د. محمد الشريكة يكتب: أزمة مناهجنا
عانت دول كثيرة، ونحن عانينا وما زالنا نعاني من كثرة الملاحظات الموجهة للمناهج الدراسية، وعظم التطلعات المجتمعية، وضعف المدخلات التخصصية، وتواضع المخرجات التعليمية. ولقد أجمع كثير من الباحثين والمتخصصين في ميادين التربية والتعليم على أهمية وجود مناهج متطورة ومواكبة للتحولات العالمية على الجانب الاجتماعي والتقني والاقتصادي. وهناك دول عديدة أولت التعليم ومناهجه أهمية قصوى، لتكون مواكبة لما يجري في البلدان المتقدمة، فحققت نجاحات كبرى. وهناك أمثلة عديدة شهدتها دول عديدة غيرت مناهجها وطورتها حسب احتياجاتها وخططها التنموية، فحققت ما تصبو إليه من نجاحات… على سبيل سنغافورة.
وتعد المناهج التعليمية الإطار العام للتعليم الذي يتم بموجبه تأهيل المتعلمين بالقيم والأنماط السلوكية والمهارات والمعارف اللازمة لحياة الإنسان، فهو مواطن يمتلك شخصية فعالة في مجتمعه، شخصية تتحمل مسؤولية الإسهام في بناء وطننا الحبيب في عصر العولمة الزاخر بالتطورات العلمية والتكنولوجية. فالمناهج هي نقطة الانطلاق في إعداد الأجيال القادمة وتأهيلها، لتكون قادرة على العمل المنتج البناء من أجل إحداث النقلة النوعية المطلوبة للمجتمع، وتحقيق الرفاه الاقتصادي. وللمناهج دور مهم في نبذ التعصب العنصري والطائفي، بالإضافة إلى ما تسهم به في تحقيق الأمن الاجتماعي.
هذا، وأكدت الكويت ممثلة في وزارة التربية على أهمية بناء الإنسان من خلال اعتمادها للهدف الشامل للتربية، والذي تم تضمينه كمادة في المرسوم الأميري رقم (4) لسنة 1987م بشأن التعليم العام، ولقد نص الهدف الشامل للتربية في الكويت على العمل لـ «تهيئة الفرص المناسبة لمساعدة الأفراد على النمو الشامل المتكامل روحيا وخلقيا وفكريا واجتماعيا وجسميا إلى أقصى ما تسمح به استعداداتهم وإمكاناتهم، في ضوء طبيعة المجتمع الكويتي، وفلسفته وآماله، وفي ضوء مبادئ الإسلام، والتراث العربي، والثقافة المعاصرة، بما يكفل التوازن بين تحقيق الأفراد لذواتهم، وإعدادهم للمشاركة البناءة في تقدم المجتمع الكويتي بخاصة، والمجتمع العربي والعالمي بعامة». وهو ما يعكس رغبة متجذرة لتحقيق افضل التطلعات، ولكن لم يوفق الجميع في تحقيق الاهداف المرجوة حتى الان!
إن عمليات تطوير المناهج في أي نظام تعليمي تستهدف تحقيق أحد أو كل الأهداف التالية:
٭ التخلص من أوجه القصور الموجودة في المناهج السابقة، والتي نتج عنها تراكم عدة مشكلات.
٭ الاستفادة من نتائج الأبحاث، والدراسات العلمية، والأكاديمية السابقة التي دعت لتطوير المنهج.
٭ مواكبة التقدم التكنولوجي، والاستجابة إلى التغيرات.
٭ الاقتداء بالنهج المتطور الذي اتبعته الدول المتقدمة لتطوير العملية التعلمية لديها.
ومن هذه الأهداف نتعرف على أهمية تطوير المناهج بصورة مستمرة وديناميكية. فقد أكدت الدراسات والتقارير أهمية دور وزارة التربية في تحقيق التنمية البشرية الشاملة في الكويت، من خلال دورها المرجو في تطوير المناهج والمعلمين وتحقيق الاهداف الموضوعة للنظام التعليمي. هذا إلى جانب إظهار وزارة التربية لأهميتها الحيوية من خلال تطويرها للخطة الإستراتيجية للتعليم (2025م)، والإطار المرجعي والتنفيذي لبرنامج وزارة التربية نحو تطوير المنظومة التعليمية في الكويت، بما يمثل طموحا حقيقيا للتقدم في تطوير النظام التعليمي. ولكن! ما سبب كثرة الملاحظات على المناهج الدراسية، وعدم اتساقها مع التطلعات المجتمعية؟ ولماذا هذا الضعف في المدخلات التخصصية؟
للأسف يمكن أن نختصر الاجابة عن هذه الاسئلة في رد واحد وهو غياب الرؤية للتطوير ممزوج بغياب الإرادة الحكومية في الإصلاح. فقد أجريت عدة مقابلات مع عدد من الزملاء في احدى الجهات المعنية بتطوير المناهج في الكويت، واكتشفت أن الأسباب التي يرونها (من وجهة نظرهم) متسببة في هذا الأداء المتواضع متشابهة إلى حد كبير، وجلها يتمحور حول غياب المتخصصين (خبراء المناهج والبحوث)، وكذلك غياب الإستراتيجية التنفيذية المحكمة. وبذلك يمكن لنا ان نمحور أي عملية إصلاح حقيقية للارتقاء بالمناهج حول أربعة محاور للإصلاح وهي:
٭ تطوير خطة إستراتيجية متوسطة المدى لأعمال الجهات المتخصصة بتطوير المناهج.
٭ تحديث قدرات العاملين في تلك الجهات من خلال استقطاب الكفاءات وتطوير برامج بناء القدرات للعاملين فيها.
٭ مكننة الأعمال وتوظيف التكنولوجيا.
٭ تعزيز التواصل والشراكة المجتمعية.
إن العمل على رفع مستوى الأداء المؤسسي بالجهات المعنية بتطوير المناهج يتطلب تكاملا مع الأجهزة المعنية في الدولة، لتحقيق استفادة مثلى من الموارد المتاحة، وتوظيف التكنولوجيا في مناحي العمل المختلفة، بما يعزز التنسيق والتعاون والتكامل وصولا الى تحقيق ارتقاء مؤسسي حقيقي. ومن دون هذه الأسس الإجرائية، ومن غير الرغبة والعزيمة للتطوير، ومن دون الدعم الحقيقي للتطوير من قبل الحكومة. وما لم تتوافر تلك الحاجات الاساسية للتطوير – اقولها عن ثقة مطلقة – للأسف لن يحدث أي تطوير حقيقي يسعفنا في الارتقاء بمنظومتنا التعليمية… وإلى الله المشتكى.
dralsharija@