أ. د. عبداللطيف بن نخي يكتب: إلى التعليمية البرلمانية المرتقبة
في الأسبوع الماضي شاركت في جلسة عصف ذهني حول مستقبل التعليم العالي في الكويت، مع مجموعة من الأكاديميين من الجامعة والتطبيقي، بالإضافة إلى مستشار مهتم بالموضوع. وكان من بين قضايا الحوار، تعريف التعليم التطبيقي. فتساءلنا ما المقصود بالتعليم التطبيقي؟ هل هو التعليم التكنولوجي المقابل لتعليم علوم الهندسة؟ وهل هناك نماذج للتعليم التطبيقي في المجالات غير الهندسية من قبيل التربية والصحة والعلوم الإنسانية؟
ونظرا لأهمية هذه التساؤلات، خصوصاً في مرحلة صياغة قانون الجامعات الحكومية، خصصت مقال هذا الأسبوع لعرض وجهة نظري في شأنها، لعلها تصل إلى النواب الراغبين في عضوية لجنة شؤون التعليم والثقافة والإرشاد البرلمانية في دور الانعقاد المقبل.
في الولايات المتحدة، فئتا التعليم العالي الهندسي منفصلتان، حيث ان هناك كليات هندسة تدرّس علوم الهندسة وأخرى تقدّم تكنولوجيا الهندسة. بل ان هناك كليات توفر فئتي التعليم الهندسي، كتلك في جامعة دايتون، ولكنها تشترط على حملة بكالوريوس تكنولوجيا الهندسة اجتياز متطلبات مسبقة – قد تستغرق دراستها سنتين – قبل قبولهم في برامج ماجستير في علوم الهندسة. أي أن الفروقات بين فئتي التعليم الهندسي جليّة في الكليات التي توافر برامج الفئتين.
الفروقات بين فئتي التعليم العالي الهندسي واضحة على المستوى العالمي أيضا، فالمعاهد التكنولوجية ومعاهد البوليتكنيك (Institutes of Technology and Polytechnics) موجودة منذ القرن الثامن عشر، بشكل موازٍ لبرامج علوم الهندسة في الجامعات. بل ان هذه المعاهد زادت في الانتشار بعد الحرب الثانية استجابة للنهضة الصناعية، نظرا لقدرتها على إعداد كوادر جاهزة للعمل في وظائف محددة مسبقا.
وأما بالنسبة لبرامج التعليم التطبيقي في المجالات غير الهندسية، نجد أن الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني، حاصل على شهادة الدكتوراه في القانون من غلاسكو بوليتيكنك، التي تحولت لاحقا إلى جامعة غلاسكو كاليدونيون، ضمن ما يقارب 35 معهد تكنولوجي وبوليتكنيك بريطانياً تم تحويلهم إلى جامعات للعلوم التطبيقية، بعد صدور قانون التعليم المستمر والتعليم العالي في 1992، الذي أزال الفوارق التنظيمية والتمويلية بين الجامعات الأكاديمية والمعاهد التطبيقية.
الجدير بالذكر، أن العديد من الجامعات التطبيقية التي تأسست من تحويل معاهد البوليتكنيك، استحدثت أو استمرت في تقديم برامج تطبيقية في مجالات غير الهندسة والقانون، من بينها الإدارة والتجارة والصحافة. فالهدف الرئيس من تلك المعاهد كان توفير كوادر مهنية جاهزة لشغل الوظائف المتاحة في اسواق العمل المحيطة بالمعاهد.
وكذلك الحال بالنسبة للتخصصات التطبيقية في كندا، فنجد أن معهد بريتش كولومبيا للتكنولوجيا يمنح شهادات بكالوريوس في برامج تكنولوجية هندسية، وأخرى تطبيقية غير هندسية مثل المحاسبة وإدارة الأعمال والتمريض والعلاج الاشعاعي وتكنولوجيا الأغذية وإدارة العمليات. والمثال الثاني كلية كونستوغا التي تمنح شهادات بكالوريوس في المجتمع والعدالة الجنائية، وتطوير برنامج التعليم المبكر، والعلاقات العامة، والصحة العامة البيئية. في الطرف الآخر، وتحديدا في أستراليا ونيوزيلندا، نجد أن العديد من الجامعات تتبنى منهجية التعلم المتكامل مع العمل (Work Integrated Learning) في برامجها الأكاديمية من أجل تعزيز آفاق توظيف الخريجين. وتشتمل هذه المنهجية – التي تسمى اختصارا WIL أو «ويل» – على عدد من نماذج التعلم القائمة على ممارسة الكفايات الوظيفية من خلال مجموعة من الأنشطة التعليمية، مثل التدريب الداخلي والعمل الميداني والتدريب بالمحاكاة أو في بيئة افتراضية والعمل التطوعي وإنجاز مشروع مرتبط بالتخصص.
وبسبب نجاح منهجية «ويل» في التخصصات القائمة على الممارسة، مثل التعليم والطب والتمريض والهندسة، توسعت تلك الجامعات في تطبيق المنهجية في مجالات أخرى مثل الفنون والعلوم الإنسانية. واستجابة لهذا التوجه الأكاديمي، وبناء على نتائج التدقيق على أداء الجامعات التي تبنّت «ويل»، أعدت الجامعات الأسترالية «الاستراتيجية الوطنية للتعلم المتكامل مع العمل في التعليم الجامعي» في 2015، بالتعاون مع غرفة التجارة والصناعة الأسترالية، ومجموعة الصناعة الأسترالية، ومجلس الأعمال في أستراليا، وشبكة التعليم التعاوني.
لم أطلع على مفهوم عالمي موحد للتعليم التطبيقي، ولكن يمكنني أن أعرّفه بأنه المتعلق بالبرامج الأكاديمية المصممة لتحقيق مستويات أعلى من الأهداف التعليمية في النطاق الحركي النفسي (Psychomotor) – مقارنة بالتعليم الأكاديمي – على حساب مستويات الأهداف التعليمية في النطاق الادراكي (Cognitive). ويمكنني القول إن فلسفة التعليم التطبيقي مبنية على تأهيل الطالب لتنفيذ المهام التقليدية لوظائف محددة مسبقا. في حين أن فلسفة التعليم الأكاديمي موجهة نحو إعداد الطالب لمجموعة أوسع من الفرص الوظيفية، على أن يلتحق بدورة تدريبية أو أكثر قبل تكليفه بمهامه الوظيفية.
حلمي أن تكون هناك جامعات تطبيقية حكومية، تمتلك نماذج من مؤسسات سوق العمل، مثل ورش فنية ومكاتب استشارية. تخدم هذه النماذج المجتمع بأسعار مخفضة، وتستغل في تدريب الطلبة على أداء مهام وظائفهم المنظورة. حلمي أن تكون لهذه الجامعات ميزانية مستقلة وأن يكون التمويل الحكومي لها مرتبط بأعداد طلبتها، ونشاطها البحثي التطبيقي لمصلحة سوق العمل، ونتائج تدقيق أكاديمي من وزارة التعليم العالي بواسطة أكاديميين وممثلين عن سوق العمل. فهل ستحقق اللجنة التعليمية حلمي؟… «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».