كتاب أكاديميا

العقل والنقل ..توافق لا تناقض | بقلم: الشيخة حصة الحمود السالم الصباح

 
 

يعيش العقل العربى أزمة مزمنة من مئات السنين ، وذلك بفعل تراكم الأحداث التاريخية فى منطقتنا والتى خلفت ورائها إتجاهات فكرية ومذاهب دينية ومدارس كلامية لم نحسن إستخدامهم بالطريقة المناسبة من إستغلال لهذا الثراء الفكرى والزخم المعرفى المتنوع والفريد وذلك كله بسبب الصراع السياسى الذى حول هذه الثروة المعرفية الثقافية إلى إقتتال طائفى ومذهبى ظاهره الصراع الدينى وباطنه وحقيقته الصراع السياسى على السلطة .

هذا الصراع الذى حول هذا الكنز الثقافى الحضارى المتنوع للإتجاه المعاكس تماماً وأصبح إرث من الثارات والأحقاد وغلبة الثقافة السلطوية التى تنتهج أسلوب محاكم التفتيش والتى نتج عنها قتل خلق كثير من الناس لمجرد خلاف فقهى بسيط أو تفسير آية قرآنية أو حتى فكرة فلسفية !!

وللأسف الشديد ساعد على تأجيج هذا الصراع الدينى كما ذكرنا بعض الحكام كما فعل الخليفة العباسى المأمون عندما إعتنق أفكار المعتزلة فى قضايا كثيرة أبرزها قضية (خلْق القرآن ) وأمر بإضطهاد كل من لا يؤمن بهذا الرأى وسبب هذا القرار هو تصدى مدرسة أهل الحديث وعلى رأسها الإمام أحمد بن حنبل لهذا الرأى المستحدث وهى المدرسة التى تقدم النقل على العقل واستمر هذا الصراع بين المعتزلة برعاية المأمون وأهل الحديث حتى جاء الخليفة المتوكل العباسى وانتصر لأهل الحديث واضطهد المعتزلة وهكذا استمرت الأمور فى قضايا أخرى كثيرة تسببت فى إضطهاد وقتل الكثير من العلماء والفلاسفة على أيدى الحكام والعوام على حد سواء مما خلق هذا المناخ العدائى بين المسلمين حتى اليوم ولم نستفد للأسف من هذا التنوع الفكرى والذى لو إستمر بشكل سلمى وحضارى لكان للمسلمين شأن آخر كما حدث فى الأندلس من تقدم حضارى وفكرى وذلك لبعدها جغرافيا عن بؤرة الصراع الملتهب دائما فى الشرق الأوسط وإستقلاليتها إلى حد ما إجتماعياً وفكرياً …

لذلك يمكن تلخيص أزمة العقل العربى فى كونه مكبَّل بسلطة العقل الجمعى الذى يرفض التغريد خارج السرب وأنه وإلى اليوم لا يزال سجين الموروث رغم تغير وتبدل كل شئ من حولنا ، فالعالم ينطلق فى فضاءات الإبداع العلمى والثقافى ونحن لا نزال نحاول الفكاك من أسر هذه القيود والأغلال والتى حتماً ستتغير رغماً عنا فى المستقبل ربما القريب لأن سنن الله تجرى ونحن جزء من هذا العالم المتغير وعلينا أن نفك أغلال العقل بأنفسنا قبل أن نواجه كارثة وصدمة تفقدنا الثقة بأنفسنا .

يجب علينا أن نعمل لصالح أبنائنا فى المستقبل ونترك لهم إرث معرفى حقيقى يحفظ للدين ومقاصده العظمى هيبته ويتناغم ويتصالح مع التقدم العلمى والحضارى وأنه لا تضاد بين العلم والإيمان ، لأنه من مقاصد الدين العظمى معرفة أسرار الله فى خلقه ، وأسرار الله فى النفس سمو روحانى ، وأسراره فى المادة تقدم علمى .. فلا تضاد بينهما إذا فقهنا ذلك وحررنا العقل من قيوده .. فلا خوف على الدين والعلم والموروث التاريخى من تحرير العقل الذى هو مفتاح الأمن والسلام والطمأنينة لكل مجتمع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock