كتاب أكاديميا

أ. د. عبداللطيف بن نخي يكتب: سلحفاة الدكتورة منيرة

 

 

 

 

 

 

«أنتِ تخافين من الإنسان اللي يلبس الأقنعة، الإنسان اللي يقولك شي، وفي النهاية يعمل شي ثاني. لكن ما تخافين من الإنسان اللي يقول لك الحق. وما تخافين من الانسان اللي صادق مع نفسه وغير مزيّف. فهذه كانت فكرة الرواية، وأناً شخصيا عندما أشعر أن منيرة جمجوم مضطرة تكون مزيفة في موقف معين، إما اصمد أو أرحل من هذا الموقف، لكن دائما يجب أن أظل صادقة».
بهذه الكلمات أنهت الدكتورة منيرة جمجوم لقاءها مع الاعلامية جيزال خوري في برنامج «المشهد» بإذاعة «بي بي سي العربية».
وبالطبع كانت كافية لتحفيز فضولي لمعرفة ما طرحته في ما فاتني من اللقاء. لذلك حرصت في الايام التالية على البحث عن تسجيل الحلقة على الانترنت. وعندما حصلت عليه، تبين أنها تستحق عناء البحث.
موضوعية الدكتورة ظهرت في تصريحات عدة لها في تلك المقابلة المتلفزة، وكان من بينها حديثها في شأن نتائج بحث شاركت فيه عن الصور النمطية للمسلمين في المناهج التعليمية الأميركية. حيث قالت: «لاحظت أنه ما في إساءة للمسلمين في المنهج الأميركي». وأضافت أن المناهج الأميركية لا تحوي المعلومات الكافية عن المسلمين، حيث كانت مقتصرة على التعريف بالحضارة الاسلامية من دون التطرق إلى الشعوب الاسلامية المعاصرة. وختمت هذه الجزئية قائلة: «فكانت احد اقتراحاتنا أنه ضيفوا في المناهج الأميركية عن المجتمعات الإسلامية كيف تعيش، وهذا الشي اعتقد أنه مهم في أي مناهج، نفس الشيء في المناهج السعودية الآن».
ولا بد من الاشارة إلى أنها أكدت مراراً في اللقاء أن التغيير في المناهج السعودية ما زال مستمرا وبشكل سريع، بدوافع داخلية 100 في المئة، وإن كانت بدايته استجابة لصدمة خارجية مرتبطة بأحداث سنة 2001، فالهوية السعودية اليوم لم تعد مشابهة لما كانت عليه في تلك الفترة.
ومهنية الدكتورة تجلت مرات عدة في اللقاء، وكانت من بينها عندما أصرت على أن مفهوم المناهج تغير تماما، فلم يعد مقتصرا على الكتب الدراسية والمقررات، لأنه مرتبط بالمحتوى والأهداف، وأن المحتوى يشمل المصادر التي يستسقي منها المعلم.
وريادتها اتضحت عندما تطرقت إلى كيفية تعاطيها مع الفجوة المزمنة بين العمل الاستراتيجي في ديوان الوزارة وبين النشاط التعليمي التربوي في المدارس، حيث أسست شركة «إمكان» التعليمية، التي تعمل على مستوى الطالب والمدرسة، وتقدم استشارات للقطاعين الحكومي والخاص، فامتلكت معرفة عميقة عن قطاع التعليم، مكنتها من تقديم العديد من الاستشارات «الواقعية» القابلة للتطبيق.
بعد عرض بعض جوانب تميزها ومهنيتها، أرى أن من المناسب أن أشير إلى تصريحها المستهدف في هذا المقال، وهو مطالبتها القائمين على تطوير التعليم باتباع «سياسة السلحفاة»! فهي تشتكي من أن إدارة قطاع التعليم متحمسة وتنشد تغيير سريع مشابه لقفزة الضفدع، ولكنها ترى أن تلك القفزة مقبولة في بعض القطاعات كالتقنيات، ولكنها غير ممكنة في تغيير ثقافة 10 ملايين نسمة مرتبطين بقطاع التعليم، لأنها ستؤدي إلى تشوهات.
وأشارت إلى أن مقصودها بسياسة السلحفاة، لا تقتصر على بطء سرعتها، بل هي السياسة المبنية على ظهر قوي، فنحن بحاجة إلى أساسات قوية في التعليم، كالمعلم المؤهل المرخص لتدريس الطلاب، وهذه الأساسات لا يمكن توفيرها سريعا. وأضافت أن المطلوب هو السلحفاة التي فازت بمثابرتها واستمرارها، في قصة تسابقها مع الأرنب السريع، فإصلاح التعليم يحتاج للمثابرة والاستمرار. كما أن السلحفاة تجري عندما تتعرض للخطر، ونحن في التعليم علينا أن نجري في تعاطينا مع بعض الملفات كالمخاطر الفكرية.
المراد أن تطوير المجتمعات يحتاج إلى مثابرة واستمرارية وتروي ضمن برنامج واقعي متكامل، يبدأ بتأهيل النخب للمشاركة فيه، ويؤمن التناغم في ما بينها، وإلا فإن مساعي التطوير المستعجل ستنتهي بنتائج مشوهة، كتشريع قانون إعدام صاحب «الرأي» المسيء من قبل غالبية تطالب بحرية الرأي.
التعاطي مع القوانين المقيّدة للحريات، وبالأخص تلك التي أقرّت في مجلس 2013، أولوية وطنية. ولكن يفترض أن نراعي أنها مرتبطة بثقافة أفراد مجتمع، وأعضاء منظومة عدالة، ونواب برلمان، ووزراء حكومة. لذلك نحن بحاجة إلى سلحفاة الدكتورة منيرة في هذا الملف وليس الأرنب السريع… «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock