كتاب أكاديميا

الهجرة .. مغزى وهدف وليس مجرد حدث | بقلم الشيخة حصة الحمود السالم الصباح

 
 

الهجرة النبوية ذلك المفهوم العظيم والممتد عبر مئات السنين ، ذلك الفعل والقرار الأعظم فى حياة المسلمين والذى لا نزال نستلهم دروسه ومواعظه العظيمة ونتعجب من هذا الإيمان الفريد من نوعه حيث ترك الوطن والأهل والممتلكات حفظاً للإيمان وفراراً بالدين من جبال مكة وشعابها وتضييق أهلُها على المسلمين الأوائل .

الهجرة ليست حدثاً كما يظن البعض ولكنها مفهوم شامل للخروج من سجن الكفر والشرك وكل ما هو ذميم إلى فضاء الإيمان بالله والثقة بالنفس والعزيمة من أجل ترسيخ المبادئ والقيم الأخلاقية العظيمة فى النفوس أولاً قبل تأصيلها فى المجتمع ، الهجرة هى الفيصل فى حياة كل إنسان بين طريقين أحدهما ينتهى بالنصر والآخر بالخذلان هى الفيصل بين الخير والشر وبين الحق والباطل وبين العزيمة واليأس ولذلك لم يشفع الله للمسلمين الأوائل الذين عاشوا فى مكة عدم هجرتهم مع إخوانهم بحجة أنهم كانوا مستضعفين فى الأرض ليأتيهم الرد القرآنى بأنه ألم تكن أرض الله واسعة ليهاجروا إليها !! ، لأن الحياة فى ضعف وإستكانة يتناقض تماما مع المغزى والهدف الحقيقى من الهجرة وهى الثبات على المبدأ والإيمان بالنجاح والفلاح فى تحقيق الهدف المرجو .

لن أتحدث عن الهجرة بطريقة السرد المتتالى للأحداث وهى طريقة الدعاة والوعاظ والتى نحفظها عن ظهر قلب ولكن سأتحدث عن ما فهمته من الهجرة ودوافعها ونتائجها الرائعة والتى إذا تدبرناها إكتشفنا فيها الكثير والكثير من الدروس والعبر التى تزيد الإنسان تمسكاً بثوابت النجاح والفلاح ليس على المستوى الدينى فقط ولكن على المستوى الدنيوى .

فالطالب فى مدرسته يحتاج لهذا الفهم العميق من دروس الإرادة والتحدى والنظر إلى مستقبله ومستقبل وطنه ، وكذلك الموظف والطبيب والمهندس والسياسى والرياضى وووالخ ، لذلك كنت ولا زلت أتمنى من الدعاة والوعاظ تحت قيادة كبار رجال الدين أن يستخرجوا لنا هذا الفهم العميق للأحداث التى جرت فى العهد النبوى بما يتناسب مع تطورات الحياة وتغير الظروف زماناً ومكاناً بدلاً من أسلوب السرد والذى أصبح مملاً من تكراره بنفس الأسلوب .

نحتاج حقيقة تجديداً للخطاب الدينى يخرجنا من سجن المحاكاة النصية لزمن بعيد إلى سعة الفهم العقلانى لحاضر ومستقبل قريب يربط بين عظماء الماضى الذين عاشوا فى ظروف صعبة وبين أجيال حاضرة ومتمردة يصعب ترويضها إلا بالتواصل الحقيقى معهم بظروف ومعطيات عصر حديث ، القيم والثوابت لا تتغير ولا تتبدل ولكن البيئة تؤثر فى أبنائها والقيام بالدعوة إلى الله وإلى الفلاح فى الدنيا والآخرة ليست فقط مهمة رجال الدين ولكنها أيضاً مهمة ومسئولية كل إنسان مفكر يملك قدر لا بأس به من العلم والثقافة والتفكير الممنهج المبنى على أسس صحيحة …

الهجرة النبوية نجحت لأن رسول الله وأصحابه كانوا عباقرة يستشيرون بعضهم البعض فى مناخ ديموقراطى لم يكن له مثيل فى زمنهم ، نجحوا عندما تآخى المهاجر مع الأنصارى والسيد مع العبد والأبيض مع الأسود والعربى مع الأعجمى وجميعهم لم يكن لهم هدف إلا نصرة الدين ورفع رايته فى محيط من الشرك ونجحوا فى تأسيس دولة للإسلام جابت الأرض مشرقاً ومغرباً وقضت على أكبر إمبراطوريتين فى العالم ( الفرس والروم ) ، الهجرة النبوية بدأت وإنتصرت للمهاجرين ولا يزال باب النصر فيها مفتوحاً إلى يوم أن يرث الله الأرض ومن عليها ، لأن الهجرة معنى عظيم وممتد وليس مجرد حدث تاريخى مؤقت ومنتهى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock