كتاب أكاديميا

م. محمد بن خواش: خمسة أركان لحسن الخلق

لكي تكون ذا أخلاق حَسَنة يجب أن تقيم أركانها وتجتنب مصادر سوئها، فالأخلاق علم يستطيع الإنسان تعلمه.

ومما يؤسفني أن الأخلاق قد أضحت أقل العلوم تداولاً  لدى الباحثين العرب، بينما ظفرت المسائل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأيدولوجية بالقسط الأكبر من اهتمامهم، حتى أصبح الحديث عن الأخلاق مجرد حديث مترف يتجاذبه بعض المثقّفين والتربويين فيما بينهم.

في ظل هذه الظروف التي يرزح تحت وطأتها غالبية أبناء وطننا العربي ترسخت قناعة خاطئة لدى الباحثين والمفكرين وهي أن (الإصلاح الاقتصادي) بحد ذاته كفيل بحل (أزمة الأخلاق) وغيرها من الأزمات التي تمر بها مجتمعاتنا العربية بشكل متفاوت، لذا أردت أن أثير لدى القارئ الإحساس بجدية ماتعاني منه الأمة من أزمة أخلاقية تتمثل بحالة الخواء الباطني للأخلاق وفقدان القيم، وأن معالجة هذه الأزمة أهم من معالجة  الأزمات الأخرى.

الأخلاق من صلب الدين فقد كثرت النصوص الواردة فيها من الكتاب والسنة، فالقرآن ربط الفقه بالإيمان والأخلاق، كما أن الله جل في علاه وصف نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم بها (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [سورة القلم:4]، وتوعد الباري بالوعيد الشديد لمن ترك بعضها، كما أن الأخلاق معيار محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأي مسلم فقال: ((إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا ….))، كما قال أيضاً (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وكأنه يقول لم أبعث ولم أرسل إلاّ لتحقيق هذه الغاية وتأكيدها وترسيخها في حياة الناس.

ويأتي السؤال: ما الأخلاق؟

الخلق اصطلاحاً: هو صفة مستقرة في النفس وليست (عارضة) ذات آثار في السلوك محمودة كانت أم مذمومة، وهي تصرفات الفرد التي يتصرفها على سجيته دون تفكير.

والخلق لغة: هو السّجيّة والطبع والدِّين، وهو صورة الإنسان الباطنية، وسلوكياته تترجم ذلك.

ويقوم مفهوم حسن الخُلق على خمسة أركان:

– العلم بمعاني الأخلاق، فإذا تعلمتها وطبقتها ارتقت أخلاقك.

– الجود، بمفهومه الشامل.

– الصبر، فالتخلق بمحاسن الأخلاق يحتاج إلى صبر شديد.

– طيب النفس، بمعنى أن يكون هيناً ليناً متسامحاً بعيداً عن التعقيد.

– صحة الإسلام والقيم، فالأخلاق هي نتاج لِما يحمله الإنسان من فكر ومعتقد، فإذا حسن إسلام المرء حمله ذلك على الالتزام بمكارم الأخلاق، وبذل المعروف وكف الأذى قولاً وفعلاً.

وأما مصادر سوء الخلق فهي:

– الجهل، عدم معرفة القبيح والحسن من الأخلاق.

– الظلم.

– الشهوة، بكل أشكالها.

– الغضب، وهو المصدر الرئيسي.

يقول يحيى بن معاذ: سوء الخلق سيئة لاتنفع معها كثرة الحسنات، وحسن الخلق حسنة لاتضر معها كثرة السيئات، كما يقول الفيلسوف الألماني ” إيمانويل كانْت ” :

” شيئان لا يفتآن يبعثان فى النفس الإعجاب والروعة : السماء المرصعة بالنجوم من فوقي، والقانون الخلقي فى باطني “.

ومن أكثر من وعى بأن أمتنا تمر (بأزمة أخلاق) هو أمير الشعراء أحمد شوقي، فلقد عرف أن حضارتنا ستضمحل وتندثر إذا ما انعدمت فيها الأخلاق،

فقد قال :

«إنما الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا»

وقال : «صلاح أمرك للأخلاق مرجعه … فقوّم النفس بالأخلاق تستقم»

وقال : «إذا أصيب القوم في أخلاقهم … فأقم عليهم مأتماً وعويلاً».

إن من أكبر أزمات عالمنا العربي هي (أزمة الأخلاق) فإن عولجت فبالتبعية ستحل باقي الأزمات، وأختم بدعاء نبينا صلوات ربي وسلامه عليه “اللهم اهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق؛ لا يهدي لأحسنها إلاّ أنت، وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق؛ لا يقي سيئها إلاّ أنت ”

لا إيمان بلا أخلاق، ولا حضارة بلا أخلاق  .

‎المهندس محمد بن خواش

‎‏Email: [email protected]

Twitter: @mrq8i11

Instagram: mr_q8i111

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock