة فقد ارتكبنا بتنحية القادر وتولية العاجز خيانة فادحة.
إعداد: أ. مسلط الديحاني
قسم الادارة المكتبية
الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب