يوسف عوض العازمي يكتب: “حدائق النور” .. سيرة وقراءة
” وحدها المرارة كفيلة بهزيمة الإنسان “
( أمين معلوف )
في عالم الروايات برزت روايات ذات رؤية تاريخية و أستمدت من التاريخ الموغل في القدم قصة وحبكة وتقنية روائية ، وقد أشتهرت روايات أمين معلوف بتاريخيتها ، و تلازماتها التاريخية ، وإرتباط أحداثها بحوادث تاريخية إبان التاريخ القديم ، في العصور الأولى من الزمان الإنساني ، إذ يحاول طرح قيمة روائية بشكل تاريخي يسلط الضوء خلالها على أحداث – يعتقد – إنها حدثت بالفعل ، والإختلاف يكون بالرؤية والتحليل لحيثياتها ، فإن أردتها تاريخ فلا تخلو منه ، و إن حسبتها رواية وعمل روائي فأنت أمام ذلك بالفعل !
و في رواية ” حدائق النور ” يستحضر الكاتب عدة أحداث جرت في تاريخ إيران القديم ، حيث الدولة الأخمينية و الدولة الساسانية إلى أن يصل للدولة الرومانية ، يعرج خلال الرواية إلى عدة إشارات كالكهنة الزرادشتيين ، و السفر إلى مدينة الرها التاريخية ( أورفه حاليا” في تركيا )
الرواية يجتمع بها التاريخ بالفنتازيا ، يجمع بها شتات فترات من التاريخ أفلت أطوارها ، و جنحت نحو النسيان او قل المجهول ، يبدو لي من قراءة روايات معلوف بأنه أثناء الكتابة يستحضر روح المؤرخ في نفسه ، ويكتب سطور الرواية كمؤرخ وليس كروائي ، ربما يقصد بأنه يحاول سد ثغرات في روايات التاريخ القديم ، فإن صحت ( كمثال طبعا” ) فهو إنجاز يحسب له ، وإن لم تصح أو تبقى كرواية فهو في النهاية روائي وليس مؤرخا” ، أي أن القضية رابحة في الحالتين ، ولايقوم بذلك سوى كاتب ذكي متثقف تاريخيا”
في روايته الرائعة ” حدائق النور ” أجد عدة مشاهد تاريخية تواترت مع بعضها كشواهد ومشاهد في آن ،وهنا سأقوم بعمل بشرح مبسط ومختصر لهذه الرواية الآسرة ، حيث نجد شخصية ” ماني ” هو الشخصية الاساسية في الرواية ، وتصل لأحداث ” بستان ذوي الملابس البيضاء ” الذي يقع شرق دجلة ، والزعيم هو شخص يدعو سيتاي ، وتبدأ الرواية
حين أقنع سيتاي والد ماني بأن يأتي معهم الى البستان ، ووالد ماني يدعى بأسم پاتبغ وأمه اسمها مريم ، أخذوا ماني بعمر ٤ سنوات الى بستان ذوي الملابس البيضاء ، جاء توأم ماني اليه في عمر الثالثة عشر وهو الذي يوحي إليه ويدعي انه نبي !
كان في البستان صديق لماني أسمه مالكوس وهرب من البستان قبل ماني ، ترك ماني البستان وهو بعمر الرابعة والعشرين ، وعاش فتره في منزل صديقة مالكوس وزوجته كلويه في مدينة اسمها المدائن ثم ذهب بالسفينه الى مدينه دب ، جاء والده معه هاربا من ذوي الملابس البيضاء الى دب ، دخل ماني دب وكان الجيش الساساني يريد غزو المدينه ، ذهب ماني لمقابلة قائد الجيش الساساني وهو هرمز ابن شاهبور ليقرر مصير هذي القرية ، في هذي الاثناء مرضت ابنة هرمز وقال ماني لأبيها القائد انه يستطيع معالجتها ، وفعلا تم علاجها وصار هرمز متعاطفا مع ماني وديانته
ولم يغزوا المدينه وطلب ماني من هرمز ان ياخذ فتاة اسمها ديناغ ، أرسل هرمز – ماني- الي والده الامبراطور ( شاهبور ) وتكونت علاقة قوية بين شاهبور وماني وسمح لماني بنشر معتقداته داخل الامبراطورية
تصل الحبكة إلى زعيم الكهنه الزردشتيه وأسمه كردير ،
الذي أخذته الغيرة من النفوذ الذي وصل له ماني فحاول التضيق على أتباعه ، وكان من اتباع كردير ابن الامبراطور الكبير اسمه بهرام ، معتقدات ماني ترفض الحرب لذالك عندما قرر الامبراطور ان يقود حملة ضد الرومان لم يكن هذا يعجب ماني لكنه لم يكن يعلن اعتراضه على الامبراطور ..
تولى السلطة في روما شخصية اسمها فيليب ، قام بإرسال إبنه الى المدائن لعقد صلح مع الساسانيين بسبب الغزوات التي تتعرض لها الامبراطورية الرومانية وتنازل الرمان عن ارمينيا التي كانت مدار الصراعات بين الروم والفرس على مر التاريخ ، حيث كان الرومان يدفعون الجزية للساسانيين وثم حصل انقلاب في روما على الملك فيليب وتم قتله
وتولى السلطة بعده الملك فاليريان وتوقف الرومان عن دفع الجزية
كانت المعركة الكبرى في مدينة الرها ، لكن بسبب خائن روماني انتصر الساسانيون وقتل قائدهم فاليريان ،
وتتوالى الاحداث إذ بعد وفاة الامبراطور شاهبور عين إبنه هرمز الاصغر للأمبراطورية ، واثناء حفلة التنصيب وضع له السم من قبل كردير كبير الكهنه الذي يميل الى بهرام الاخ الاكبر لهرمز ، بعد موت هرمز الذي كان يميل الي ديانة ماني وتولى السلطه بهرام الذي ينتمي الى ديانة الكهنه ، تم سجن ماني لمدة ٢٦ يوم مع التعذيب حتى مات
ماسبق نبذة مختصرة جدا” للرواية التي يتنفس بها القارئ عبق التاريخ القديم ، ويدخله المؤلف في أتون مسارات زمنية تلهج بذكر دولا” سادت ثم بادت ، جولة في التاريخ القديم جدا” مابين حدود الدولة الساسانية والأخمينية و بلاد الرومان مدينة الرها ، وجبة تاريخية لن يستمتع بها سوى محبي التاريخ وهذا النوع من الروايات
يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
▪ نشر هذا المقال في جريدة الرؤية ( سلطنة عمان ) في الأحد 12 يونيو 2022 م ..