الإنترنت ترسانة من أدوات التجسس
ألقت فضيحة فيسبوك المتعلقة بتداول بيانات شخصية لنحو 87 مليون مستخدم مع شركة كامبريدج أناليتيكا للاستشارات السياسية الضوء على قضية تعقب شبكات التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية في العالم لخطواتنا عبر الإنترنت. لكن عملاق التواصل الاجتماعي فيسبوك ليس وحده الكيان الذي يفعل ذلك.وخطواتنا في العالم الرقمي مراقبة، من قبل عشرات الشركات التي تجمع البيانات، وتقريبا فإن كل المواقع الإلكترونية الأكثر زيارة من جانب المستخدمين، وكذلك التطبيقات الأكثر استخداما تجمع معلومات لحظية عن سلوك المستخدمين.ولا يرتبط كل المتعقبين بالضرورة بشركات تبحث في عاداتك في التصفح، لكن كثيرا من الناس لا يعون إلى أي مدى هم «مراقبون»، أو من لديه قدرة على الوصول لبياناتهم. وفي ما يلي توضيح للكيفية التي يجري بها تتبع حياتنا الرقمية.هناك العديد من الطرق لتعقب حياتنا الرقمية. تصفحنا للإنترنت يراقب عن كثب من جانب ما يمكن تسميته «ترسانة التجسس»، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: تقنيات ملفات تعريف الارتباط «كوكيز»، وويب بيكونز، وفلاش كوكيز، وبيكسل تاغ.وهذه «الأسلحة للجمع الشامل للبيانات» تجمع نطاقا من البيانات من خلال أنشطتنا، مثل المواقع التي نزورها، وحتى أنواع الأجهزة التي نستخدمها. وأحيانا يكون لدى بعض المواقع عشرات من أدوات التعقب، ولأغراض متنوعة.وإحدى هذه الأدوات ربما تهدف لإعطاء مالك الموقع فكرة عن عدد زيارات الموقع، لكن أغلبها يستخدم من جانب شركات لجمع معلومات عن هويتنا، وعمرنا، ومكان معيشتنا، وماذا نقرأ، وما هي اهتماماتنا.وفي عام 2010، أفاد تحقيق أجرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية بأن الخمسين موقعا الأكثر شعبية في الولايات المتحدة يمتلك كل واحد منها في المتوسط 64 أداة من أدوات التعقب.لماذا يفعلون ذلك؟ لأن هذه البيانات يمكن أن تتحول إلى سلعة. وتباع إلى معلنين وشركات، بل وحتى حكومات في بعض الأحيان. وإحدى وسائل جمع البيانات هي فحص صندوق المراسلات الواردة للمستخدم، في مواقع البريد الإلكتروني المجانية، مثل «جي ميل» من غوغل. وفي يونيو الماضي، أعلنت الشركة أنها ستتوقف عن تلك الممارسة التي كانت تستخدمها من أجل تصميم خدمتها للاستهداف الإعلاني.وهذا التعقب يكون غير مرئي بالنسبة لنا، في أغلب الأوقات، لكن هناك متعقبين يسهل التعرف عليهم، رغم أنهم قد يبدون غير مثيرين للريبة. ألم تزر من قبل صفحة فيها خيار «غرد بذلك»، أو «تابعني على تويتر»؟ نعم، اذا هذا متعقب.في العام الماضي، أعلنت شركة تويتر أنها أوقفت دعمها لمبادرة «لا تتعقب»، وهي مبادرة تطوعية تهدف لإبقاء سلوك المستخدمين على الإنترنت بعيدا عن التعقب.وما يجعل الأمور أكثر إثارة للجدل أن بعض المتعقبين «لصوقون»، وسيستمرون في مراقبة أنشطتنا عبر الإنترنت مع مرورو الوقت، وهو ما يتجاوز مجرد مراقبة عاداتنا في الإنفاق.تطبيقات فضوليةأغلبنا يمضي أوقاتا طويلة هذه الأيام في استخدام تطبيقات الهواتف الذكية، التي يشيع فيها التجسس.في العام الماضي، نشر أكاديميان في الولايات المتحدة، وهما نارسيو فالينا رودريغز وسريكانث سنداريسان، دراسة ملخصها أن 7 من بين كل 10 هواتف ذكية تتداول بيانات شخصية مع خدمات لطرف ثالث.وبحسب الدراسة، فإنه بمجرد أن يثبت الأشخاص تطبيقا على الهواتف التي تعمل بنظام التشغيل أندرويد أو «أي أو إس»، تطلب تلك التطبيقات موافقة من الأشخاص على الوصول الى بياناتهم الشخصية.وأضافت: بمجرد أن يحصل التطبيق على تصريح بجمع هذه البيانات، يمكنه أن يتداول بياناتك مع أي شخص يرغب فيه مطور التطبيق، كما يسمح لشركات الطرف الثالث بتعقب مكانك وتحركاتك وماذا تفعل.مكتبات من الشفراتعملية جمع البيانات معقدة: فكثير من المواقع وتطبيقات الهواتف يجري إعدادها عبر جمع برامج مختلفة، تم تطويرها من جانب شركات أخرى، وهو ما يوفر الوقت والمال الذي قد ينفق على إنشاء برامج جديدة تماما. وهذه البرامج والتطبيقات تخزن في مكتبات رقمية. لكن هذه البرامج يمكنها أن تجمع كميات هائلة من البيانات الحساسة، وتقود في النهاية إلى تطوير ملفات رقمية تفصيلية للمستخدمين، حتى من دون موافقتهم. كيف؟ حسنا نفس الشركات المسؤولة عن هذه المكتبات الرقمية ربما تخدم العديد من العملاء. وهذا قد يعني أنه إذا كان مُصنّع تطبيق ما، يرغب مثلا في الحصول على موافقتنا ليطلع على مكان وجودنا ومُصنّع تطبيق آخر – يرغب في استخدام جهات الاتصال الخاصة بنا – يعتمدان على نفس المكتبة الرقمية، فإن مزيدا من البيانات، أكثر من تلك التي تقدم بها المستخدم طوعا في المرحلة الأولى، ربما تكون متاحة للمكتبة على وجه العموم.نصوص طويلةالتطبيقات التي تعلن عن سياستها بشأن خصوصية المستخدمين عادة ما تفعل ذلك بطريقة مبهمة وعبر نصوص تتضمن آلاف الكلمات. لكن من سيقرأ كل ذلك؟ أظهرت دراسة أميركية كندية أن أغلب الناس ليس لديهم دراية بمضمون ما يوقعون عليه.وفي عام 2011، كشف استطلاع بريطاني أن 7 في المئة فقط من المستخدمين يقرأون شروط وبنود الإنترنت عندما يوقعون على استخدام منتج أو خدمة ما.«هدف» متحركالهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر اللوحية يمكنها أن تتعقب تحركاتنا باستمرار، وربما أن تشاركها مع أطراف أخرى أيضا.ويمكن للمستخدمين تحديد ما يريدون تفعيله من التطبيقات التي تستخدم بيانات نظام تحديد المواقع العالمي «جي بي إس»، مثل تطبيقات الخرائط. ويمكنهم أيضا تعطيل الخيارات التي تراقب الأماكن التي نتردد عليها كثيرا، بالإضافة إلى تعطيل خدمات المواقع بالأساس.وغالبا ما ينصح خبراء أمن الإنترنت بتعطيل هذه الخدمات. غير أن عددا من الدراسات أظهر أن هاتفك المحمول سيستمر في إرسال بيانات عن موقعك.الخروج من الشبكةالدافع الأساسي وراء كل ذلك التعقب قد لا يتجاوز توصيل الإعلانات إلينا، لكن بالنسبة للأشخاص، الذين ينزعجون من ذلك، هناك طرق للتقليل منه.الوسيلة الفورية هي تفعيل خاصية «لا تتعقب»، وإخبار المواقع أنك لا ترغب في أن يتتبعك أحد. لكن نظام الاستجابة لطلبك أمر طوعي من جانب الشركات. كما يمكنك أيضا تفعيل خدمات كشف المتعقبين داخل متصفح الإنترنت الذي تستخدمه.وفي حال التطبيقات، فإن الأمور تكون معقدة نسبيا، حيث ان حجب بيانات حساسة ومنعها من مغادرة هاتفك يمكن أن يؤثر سلبا في أداء التطبيق، وعلى تجربة المستخدم له. كما أنه يمكن أن يضر بمدى توافر تطبيقات مجانية، عبر إغلاق الإعلانات، وهي مصدر رئيسي للدخل بالنسبة لمطوري التطبيقات.ويوصي نشطاء في مجال الخصوصية، مثل منظمة «تاكتيكال تيك كوليكتف»، بسلسلة من الخطوات، تنصح المستخدمين بمعرفة ما يوقعون عليه. كما تعرض هذه المنظمة ملخصا لسياسات الخصوصية لمعظم أدوات ومواقع التواصل الاجتماعي الأكثر استخداما. لكن لا يوجد حل سهل لمشكلة معقدة.ففي مقال نُشر في موقع «لايفهاك»، كتب الصحافي الأميركي أسلي أومر 12 وصية لمن يرغبون في ألا يتم تعقبهم عبر الإنترنت.وآخر تلك الوصايا كانت واضحة تماما ومميزة: بالنسبة لهؤلاء المصابين بجنون الشك: تخل عن كل التقنيات، استخدم فقط الورقة والقلم، الآلة الكاتبة، والمحادثة مع الأشخاص وجها لوجه، ومشاركة الصور بالطرق القديمة. (أرقام)