كتاب أكاديميا

فاطمة السلمان تكتب: هل ستلبي النداء؟

 على امتداد العصور، وتطور الأزمنة، واختلاف الأساليب والطرق، نرى عقولا فذة تجتهد لنشر علم هادف، ومفكرين ظهروا بدءا من أبو بكر الرازي وابن سينا وابن خلدون، انتقالا إلى مارتن لوثر في ألمانيا، وصولا إلى مارتن لوثر كينج في أمريكا وطه حسين وعباس العقاد في مصر وعبد العزيز الرشيد في الكويت ومن تبعهم من الأجيال اللاحقة، كل هؤلاء سعوا لبلورة أفكارهم وإيصال رسالتهم وصوتهم النابض بروح التجديد والتنوير والفن والأدب والشعر والعلوم إلى أبعد مدى. ووجد بعضهم في الكتابة متنفسا لأفكاره، فأنتج مؤلفات ذاع صيتها بين الناس ونهلت من علومها أجيال متعاقبة.
 واليوم، تزخر مكتباتنا بالكتب المحملة بكثير من تلك الأفكار والعلوم في مختلف المجالات، ونجد أن تلك المكتبات بدأت تستغل تطور وسائل الاتصال استغلالا إيجابيا لاستقطاب أكبر عدد من القراء، لكن السؤال: أين هم القراء؟ أصبحت الكتب تنتظر يدا تمتد لتنتشلها من النسيان وتقرأها بعمق، الكثير بدأ يهجر القراءة ظنا منه بأنه يمكن الاكتفاء بالمعلومات التي يحصل عليها من وسائل التواصل الاجتماعي لأنها أسرع بالوصول وأسهل بالفهم، لكنه لم يتوقف لحظة ليسأل نفسه: كيف وصلت هذه الوسائل لأيدينا؟ كيف استطاع البشر تطوير هذه التكنولوجيا الهائلة بكل تلك البراعة؟ اعلم يقينا بأن السر يكمن في القراءة التي تعمل كالوقود، فكما يزود المركبة بالطاقة، تزود القراءة العقول بعلم يدفعها للإنتاج.
 إن كثيرا من فئات المجتمعات العربية لاسيما الشباب لا يقرؤون ليس لأنهم يجهلون أهمية القراءة، بل لأنهم لا يدركون أخطار تركها عليهم وعلى مجتمعاتهم، فعدم القراءة قد يكون عاملا لجلب بعض الأمراض مثل الزهايمر المبكر بسبب عدم تنشيط خلايا الدماغ من ناحية، ويؤدي لضحالة وسطحية في الفكر وتقلب غير مبرر في الآراء والقناعات من ناحية أخرى ما يجعل من شبابنا صيدًا سهلاً للجماعات المتطرفة والمتعصبة، تجذبهم إليها وتغرس فيهم أفكارها المسمومة، فيُضرب المجتمع في عصب قوته (الشباب) فينهار ويتشتت ويتراجع، وتنشأ فيه كثير من الخلافات التي يعود أصلها للتطرف دون دعم وجهة النظر بأسس راسخة منطقية. ولكي نلمس هذا الأثر بوضوح، يمكننا المقارنة بين أجيال كانت تتخذ الكتاب صديقا مؤنسًا وملاذا من متاعب الحياة، وبين أجيال تركت الكتب لتحتويها الأرفف، سنرى إنه كلما تدنى الإقبال على القراءة تدنت إنتاجية المجتمع وقل الوعي وزادت التبعية غير المدروسة لدى أفراده، فاليوم، تبين الإحصاءات إن متوسط ساعات القراءة لدى المواطن الغربي هو 200 ساعة سنويا، في حين يقرأ المواطن العربي بمتوسط ست دقائق سنويا.
 تكشف هذه الأرقام بشكل عام عن الوضع الثقافي في العالم العربي، فيجب أخذ خطوة جادة لتغييرها، ولن يتم ذلك إلا باتخاذ القراءة أسلوب حياة وليس واجبا مفروضا عليك أو عبئا ثقيلا تتمنى الخلاص منه. لكن قبل أن تبدأ هذا التغيير في حياتك، يجب أن تعرف ماذا تقرأ ولمن تقرأ؟ فالقراءة مثل تناول الطعام الذي تسأل عن مكوناته قبل إدخاله معدتك كي لا يؤذيها، كذلك في عالم الكتب يجب أن تعي ماذا يدخل إلى عقلك من أفكار كي لا تدمره. واحذر أن تكون غايتك من زيارة معارض الكتاب وشراء الكتب هي تصويرها إلى جانب كوب من القهوة لنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط، بل اجعل غايتك نهضة وطنك ومجتمعك، فالشعوب تميزها ثقافة أبنائها، فكن عالما قارئا مثقفا، كي تبني وطنا شامخا متقدما، وتنشئ جيلا واعيا صالحا.
 ها هي أصوات الحروف من بين صفحات الكتب تناديك، فهل ستلبي النداء؟

فاطمة السلمان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock