أحمد الصراف يكتب: الناظر المخرِّب.. والصامت
تمتاز الكويت، مقارنة بدول كثيرة، بأمور كثيرة جيدة لا مجال لحصرها، لكن من بينها قوة العلاقة بين أركان النظام السياسي وبين بقية مكونات الأمة.
وحيث إن أساس بقاء الأمم هو الأخلاق، التي متى ما ضاعت غيبت معها الدول وسحقت الإمبراطوريات وأذابت الكيانات، فإن من الأهمية القصوى الحفاظ على الحد الأدنى من الأخلاق في أي مجتمع ليس فقط لضمان بقائه واستمرارية العلاقة الصحية بين أطرافه، بل وأيضا لاستمرار تقدمه.
***
في خطوة احترازية وغير مسبوقة، بسبب شك وزير التربية في أخلاقيات، أو تصرفات بعض «مربي الأجيال»، و«تربويي الإخوان»، قامت الوزارة بنقل مجموعة من نظَّار المدارس من مدرسة لأخرى، لكي توقف تواطؤ بعضهم مع طلبة مدارسهم وتساهلهم مع حالات الغش في امتحانات نهاية العام!
ثارت ثائرة المتضررين من قرار الوزارة، من طلبة وأولياء أمور، واعتصموا أمام مكتب الوزير وعدسات المصورين، مطالبين بوقف تنفيذ نقل نظار المدارس الذين يتساهلون مع حالات الغش.
هذه كارثة أخلاقية حقيقة، تتضاءل أمامها بقية الكوارث التي مررنا بها في نصف القرن الماضي، والسؤال هنا: لماذا وكيف وصلت مجموعة منا لهذا المستوى المتدني من انعدام الأخلاق؟! الإجابة ليست سهلة، وطويلة وتحتاج الى مجلدات، وسنحاول هنا التطرق لأحد الأسباب، وإن باقتضاب شديد.
يعتبر المجتمع الكويتي مجتمعاً متديناً يؤمن بالثواب والعقاب والجنة والنار، والحياة الآخرة. لكن معيار الأخلاق لديه يشكو اضطراباً وخللاً كبيرين. فالغالبية العظمى تربط الأخلاق بمعيار أساسي يتعلق بالتصرف الجنسي، فمن حفظ جسده زاد قدره وكبر خلقه، ومن فرط فيه فلا خلق له ولا احترام. وبالتالي تصبح الأمور العامة الأخرى مجرد تصرفات سيئة أو مستهجنة، وفي أسوأ الأحوال شاذة، لكن لا علاقة لها بالأخلاق. فتجاوز دور الغير في الطابور وتجاهل الإشارة الحمراء، وقيادة السيارة بسرعة ومخالفة القوانين ورمي القمامة في الشارع والاختلاس أو حتى سرقة الأموال العامة، وانتحال شخصية الغير وتزوير الهوية، والغش في الامتحانات المدرسية أو العمل، وتزوير التقارير وشراء الشهادات الدراسية الوهمية، والكذب في المحررات الرسمية، واحتقار المختلفين عنا دينياً ومذهبياً وعرقياً، وغير ذلك الكثير من التصرفات والجرائم الصغيرة والكبيرة، ليس للأخلاق- لدى الأغلبية الساحقة من المجتمع الكويتي، بشكلٍ عام- علاقة بها! وأحد الأدلة على ذلك فضيحة قيام داعية سلفي ورجل دين معروف بتزوير شهادة الدكتوراه التي يحملها، واعترافه بذلك، ومع هذا لم يؤثر ذلك في مكانته، ولا يزال مستمرا في اصدار الفتاوى واستخدام لقب الدكتوراه المزورة حتى اليوم، والسبب أن تصرفه لم يكن، بنظر أتباعه والمجتمع، له علاقه بالأخلاق.
لا شك أن هناك أسراً ومجتمعات عدة متدينة تمتاز برفعة أخلاقها. كما أن هناك مجتمعات عدة أخرى غير متدينة بتاتاً، ومع هذا تمتاز أيضاً بالتزامها الأخلاقي، والسبب أنها مجتمعات متقدمة غالباً، درست الأخلاق، وليس بالضرورة الدين في البيت والمدرسة، وتعلَّمت المعنى الحقيقي للأخلاق، وهذا ما نفتقده في مجتمعنا.
الطريف أو المبكي في الموضوع، أن الجميع سخر وانتقد تصرفات الطلبة وآبائهم المطالبين بوقف قرار نقل نظار المدارس الذين يسهلون عمليات الغش، لكن لم تقم أي جهة بالمطالبة بمحاسبة هؤلاء النظَّار على «جريمتهم». كما أن سكوت هؤلاء عما نالهم من «سوء سمعة»، يؤكد صحة شكوك الوزارة، وأنهم بالفعل من «مخربي الأجيال» وليسوا مربيها.