لجنة اختيار مدير لجامعة الكويت…مرة ثانية! يا سمو الرئيس بقلم: د. عبدالله يوسف سهر
قبل كل شيء يجب أن نعرف بأنه قبل قانون الجامعات الحكومية لم يكن هناك نص محدد في القانون السابق يشير إلى تكوين لجنة لاختيار مدير الجامعة. ونتيجة لانتقاد الكثير من الأساتذة في الجامعة لهذا العيب في فترة أواخر السبعينات والثمانينات استقرت ممارسة واصبحت لاحقًا عرفًا مشوهًا مفادها أن يقوم وزير التعليم العالي بتشكيل لجنة بقرار صادر منه، ليضع في عضويتها من يشاء.
في السابق كانت هذه اللجان أقرب إلى الشكلية حيث لم تكن تعمل وفق قواعد محددة ومحكمة أكثر منها لجان استشارية تنتهي في أغلب الأحيان إلى اختيار إحدى الشخصيات العلمية، لكن الوزراء يختارون غيرهم وفقًا لقواعد “إذنك خشمك”! أي أن في السابق كانت تلك اللجان وغيرها شبه ما يعرف باللجان المصممة سلفًا لمعرفة النتائج مقدماً Tailored committees .
هذه الممارسات مع مرور الزمن أدت إلى الكثير من الأمراض البيروقراطية في جامعة الكويت مما أودى بتصنيفها وجودة مخرجاتها.
ولكي تنتهي هذه الانفرادية، كافح بعض الأساتذة بالجامعة وعلى رأسهم جمعية أعضاء هيئة التدريس بقيادة القائمة الأكاديمية المستقلة، لتقنين عمل هذه اللجنة حتى صدر قانون الجامعات الحكومية الذي مع الأسف ولد أيضًا بصورة مشوهة لكنه تضمن تكوين لجنة تقوم باختيار مدير للجامعة ولا يكون للوزير الاختيار غير من رشحته هذه اللجنة. لكن مع الأسف، وبسبب تدخل أصحاب النفوذ التعليمي فقد اكتنف القانون الجديد الكثير من الثغرات التي شكلت منافذ لمن يريد أن يلتف على عمل هذه اللجان بشكل أو بآخر. فالقانون لم يحدد كيفية اختيار أعضاء اللجنة لكنه أناط اختيارهم بمجلس الجامعة فقط دون تحديد آلية محددة، مما جعل الباب مفتوحًا لأغلب الأعضاء في مجلس الجامعة الذين اختاروا هذه اللجنة ليكونوا مرشحين للمنصب، بمعنى أن يكونوا خصما وحكما في ذات الوقت، وبالكويتي ” خذ من چيسه وعايده”!
من جهة أخرى، لم يحدد القانون الإطار الزمني لعمل اللجنة ولا عدد من يقومون بترشيحه للمنصب… أهو واحد أم اثنان أم عشرة! طبعا هذه جملة من المنافذ وغيرها تترك عملية ولوج الضغوط والتأثيرات السياسية والنخبوية إلى عملية الاختيار بسهولة والأخطر أنها ستكون هذه المرة باسم القانون!!!! أول تلك التأثيرات المشهودة بوضوح تجسدت في إبعاد ممثل لجمعية أعضاء هيئة التدريس من عضوية هذه اللجنة على الرغم من كفاحها الطويل في وجودها!
المشكلة الأخرى، أيضا هي أن جمعية أعضاء هيئة التدريس ليست بيد القائمة الأكاديمية المستقلة التي عرف عنها عدم المساومة في مثل هذه القضايا، ولعل هناك من يراهن على أن هذا الغياب سيجعل الجمعية برمتها في جيب من يريد أن يشكل اللجنة على مزاجه ووفق مقاسه!!
مسألة اختيار مدير لجامعة الكويت في غاية الأهمية، لكون المدير القادم يجب أن يكون متحررًا من تأثير الجماعات السياسية المأدلجة وضغوط الكارتيل التعليمي الرأسمالي الذي يخدم المؤسسات التعليمية الخاصة، فهذا المدير المرتقب أمامه ملفات كبيرة وكثيرة منها القضاء على المحسوبيات في التعيينات في تولي المناصب القيادية والإشرافية، وأمامه تعديل تصنيف الجامعة الذي تسببت به بعض الإدارات السابقة، وأيضا سيكون نصب عينه جودة مخرجات التعليم وموائمتها مع سوق العمل، والمدير القادم على طاولته تعديل وإقرار لوائح جامعية كثيرة تتعلق بالتعيينات والبعثات والترقيات، كما أن هنالك ملفات ضخمة تنتظره كالإنشاءات وتقنية المعلومات، اللذان يلفهما الكثير من الأقوال والإشاعات والملاحظات، وهي بحاجة الى تمحيص وتدقيق!
لذلك، فالبعض يريد أن يكون المدير القادم مجرد إداري كبير بدرجة وكيل وليس قيادي متجرد جريئ مبدع يفكر خارج صندوق الكارتيل الذي فرض نفسه منذ فترة طويلة. هذا البعض قد حاول أن يشكل اللجنة وفق مقاساته وكل الخشية أنّه مرة أخرى في أثناء فترة الانتخابات لمجلس الأمة أن يباغت الجميع بتشكيل لجنة مصممة لكي يتم ضمان مخرجاتها!
أتمنّى على المسؤولين الكبار أن ينتبهوا لهذه الإشكالية، ونناشد سمو رئيس مجلس الوزراء أن يولي هذه القضية أهمية قصوى في هذه الأيام خاصة في ضوء مرحلة التحديات التي تواجهنا جميعًا من أجل أن يكون شعار الإصلاح واقعيًا يبدأ من الجامعة كمنبر للحرية والتعليم والإصلاح.
إن أغلبية أساتذة الجامعة يا سمو الرئيس يعرفون تمامًا كيف يتم اختيار العديد من هذه اللجان من أجل أن يتم التحكم في مخرجاتها، واليوم يتطلعون إليكم باعتباركم القائد الذي يغير هذه الثقافة السياسية التي عززتها التيارات والفئات المتنفذة في مؤسسات الدولة سيما التعليمية منها.
نأمل منك يا سمو الرئيس أن تساهم معنا في إنقاذ الجامعة وغيرها من تلك الممارسات لتكون عنوان صادق للموضوعية والعلمية والحيادية وتساهم حقًا في الإصلاح والإبداع المطلوب لتنمية وطن النهار.