أخبار منوعة

ثمانيني فلسطيني يستعد لدخول الجامعة

رغم تقدمه في السن، كان وجه الحاج عبد القادر أبو عجمية مألوفا بين طلبة الصفوف الثانوية في السنوات الثلاث الأخيرة بمدرسة الحسين في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، حيث قرر العودة إلى التعليم بعد نحو 70 عاما من الانقطاع.

والتحق أبو عجمية (82 عاما) بالمدرسة طالبا منتظما إلى جانب تلاميذ من أعمار أحفاده، في طريق ملاحقته حلم إكمال تعليمه الذي لازمه لعقود، حتى استطاع اجتياز امتحان الثانوية العامة بنجاح والاستعداد لدخول الجامعة.

وتقدم أبو عجمية بطلب التحاق لدائرة التاريخ في كلية الآداب بجامعة الخليل، بعد أن كرّمته وزارة التربية والتعليم الفلسطينية وقدمت له منحة لإكمال تعليمه الجامعي الذي لم يعد حلما، خاصة بعد أن أنهى أبناؤه وعدد من أحفاده تعليمهم العالي في الطب والهندسة وغيرها.

وقال وزير التربية والتعليم الفلسطيني صبري صيدم أثناء التكريم إن أبا عجمية “تشبث بالأمل وحب العلم وأصر على النجاح، وجسّد نموذجا مبهرا وفريدا من نماذج حب الحياة”.

بداية مبكرة

وإن يكن الثمانيني أبو عجمية قد عاد إلى مقاعد الدراسة منذ أربعة أعوام، فإنه فعليا بدأ هذا المشوار في طفولته بقرية “مغلّس” جنوب الخليل، التي هجّر منها مع عائلته في نكبة 1948 ولجأ إلى مخيم الفوار شمال المدينة، وكان في عمر الثانية عشرة.

قال أبو عجمية إنه بدأ تعلم القراءة والكتابة عند شيخ قرية مغلّس منتصف الأربعينيات، لكنه ترك التعليم وانشغل في رعي الأغنام لمساعدة عائلته، وبعد تهجير قريته حاول العودة إلى الدراسة لكنه لم يكملها بسبب ظروف اللجوء الصعبة.

وأدرك أبو عجمية في حياته الطويلة أن أحد أسباب تهجير الفلسطينيين واقتلاعهم من أرضهم وعدم تمكنهم من رد احتلالها كان الجهل وقلة التعليم، حسب قوله، لذلك ظل يحلم بإكمال هذا الطريق رغم تقدمه في السن.

ويبدو أبو عجمية وعائلته فخورين بما حقق رغم صعوبة المهمة، وقال إن عشرات المسنين بينهم سيدة في السبعينيات اقتدوا به وعادوا لمقاعد الدراسة في منطقة الخليل.

وكان أبو عجمية قد التحق بالمدرسة في الخليل لإتمام الصف العاشر قبل ثلاث سنوات واجتازه بنجاح، ثم أكمل الصفوف الأخرى حتى الثانوية العامة طالبا منتظما، رغم إخفاقه في اجتيازها العام الماضي، إلا أنه نجح في إعادة الامتحان هذا العام.

وقال أبو عجمية إن زملاءه في الصف اعتادوا وجوده طالبا عاديا بينهم ونشأت بينهم علاقة صداقة في سنوات الدراسة، وكان الجميع يسانده ويساعده في الوظائف الصعبة.

إرادة النجاح

ولم يلجأ أبو عجمية إلى معلمين خصوصيين رغم صعوبة بعض المواد كالرياضيات، وقال إن زوجته وعائلته ساندوه طيلة فترة الدراسة. ولديه 14 ابنا و35 حفيدا وعدد من أبناء الأحفاد أيضا، ومعظمهم من حملة الشهادات العليا.

كانت زوجته مريم السراحنة “أم حسن” “السبب الرئيس في نجاحه” كما قال “سهرت معي، وأعدت لي الشاي والوجبات في وقت متأخر وأمنت لي الهدوء فترة الامتحانات، حتى نجحت”.

وأم حسن أيضا تنتمي لعائلة مهجرة في نكبة 1948، وحثته على الحصول على الثانوية والدراسة الجامعية بعد أن أنهى أبناؤهما دراستهم الجامعية.

أراد أبو عجمية الذي يرتدي الكوفية والعقال على رأسه، دراسة السياسة والاقتصاد، لكنه حصل على قبول في تخصص التاريخ، وهو المجال الذي أحبه بسبب الظروف السياسية التي عايشها منذ تهجير عائلته قبل 70 عاماـ ويعرف عنه مداومته على قراءة الصحف يوميا منذ سنوات طويلة.

تزوج أبو عجمية في عمر السادسة عشرة وانقطع عن حلم الدراسة، وكان يعمل مع والده في تجارة العطور بشارع الشلالة بالبلدة القديمة لمدينة الخليل قبل أن يغلقه الاحتلال بعد مجزرة المسجد الإبراهيمي الشهيرة عام 1994.

وقالت زوجته، التي استقبلت لأسابيع المهنئين بنجاحه “رغم صعوبة الدراسة عليه كرجل مسن، إلا أن إرادة النجاح لديه غلبت كل تعب”. وقالت إن وزنه نقص أكثر من عشرة كيلوغرامات بسبب سهره ومثابرته على النجاح فترة الثانوية العامة.

وتُشجع أم حسن أحفادها وحفيداتها على إكمال تعليمهم العالي بعد جدّهم، لأنها لم تتمكن من الالتحاق بالتعليم رغم قدرتها العالية على حفظ كل ما تسمع من دروس وقصائد.

المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock