يوسف عوض العازمي يكتب: مساء فلسفي زاخر
” ما أسهل إتهام أصحاب الرأي الأخر بالعمالة والخيانة ، وربما الكفر لمجرد أنهم لا يسيرون في الركاب السلطاني للرأي الأخر “
( د. فؤاد زكريا )
قبل سنوات و ذات يوم كنت أجلس بأحد الأماكن ، و كنت بإنتظار أحد المواعيد ، و كان بيني وبين الوقت الموعود تقريبا” ساعة زمن ، و نتيجة ” الفضاوة ” ، بحثت عن أي شئ اقضي به الوقت ، و وجدت كتيبا” موضوعا” فوق أحد الطاولات ، و كان يحتوي على مقال طويل ، اعجبني المقال و الفكر المكتوب ، و طريقة الطرح العقلانية الراقية ، و عندما قرأت أحد الكاتب فوجئت بأنه فؤاد زكريا !
من هو فؤاد زكريا في خاطري ؟ ، قبل قراءة الكتيب كما ذكرت في الفقرة السابقة ، كنت أسمع عن الدكتور زكريا رحمه الله كلاما” سيئا” و غير مناسب ، و بأنه و أنه و كلام من غبر المناسب ذكره ، بل انني كنت اعتبره احد رموز الخراب الثقافي في بلاد بني يعرب ، و كنت أرى أنه شخصا” يحمل افكارا” أو فكرا” ذو آيديولوجية لاتتسق و الثوابت الشرعية ، أي لم يبق سوى أن أعتبره كافرا” !
تنبهت له و لفكره النير ، و بصماته المضيئة في سماء الفكر العربي ككل و الفلسفي خاصة ، و قرأت له أكثر من مرة بعد ذلك ، و أحببت بساطتة في توصيل الفكرة ، لم يكن نخبويا” بقدر ماكان قريبا” من فكر الناس البسطاء ، بمقال واحد يفهمه رجل الشارع ويستوعبه المتعلم البسيط ، و يقرأه الأكاديمي المتخصص ، و هنا يبدو ثوبه العلمي الفاخر ..
بعد سنوات و بالصدفة قرأت أن ندوة ستقام و يكون موضوعها هو : فؤاد زكريا ، و بالتحديد في مركز الشيخ جابر الاحمد الثقافي ( دار الاوبرا ) ، وسيتحدث بها أساتذه جامعيون ممن عاصروه و زاملوه رحمه الله ، و هم من جامعة الكويت ، التي كان الدكتور زكريا أستاذا” للفلسفة بها ، وبالطبع كانت مناسبة لايمكن تفويتها ..
وفي مساء فكري و فلسفي فاخر ، وبتنظيم مناسب ، و جلسة عنوانها الهدوء ، و كان واضحا” أن الحديث أشبة بذكر لمناقب و صفات و مواقف المفكر الكبير ، بدأت الندوة بكلمة للدكتورة شفيقة بستكي ، حيث تطرقت لمجال نظرية المعرفة ، و اكدت ان البحث الفلسفي يؤدي في بعض الاحيان معارضة للموقف ، و كانت كلمة تتحدث عن مبادئ فلسفية و أثرها على فكر الراحل زكريا ..
بعدها تحدث الدكتور مجدي عبدالحافظ ، تحدث عن مواقفه من الغزو العراقي ، وعن المشابكات مع الآخرين حول ما اسماه بالردة الحداثة العقلانية و الفردية ، و لفت نظري إ
مقارنته مقولة رينيه ديكارت الشهيرة : أنا افكر إذن أنا موجود ، و قارنها بمقولة للدكتور زكريا : انا متمرد إذن انا موجود ، ولاحظت أنه ركز على بساطة الشخصية ، و كلماته التي من ضمنها أن الدروشة بلا حدود في بلاد العرب !
بعدها بدأ الدكتور عبدالله الجسمي و هو متركز حول موقف الدكتور زكريا من غزو الكويت ، و وصفة بالموقف الشجاع عكس الكثير من المثقفين الذين وقفوا مع الجلاد ضد الضحية ، وتحدث عن فكر الدكتور الراحل مثل فكرة الاتساق الفكري والاتساق مابين الفكر و الممارسة ، و بين انه كان احد طلبته ، و امتدح اسلوبه التدريسي بتسهيلة المفردات الفلسفية الصعبه للطلبه . و أنه كان ضد الآيديولوجيا و الشمولية و يميل للتنوير .و اهتم بنقد الظواهر الثقافية ..
بعد ذلك تحدث الدكتور محمد السيد عن التفكير العلمي أو التفكير النقدي أو التفكير الناقد ، و تساءل هل هناك فلاسفة عرب ؟ و قال ان الفلاسفة لم يعودوا موجودين في هذا العصر حتى في الغرب ، بل اصبح هناك مهتمين و علماء في العلوم الدقيقة ، وفهمت من كلمته أن الفلاسفة كفلاسفة لم يعودوا متواجدين في هذا العالم الرحب ، بل قد تنتقل الفلسفة للعلوم العلمية والإنسانية الأخرى ، و بين أن الراحل كان محبا” للرياضيات و شغوفا” بها ..
بعد الكلمات المقررة ، تحدث عدة ضيوف اعطيت لهم الكلمة لاحقا” ، فذكروا بعض مناقبة و صفاته ، و ذكروا شغفة بالموسيقا ، و بأنه كان قريبا” من رجل الشارع . و بأنه شجاع واجه الشعرواي في عز مجده و شهرته ، كذلك كشف احد الضيوف و يبدو أنه مان يشغل منصبا” يعتني بالثقافة ، بأن الراحل زكريا كان هو صاحب فكرة تأسيس سلسلة كتاب الشهر أو ماسمي ” عالم المعرفة ” ، والتي ماتزال تصدر عن المجلس الوطني للثقافة ، و كلام كثير قيل عن هذا المفكر الكبير الذي لم يأخذ حقة من الإهتمام ، أو على الاقل إعادة طباعة بعض كتبه التنويرية الهادفة ..
كانت ندوة او جلسة مفيدة ، أعتبرها أضافة لكل من حضرها ، و لإن لا كامل إلا الله ، فلم يكن الحضور مناسبا” لقيمة الراحل ثقافيا” و علميا” ، ربما بسبب عدم الإعلان المناسب عنها ، أو لم يصل للكثير من المهتمين ، و اعتقد لو أن الندوة أقيمت برابطة الادباء لأخذت زخما” افضل ، نظرا” لخبرة الرابطة في تنظيم الندوات الثقافية ، حيث أصبحت ملتقى لكثير من الامسيات الثقافية ..رغم ان التنظيم كان جيدا” ، والإستقبال رحب ، لكن الدعاية المحدودة للندوة يبدو أنها اثرت على الحضور .
يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
نشر ايضا في عرب تايمز الكويتية