مسؤولون تربويون وأكاديميون: التدريس تحوّل من «رسالة».. إلى «ارتزاق»!
اتفق متخصّصون وأكاديميون على أن الإصلاح التعليمي في البلاد رهن بأن يبنى على استراتيجيات واضحة تنفّذ بخطوات ثابتة، لافتين الى انه إذا لم يتحول تطوير المنظومة التربوية الى «همّ مجتمعي وإرادة دولة»، فإن النتيجة الحتمية هي العودة الى الوراء.
وشدّدوا على ضرورة تنفيذ رؤية سمو الأمير، لتمكين الكفاءات الشبابة وتحقيق آمالها الرامية الى النهوض بالبلاد.
وأشاروا الى أن استمرار تدخل السياسيين في العملية التربوية سيعطل مسيرة التعليم، معربين عن الأسف من عدم تغيير السياسة التعليمية في البلاد منذ الخمسينات، وأن الاعتماد على البنك الدولي لا يحقق الأهداف المرجوة، لا سيما أن الوثيقة المقدمة من قبل مستشاريه ممتلئة بالمثالب وتحتوي على مفردات ليست كويتية ولا خليجية، مؤكدين أنه فشل في جميع البلدان، ويعد جناحاً من أجنحة الاستعمار وهدفه إضعاف الأمم.
وذكروا أن «كادر المعلم» لم يستقطب الكفاءات العلمية النادرة كما كان متوقعا، وأن قبول خريجي «التربية الاساسية» و«التربية» كمعلمين بلا معايير؛ هو قرار مدمّر، و«لدينا طلبة بنسب ودرجات عالية جدّاً، لكن بمهارات وأفكار ومعارف ضعيفة جدّاً».
وحذّروا من استمرار الكثافة الطلابية داخل الفصول المدرسية، لأنها تتسبب في فشل إنجاز مشاريع تربوية كثيرة خلال السنوات المقبلة، مستغربين ضعف التدريب داخل وزارة التربية.
انحدار كبير
من جانبه، قال وزير التربية وزير التعليم العالي الأسبق أحمد المليفي: إن التعليم في البلاد منحدر للغاية، ولا تحرّكات جادة لمعرفة الخلل وإصلاحه، متسائلا: كيف يقوم معلم بتدريب زميله على منهج الكفايات مثلا؟!
وأعرب المليفي عن اعتقاده بأن تغيير التعليم الى نظام المقررات في المرحلة الابتدائية، كان قرارا خاطئاً، لأن هذه المرحلة تحتاج الى النظام السنوي المعتاد، كما أن تطبيق النظام الاميركي في التعليم، وهو من «الكل الى الجزء»، بدلاً من الجزء الى الكل أضر بالعملية التعليمية.
وأضاف: رفضت مشروع التابلت الذي عُرض علي أكثر من مرة، بتكلفة تبلغ 18 مليون دينار، وليس 26 مليوناً لعدة أسباب؛ أولها انه استئجار، وتكلفته عالية جدّاً ويمكننا تنفيذ التعليم الالكتروني من دون تكلفة باهظة، ومن الخطأ تطبيقه في الثانوية، والأفضل ان تكون البداية من الابتدائية، مستغرباً الاصرار على تنفيذه، واعتقد ان هناك مستفيدين، بدليل ان مشروع «الفلاش»، رغم تكلفته البسيطة تعرّض الى حملة كبيرة، أما «التابلت» فلم ينشر عن مخالفاته سوى جريدة القبس.
«الفلاش ميموري»
وبيّن المليفي أن «مشروع الفلاش ميموري كان الهدف منه تخفيف الحقيبة المدرسية، وتمت محاربته، وقدمت استقالتي قبل تكملة المشروع، والوزير نايف الحجرف رفض الدخول في المعركة»، مؤكداً أن هناك مستفيدين من داخل الوزارة لإخفاق المشاريع الإلكترونية.
وطالب بفصل القطاع الإداري عن القطاع التربوي، وان يتكوّن الأول من جهاز إداري متكامل يخدم المدرسة إداريا، ويكون منفصلا عن القطاع التربوي، ويستمر عمله أيضا خلال العطلة الصيفية، حتى لا تغلق المدارس وتستغل في الأنشطة الصيفية.
وحول الاختبار الوطني الذي يسعى مركز جودة التعليم الى تطبيقه، أكد المليفي أهميته، قائلاً «مطبّق في بلدان كثيرة، ومن خلاله نستطيع قياس جوانب تعليمية عدة كمستوى الطالب وكفاءة المعلم وغيرها، وتطبيقه يمكننا من تحديد مواطن الضعف في كل مدرسة او منطقة تعليمية، وفي أي مادة دراسية، وبالتالي القيام بما يلزم لتصحيح الخلل».
إعادة هيكلة «التربية»
شدّد أحمد المليفي على أن وزارة التربية «تفتقر الى قاعدة بيانات للمعلمين والمعلمات، تحتوي على دوراتهم ومؤهلاتهم وإمكانياتهم، ليتسنى تشكيل اللجان عن طريق اختيارات الكفاءات لا المزاجية والمحاباة»، مبيناً أن الوزارة «في حاجة ماسة الى اعادة هيكلة كاملة»!
تغيير اللوائح لمصالح شخصية
كشف أحمد المليفي أن كثرة تغيّر اللوائح في جامعة الكويت ينتج عنها كثير من السلبيات، لا سيما ان هذا التغيّر لا يصب في مصلحة العمل، بل يتم لأسباب سياسية أو حزبية وفق مصالح الانتخابات الطلابية، أو لمصالح شخصية، تهدف الى استمرار شخصٍ ما في مقعده لـ 10 سنوات.
زيادة الكادر
من جهته، أكد استاذ المناهج وطرق التدريس في كلية التربية بجامعة الكويت د. فايز الظفيري ان منتسبي الكلية تغيّروا بعد اقرار كادر المعلم، وتحوّلت مهمة التدريس من كونها رسالة الى «ارتزاق»؛ لأن نوعية الطلبة المتقدمين أصبحوا كبارا في العمر، حتى ان سكرتارية يعملون منذ سنوات في وزارة التربية التحقوا بالكلية لاستكمال دراستهم، فقط من أجل الكادر.
وأردف الظفيري موضحاً: «لأول مرة منذ سنوات، نجد طالبات حوامل ورُضّع ولديهن أولاد، ولا تستطيع الواحدة منهن الحضور باكرا، بسبب ظروفها»، مؤكداً ان «الهدف اصبح مادياً اكثر من كونه تعلّقا وحبا لمهنة التعليم».
وأضاف الظفيري ان كثيراً من الطلبة يبحثون عن تخصّصات تمكنهم من التوظيف برواتب كبيرة، ولا أدلّ على ذلك من توجه أعداد كبيرة منهم إلى تخصص التربية بعد إقرار كادر المعلمين قبل سنوات، وهؤلاء يبحثون عن المادة من دون معرفتهم بطبيعة المهنة، بينما مطلوب من المعلم أن تكون له شخصية ومواصفات محددة ليؤدي رسالته التعليمية، ويقوم بدوره في تعليم الطلبة.
وشدّد على أهمية اقرار ما يسمى الاختبار الوطني، الذي يمكننا من تقييم جوانب عدة، ويكشف لنا مستويات الطلبة والمعلمين في المدارس والجامعات، وفي حال تطبيقه سيحقق القطاع التعليمي كثيراً من الفوائد ويتفادى المشاكل والسلبيات.
واعتبر الظفيري أن التصنيفات العالمية التي تضع البلاد في مراتب متأخّرة غير حقيقية، قائلا: لا نعتمد عليها بشكل فعلي في تقييم مستوى جامعة الكويت، على الرغم من وجود مشاكل وسلبيات أدت الى هبوط المستوى عن السابق، لا سيما بعد تدخّل الأمور السياسية وإقرار كثير من القوانين غير المناسبة؛ كقانون فصل الذكور عن الاناث.
الأبحاث العلمية.. بلا فائدة
بيّن د.فايز الظفيري ان الجامعة لم تستفد من الأبحاث العلمية التي صرف عليها ملايين الدنانير، لان هدفها هو حصول عضو هيئة التدريس على الترقية فقط وليس تقديم حلول لمشكلات اجتماعية وغيرها.
طريق مجهول
بدوره، قال مدير الشؤون التعليمية بالانابة في منطقة حولي حميد الفضلي: إن التعليم يجب ان يكون في أي وقت وأي مكان، مشددا على ضرورة ان تنمي وزارة التربية المهارات، وإذا لم يتغيّر الفكر الاداري الى تثبيت قاعدة أساسية بأن ما لا يقاس لا يدار، فلن يكون هناك تقدّم او تغيير.
وأضاف الفضلي: إذا لم تكن هناك خطة واضحة قابلة للقياس بحيادية وشفافية فلن ننجح أبدا، والاستمرار في الفكر الحالي سيقودنا الى المجهول في قضية التعليم، فنحن للأسف لدينا طلبة بنسب ودرجات عالية جدّاً، لكن بمهارات وأفكار ومعارف ضعيفة جدّاً، لا تلبّي ادنى حد من المطلوب، وإذا اردنا النجاح يجب ان ننمي ونستثمر في اقتصادات المعرفة.
ولفت الى ضرورة ان يتمتع المركز الوطني لتطوير التعليم بالاستقلالية وأن يتبع مجلس الوزراء لا وزارة التربية، ليتمكن من منح المقترحات وتقييم المشاريع التطويرية من دون محاباة، كما يجب فصل وزارة التربية عن التعليم العالي.
رخصة المعلم.. حتمية
شدّد حميد الفضلي على ان اقرار رخصة المعلم «أمر حتمي» لفحص المتقدمين واختيار العناصر الكفاءة القادرة على أداء رسالتها على اكمل وجه، والابتعاد عن القبول العشوائي من دون معايير، مثلما يحدث مع خريجي كليتي التربية الاساسية والتربية، إضافة الى تشديد المقابلات في التعاقدات المحلية والخارجية.
هدر مالي
أكد تربويون ان وزارة التربية لم تستفد من الدورات الخارجية التي تكلف مبالغ كبيرة، وان الاهتمام بمدى النفع العائد منها غير موجود، لافتين الى انها تمثل هدرا ماليا
المصدر:
القبس