أخبار منوعة

“أصوات التغيير”.. موسيقى ترسم الفرح في مخيمات اللجوء

بعد أن شعر بأنه موسيقي بلا معنى أو هدف في الحياة، تأتي الحرب في سوريا لتغير مسيرة حياته وتعيد إليه أحلاما لطالما راودته منذ طفولته.

يدعى لوكاس دولز، موسيقي هولندي، درس الموسيقى ثماني سنوات بعد أن كان حلمه أن يصبح طبيبا عاملا في منظمة أطباء بلا حدود، وبعد أن تجاوز الثلاثين تخبط بين حلمه المبني على مساعدة الغير ودراسته الموسيقية محاولا إيجاد نافذة بينهما.
كانت سنة 2012 نقطة تحول في حياة لوكاس، استرد من خلالها قوته وساعدته على المضي قدما في حلمه.
البداية كانت بعرض من أحد الأصدقاء للسفر إلى الأردن، لوكاس لم يفكر كثيرا قبل أن يحزم أمتعته وآلاته الموسيقية متجها إلى مخيم الزعتري، حيث يقطن آلاف اللاجئين السوريين الفارين من ويلات الحرب.
وفي ظل ظروف المخيم القاسية والخوف والحزن المسيطرين على ساكنيه، بدأ لوكاس تدريس الأطفال الموسيقى في صفوف مقسمة حسب الفئات العمرية، محاولا رسم البسمة على وجوههم.

وفي أحد الفصول لاحظ لوكاس طفلة سُرقت منها بهجة الطفولة تجلس بصمت في الركن وتنأى بنفسها عن المشاركة مع زملائها، حاول الموسيقي التقرب منها فعرف أنها قادمة من رحلة لجوء صعبة قضت خلالها 12 يوما في الصحراء، ومنذ ثلاثة أشهر لم تحادث أحدا قط، بل اكتفت بالجلوس وحيدة مع أثر جرح على وجهها.
محاولات لوكاس لاستمالة الطفة لم تنجح في البداية، فقد كانت تجهش بالبكاء كأنها تبكي حزن أشهر مضت، إلا أن هذه الطفلة بدأت الاستجابة خلال أيام قليلة، لينتهي بها المطاف بالمشاركة والغناء والضحك مع بقية الأطفال المتواجدين في المخيم.
يقول لوكاس للجزيرة نت “هنا تكمن قوة الموسيقى والدور الذي يمكن أن تلعبه في رسم الفرحة على وجوه الطفولة البريئة التي لا علاقة لها بالحروب”.
عمل لوكاس عامين مع منظمة “موسيقيون بلا حدود” في هولندا بهدف اكتساب خبرة أكبر بالعمل المؤسساتي لتبدأ بعدها رحلته الخاصة.
في 2016، تسلم لوكاس دعوة للمشاركة في مهرجان “الأسبوع العالمي من أجل سوريا” لتدريب معلمين في مخيم شاتيلا اللبناني، وبالتعاون مع منظمة “بسمة وزيتونة”، قام بتدريب معلمين وناشطين في مخيم يضم نحو ثمانمئة تلميذ، حيث كان يعاني المعلمون من الفوضى في المخيمات، ولم يكونوا على دراية كافية بكيفية استخدام الموسيقى في ظل تلك الفوضى.

ومن ثم انتقل لوكاس إلى مخيمات مختلفة للاجئين الفلسطينيين والسوريين في لبنان، من بينها عكّار وطرابلس ووادي البقاع وبعلبك، وسافر 17 مرة إلى لبنان خلال ثلاث سنوات.
في 2017 أطلق لوكاس مؤسسة “أصوات التغيير” بهدف توفير فرص لتدريب المهتمين بتعلم الموسيقى وتقديم رسالة موسيقية هادفة وقادرة على إحداث تغيير في المجتمع، مع التركيز بشكل أكبر على الأطفال.
وحظيت المؤسسة باهتمام متزايد وانضم إليها أعضاء هولنديون، بالإضافة إلى سوريين ولبنانيين وأردنيين، وكان لهم دور بارز في فتح جسر تواصل متين مع اللاجئين.
يمتد نشاط مؤسسة “أصوات التغيير” إلى فلسطين والأردن ولبنان ومصر، وأطلقت عددا من المبادرات داخل هولندا أيضا، وذلك من أجل تحقيق الاندماج الثقافي للاجئين.
منذ 2017 تنظم المؤسسة حفلات تضم موسيقيين هولنديين وسوريين، وأسهمت في خلق مزيج ثقافي مميز حظي باهتمام واسع.

طريق المؤسسة لم يكن مفروشا بالورود، فهي تواجه منذ انطلاقها صعوبات ومشاكل بيروقراطية، خاصة في ما يتعلق بالتصاريح المطلوبة لدخول مراكز اللجوء، ويقول لوكاس إن “السياسة هي من تدير المجمعات السكنية للاجئين، وأنا أتحدث هنا عن مخيم الزعتري بالتحديد، إذ لا تستطيع السفر ودخول المخيم بسهولة، بل تحتاج إلى تصريحات عدة ودعوات زيارة”.
ووفقا للوكاس، فإن المؤسسة تصطدم أيضا بوجود منظمات غير حكومية ذات رؤى سياسية تتعارض وأهدافها، وتنظر هذه المؤسسات إلى “أصوات التغيير” كأنها عدو، ودعا تلك المؤسسات إلى العمل معا ومشاركة الرؤى بدلا من المعارضة ووضع العراقيل، لا سيما أن “أصوات التغيير” لا تهدف إلى المنافسة أو الربح، ولا تتلقى أي دعم مالي من الحكومة الهولندية، بل قائمة على التبرعات الآتية من أفراد هولنديين ومؤسسات صغيرة، بالإضافة إلى بعض الموسيقيين الهولنديين ممن يؤمنون بعمل المؤسسة.
الآن وعمره 38، يعتقد لوكاس أنه قد أنجز حلمه بأن يكون طبيبا في أطباء بلا حدود، لأنه قادر على معالجة الآخرين بآلاته الموسيقية التي تتوزع في شتى أركان منزله، كما أن الكلمات والألحان التي تصنعها هذه الآلات لها قدرة على ردم الفجوة بين المجتمعات وخلق ثقافة مشتركة قائمة على الموسيقى.

المصدر :
الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock