المتعلِّم جيداً يكسب أكثر من المستثمر في البورصة
كم من بلد فقير.. هو عملياً غني بموارده البشرية المتعلمة
لا شك في أن التعليم من أهم العوامل التي تسهم في تقدم الدول، وتحسين وضع الأفراد، لما يحققه من مزايا متعددة، تنمويًا واجتماعيًا وغير ذلك، غير أن العامل الاقتصادي للتعليم ومدى استفادة المتعلم مما يحصده من علم يبقى محل جدل باستمرار.
التعليم أم البورصة الأميركية؟
تقول {إيكونومست}: مع حصول الكثيرين من غير المتعلمين على مبالغ طائلة جراء عملهم أصبح البعض يؤكد أن «التعليم مشروع خاسر اقتصاديًا» غير أن دراسة حديثة أكدت عكس ذلك.
وبينما ارتفعت سوق الأسهم الأميركية بنسبة %5.5 سنويًا خلال 50 عامًا الأخيرة، فإن كل عام إضافي يقضيه الشخص في التعليم يزيد أجره بنسبة %8.8، بما يعكس أن إنفاق الشخص على تعليمه أفضل من استثماره في البورصة بشكل عام في الولايات المتحدة، كما كشفت مجلة إيكونوميست.
وتستبعد تلك الفائدة الاقتصادية مزايا أخرى ذات أبعاد متعددة، من بينها تراجع معدل الوفيات بين المتعلمين عنه بين غير المتعلمين، لتبقي على الأبعاد الاقتصادية البحتة فحسب.
وتشير دراسة للمنتدى الاقتصاد العالمي إلى أنه في كل دول العالم فإن من يحصلون على التعليم يحصدون أجورًا أعلى ممن لم يحصلوا عليه، غير أن النسب تتفاوت بين دولة وأخرى. كما أن من يتمتعون بدرجات أعلى من التعليم يصعب استبدال استخدام التكنولوجيا الحديثة بهم، فالآلات حالياً قد تستبدل شخصًا يقوم بعمل بدني أو حتى حسابي بدائي، لكنها لا تستطيع –حتى الآن على الأقل- أن تستبدل من يقوم بحل مشكلة إدارية أو التغلب على مشكلة صحية مستعصية.
أجور أعلى وتشغيل أوسع
وعلى سبيل المثال تشير دراسة للأمم المتحدة بحسب موقع أرقام إلى أن هؤلاء الحاصلين على التعليم الثانوي يحصلون على أجور تزيد بحوالي %15 عما يحصل عليه نظراؤهم الحاصلون على الشهادة الإعدادية في نيوزيلندا كأقل فارق بين
الاثنين عالميًا، بينما تصل النسبة إلى %119 في المجر كأكبر فارق.
وتؤكد الدراسة نفسها أن معدلات التوظيف أيضًا تتزايد مع زيادة المؤهلات الدراسية في غالبية دول العالم، باستثناء بعض الدول، حيث إن نسبة التشغيل بين حائزي الشهادة الثانوية في الدول المتقدمة تزيد بنسبة %9-%12 عن مثيلتها من حملة الشهادة الإعدادية.
وفي كثير من الأحيان، ووفقا لموقع إنفستبيديا، فإن الطلاب أو العمال كثيرًا ما يشعرون بأنهم لا يحصلون على عائد مناسب نظير التعليم الإضافي الذي يحصلون عليه، بما يدفعهم للتوقف عن تلقي التعليم والاكتفاء بما حصّلوه بالفعل، غير أن الإحصاءات تؤكد عكس ذلك.
فمع زيادة التعليم عادة ما تزيد الإنتاجية والرواتب وتقل معدلات التسريح من العمل وتزيد درجة اعتمادية العمل نفسه على العامل، بما ينعكس إيجابًا ليس فقط على الدخل العام، لكن على الاستقرار الوظيفي أيضًا.
وتقول دراسة تنقلها مجلة إيكونوميست إن العالم يشهد منافسة بين التكنولوجيا والتعليم، حيث إنه في حالة إحلال التكنولوجيا والآلات محل العمالة في مجال، فإنه كثيرًا ما تلجأ العمالة إلى حل من اثنين، إما زيادة مهارتها للانتقال للوظيفة الأعلى، وإما الذهاب للعمل في الوظيفة الأقل بما لا يتطلب زيادة المهارات.
فدائمًا ما سيكون بوسع النجار الماهر أن يعمل على آلة لقطع الأخشاب عادة ما يتعامل عليها العامل العادي، ولكن الأخير لن يجد أي عمل إذا تولت الآلات مهمته.
وسيلة للبقاء
وعلى الرغم من قدم الحكمة الشهيرة «اعط رجلًا سمكة فسيأكل اليوم، لكن علمه الصيد فسيأكل كل يوم» فإن البنك الدولي لم يجد غضاضة في الاستعانة بها في دراسة حديثة له حول مساهمة رأس المال البشري في الإنتاج العالمي.
وتشير الدراسة إلى أن «رأس المال البشري» يسهم بنسبة %62 من الثروة العالمية، بينما تأتي العوامل المُصنعة ثانية بربع تلك النسبة، والعوامل الطبيعية بنسبة أقل كثيرًا، بما يؤشر ويؤكد أن التعليم يبقى استثمارًا في عامل الإنتاج الأهم، بعيدًا عن فوائده الإنسانية والاجتماعية المتعددة.
ومع استمرار الضغط التكنولوجي على العمالة البشرية فإن التعليم وزيادة المهارات لم يعودا وسيلة لاكتساب مهارات جديدة لرفع سعر العامل في سوق العمل فحسب، بل إنهما وسيلة للبقاء على قيد الحياة لأن الضغط دائمًا سيكون على العمالة التي تمتلك قدرًا أقل من المهارات، لذا فأيًا كان ما لديك من المهارات فإن عليك العمل سريعًا للاستثمار في زيادتها.