د.سلوى الجسار تكتب: تعليمنا بين الترغيب والترهيب
- حددتها بالمعلم المتمكن وحسن اختيار القيادات وإعادة النظر في برامج كليات إعداد المعلمين ووضع السياسات التعليمية وفق رؤية بعيدة المدى
قيادة التعليم المدرسي تحتاج إلى المحاسبة والإشراف المهني القائم على تبني الإبداع والابتكار والتدريب المستمر
يجب إعادة النظر في صياغة التعليم الابتدائي بالتحول إلى التعليم الحياتي والمهاري وتغيير أساليب التدريس
لماذا الاستعانة بالأجانب والبنك الدوليولدينا كفاءات وطنية في مواقع مختلفة تستطيع أن تقدم أفضل ما لديها؟
الإجازة الصيفية انتهت وقد حملت معها كل ما هو محزن ومفرح، وعادت الحياة المدرسية إلى دورتها في بداية عام دراسي جديد يتطلع الجميع لأن يكون حافلا بالإنجازات والإبداعات، وهذا ما يتمناه كل مسؤول تربوي، فهم يرددونها في كل خطاب لهم يتسابقون إلى إلقائه، ولكن البعض منهم يعرف جيدا أنها لن تتحقق لأنهم يطلبون المستحيل في ظل إدارات عقيمة وقيادات هزيلة، للأسف الكثير منهم مازال ينظر إلى إدارة التعليم بالفكر المتسلط والديكتاتوري المتغلفة في عقلية ضحلة بالمعلومات وفاشلة في مفاهيم الإدارة الناجحة.
الحديث عن إصلاح التعليم وتطويره أصبح حديث وحوار لمن ليست له مهنة، لأننا وصلنا إلى مرحلة في الكويت اصبح الكل يتحدث عن جودة التعليم ولماذا لا نصل إلى مستوى تعليم فنلندا والسويد وغيرهما من الدول المتقدمة، ما الذي ينقص الكويت، التي وصل الإنفاق فيها على التعليم إلى اكثر من مليار و600 مليون دينار تصرف على قرابة نصف مليون طالب يمثلون نصف تعداد السكان الكويتيين.
المتخصصـــون فـــي اقتصاديات الإنفاق على التعليم يرون انها معدلات عالية وفي تزايد متسارع خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهذا يتطلب التوقف والبحث عن الأسباب، خاصة ان الكويت مازالت تحقق آخر المستويات في الاختبارات العالمية بمستوى الرياضيات والعلوم والقراءة.
إلى جانب ان معدلات اجتياز اختبارات القدرات في جامعة الكويت لا تتعدى 40% نسبة النجاح، علما بأن الكثير من الطلبة المتقدمين لهذه الاختبارات الغالبية منهم حصلوا على نسب نجاح في الثانوية العامة 80% وما فوق، وأكثر من نصف البيوت الكويتية تلتهم نصف إيراداتها الدروس الخصوصية، اضافة إلى اكثر من 1500 طالب في البعثات الخارجية يواجهون فشل عدم إمكانية مواصلة الدراسة بسبب عدم اجتياز اللغة الانجليزية، اضف إلى ذلك ضعف مستوى بعض الخريجين من جامعة الكويت وغيرها من بعض المؤسسات التعليمية في مستوى الكتابة وضعف القراءة والثقافة والتمكن من التخصص العلمي.
هذه الحقائق خطيرة جدا في دولة تتطلع لأن تكون مركزا ماليا واقتصاديا يضاهي العالم المتقدم، أمام مخرجات تعليمية هشة، تنفق الدولة ملايين الدنانير لكن العائد مفقود ولن يصل إلى المستوى المطلوب، اضافة إلى ضعف توجهات الكثير من طلبتنا إلى الحرص على تحصيل تعليم جيد ومبتكر، بل نجد الغالبية منهم يبحث عن أسهل التخصصات لأن التعليم الجامعي وغيره بوابة الدخول للحصول على الشهادة بهدف الوظيفة فقط، الأمر الذي جعلنا نواجه أزمة الشهادات المزورة والبطالة المقنعة وطوابير الحصول على الوظيفة.
إصلاح التعليم يحتاج إلى ثورة في السياسات والادارة والقيادة وكفاءة العنصر البشري، ولا يمكن ان نتقدم في ظل فكر التخلف واللامسؤولية الذي مازال يقود مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية.
فتطوير التعليم لا يتوقف على كم برادة ماي، وكم عدد الكراسي، ومدى صلاحية دورات المياه، ونقص اعداد المدرسين، ومدى جاهزية المدارس وجولات وصولات المسؤولين للبروز الإعلامي فقط، مازال ينظر إلى تطوير التعليم فقط من منظور الإصلاح المادي ورصد الميزانيات.
نعم، هذه أشياء أساسية ولكن ما هو مهم للأسف ليس في قاموس المسؤولين بكل المستويات.
الكثير من الأبحاث والدراسات تناقش لماذا أصبحت مدارسنا طاردة، لماذا اصبح البعض منهم يصدر العنف والتعصب الفكري والاجتماعي والسلوكيات المتطرفة، ولا يعزز ثقافة التسامح والمواطنة والتربية الأخلاقية! لم أجد في خطاب أي مسؤول هذه الغايات التي يجب أن تكون في صميم رسالة وبرامج عمل مدارس اليوم وان يوجه كل مسؤول تربوي ومدير مدرسة ومعلم وموجه فني واخصائي نفسي ليس في كلمات وأوامر، بل منهج عمل يبدأ في كل برنامج مدرسي وفصل دراسي.
نعم، نريد ان يتعلم أولادنا المعرفة ولكن لن تجدي اذا غابت القيم والأخلاق والمواطنة المسؤولة.
قيادة التعليم المدرسي تحتاج الى ان ننتقل من المحاسبة التقليدية والمتسلطة للمعلم إلى المحاسبة والإشراف المهني القائم على تبني الإبداع والابتكار والتدريب المستمر طوال العام الدراسي، لأن هناك العديد من المعلمين من يملك الابتكار في قيادة التعليم الفعال، لكن الإحباطات التي تواجههم تجعل من عملهم روتينا قاتلا، لأن المعلم لن يعلم ابناءنا في أجواء نفسية سلبية لا تشجع على الإنجاز لمصلحة الطالب.
وعلى مديري المدارس أن تؤمن بأن قيادة المدارس الناجحة لا تكون بجعل غرفة المدير صالة استقبال أو ديوانية أو محطة تجسس، بل قيادة المدرسة يجب ان تكون في كل أركان المدرسة، فالمدير هو المربي والمعلم والمشرف والمهني والمراقب الذي يجب ان يقضي اليوم الدراسي في كل أرجاء المدرسة حتى يكون قريبا من كل فرد منها، وان يملك الريادة في قيادة مدرسته في تذليل كل الصعاب.
للأسف لو تسأل الكثير من الطلبة عن اسم مدير المدرسة لا يعرفون، لأن البعض من مديري هذه المدارس جاء دون استحقاق، وأن سياسة الترفيع للوظائف الإشرافية في وزارة التربية تعمل وفق حسابات اجتماعية وسياسية وليست وفق معايير مهنية واضحة.
أضف إلى ذلك ضعف التنمية المهنية ونظام الرقابة والتقييم على مستوى أداء مديري المدارس انعكس ذلك على ضعف العديد من قيادات المدارس لدينا، والدليل ارتفاع معدلات الهروب من المدرسة والتعدي على المعلمين والعنف بين الطلبة وإتلاف الممتلكات العامة وغيرها من المشكلات السلوكية التي تصدرت مدارسنا خلال السنوات العشر الأخيرة.
أضف إلى ذلك فئة مهمة جدا مشاركة في تراجع مستوى التعليم وهم الموجهون الفنيون ورؤساء الأقسام في المدارس بكل مستوياتهم، فهم مازالوا يؤمنون بأن متابعة المعلم تكون فقط أين وصل في الخطة الدراسية، وهل تم انجاز المنهج المدرسي، وما معدلات النجاح والرسوب، للأسف هناك عدد من الموجهين خبراء في إحباط المعلم والاستهزاء به وفقدان الثقة في أدائه وعدم اعطائه المرونة في إدارة عملية التدريس.
للأسف، لو تسأل البعض منهم معلومات عامة في المنهج المدرسي ستفاجأ بسبب عدم تمكنهم وضحالة إعدادهم المهني لمستوى هذا المسمى الوظيفي، وهذا ما نجده في مدارس البنات حالة من الإحباط والانتقام الأنثوي المفترض أن يكون ناعما، لكن للأسف هناك العديد من المواقف لبعض المدارس تعدت الحدود المهنية والأخلاقية أيضا بسبب ضعف بعض قيادات الإدارات التعليمية والإداريــة فـي المناطــق التعليمية.
أي تعليم مدرسي ناجح وفعال نتطلع إليه في ظل أجواء وتركات يحزن لها القلب رغم أن لدينا من الامكانات المادية الضخمة التي تنفق ولكن لا تتناسب مع المخرجات التعليمية التي يتطلع لها الجميع؟!
سنوات ونحن نقدم الأبحاث وحلقات النقاش ونكتب المقالات ونضع حلولا ناجعة لتطوير التعليم لكن لا حياة لمن تنادي، فالتقدم والازدهار والتنمية لا يكون إلا بالتعليم المبدع، وهذا يتطلب من كل صاحب قرار ومسؤول أن يضع في الاعتبار ان البداية الصحيحة لإحداث ثورة في التعليم تكون:
– بمعلم متمكن ليس في مادته فقط، وإنما ملتزم بمتطلبات مهنة التدريس ويمتلك اتجاهات إيجابية نحو التعليم والتعلم ليكون نموذج القدوة في تعزيز القيم الحياتية لطلابه.
وهذا يتطلب اعادة النظر في برامج التدريب والتنمية المهنية وإعداد المعلمين، التي تقدم لهم من حيث المحتوى والأسلوب.
– حسن اختيار جميع القيادات التعليمية والتربوية وفق معايير مهنية وموضوعية وليس بمعيار المحاصصة، مع اعادة النظر في أساليب وأدوات تقويم الأداء خلال المهنة التي يجب ان ترتبط بالاحتياجات المهنية ومتطلبات كل مسمى وظيفي.
– إعادة النظر في برامج كليات اعداد المعلمين من حيث معايير ونسب القبول واعداد الطلبة والمحتوى العلمي والمهني لكل برنامج وحاجة سوق العمل ومستوى الأداء التدريسي لأعضاء هيئة التدريس والوظائف المساندة والامكانات المادية والبشرية لهذه المؤسسات.
– وضع السياسات التعليمية وفق رؤية بعيدة المدى تتماشى مع رؤية مؤسسات الدولة وبرامج عملها وألا تخضع هذه السياسات إلى التغيير المستمر عند حدوث أي أزمات وتدخلات خارجية وداخلية لأن عدم استقرار السياسيات التعليمية تدفع المؤسسات التعليمية ثمن هذا الخلل الخطير، ولعل قرارات مثل (ادخال اللغة الفرنسية، والفلاش مموري، والتابلت، التغيير المستمر غير المدروس في تغيير المناهج، وإدخال مواد جديدة، ونظام الكفايات وغيرها كثير) كان ومازال السبب في وقوعنا في كثير من الاخطاء التي جعلت من الكويت تحتل المراكز الأخيرة في مستوى التعليم.
وعليه، يجب توحيد الجهات التي تصنع القرارات التعليمية وان تكون لكليات التربية الدور الأساسي في صناعة مثل هذه القرارات، والتوقف فورا عن استيراد أي أفكار وتجارب خارجية لتطبق في الكويت يظن الكثير من المسؤولين انها تنجح ولكن للأسف هي صفقات مالية خاسرة كلفت الدولة أموالا طائلة لكن انتفع بها البعض ومازلنا نقف في نفس المستوى من التعليم.
– البدء فورا في تطبيق اجازة المعلم وإجازة مدير المدرسة بالتعاون مع كلية التربية في توقيع الاتفاقيات التي تعمل على إعداد هذه الاختبارات وفق المواصفات العالمية في قياس جودة أداء المعلمين ومديري المدارس.
– اعادة النظر في صياغة فلسفة التعليم الابتدائي بالتحول من التعليم المعرفي إلى التعليم الحياتي والمهاري بأن يكون تعليم المهارات الحياتية 60% من محتوى النظام التعليمي و40% يشمل التعليم المعرفي والنظري الذي يركز على أساسيات القراءة والرياضيات والعلوم واللغات والعلوم الاجتماعية، حتى نجعل من مدارسنا في مراحل الطفولة مكانا جاذبا وبيئة آمنة تعمل على تشجيع المتعلم على التعليم والتعلم وتنمية الذات والتدريب المبكر على المسؤوليات الحياتية.
اليوم للأسف رياض الاطفال والمدارس الابتدائية أصبحت عبئا على الأسرة الكويتية، بسبب قسوة التعامل مع الطفولة وتخلف أساليب التدريس وطرق التعلم التي ابتعدت عن التعلم باللعب والمحاكاة وركزت على التلقين والحفظ والتكرار.
– تغيير أساليب وطرق التدريس التي تتعامل مع عقول المتعلمين كعلب فارغة يهدف كل معلم إلى تخزين أكبر كمية من المعلومات بهدف تذكرها وقت الامتحان فقط لأن مدارسنا مازالت تعلم المعرفة وليست المهارة والقيم، فمتعلم اليوم ليس بالأمس، فهناك الكثير منهم يمتلك معرفة ومعلومات تفوق ثقافة المعلم.
يجب أن يتحول التعليم داخل الفصول إلى الاستكشاف والتحليل والنقد والحوارات وحلقات النقاش وليس التلقين والحفظ، وأن يتدرب المعلمون على كيفية أن يجعل المتعلم كيف يتعلم، لأن التعليم الجيد الذي يبني الأمم هو التعليم الذي يربط الطالب بالحياة والبيئة المحيطة به، هو التعليم الذي يكتشف فيه المعلم هوايات الطالب لينميها، هو التعليم الذي يعزز العلاقات الإنسانية في مجتمع المدرسة.
نتائج تعليمنا الفاشل يحصده المجتمع ومؤسساته في تخريج جيل اتكالي واستهلاكي وضحل لا يحب القراءة ولا يجيد الكتابة من دون أخطاء إملائية ولا يستطيع أن يعبر بطلاقة، فهل نعتبر هذا تعليما يخدم دولة تتطلع لان تكون في مصاف الدول المتقدمة.
أخيرا، هناك الكثير من المقترحات ومشاريع العمل الناجحة التي يمكن الرجوع اليها، ولكن يبقى العديد من التساؤلات التي نطرحها:
– كيف يصبح التعليم أولوية في كل مؤسسات الدولة؟ – متى نتوقف عن التدخل في إقحام السياسة ومطالب السياسيين في إصلاح التعليم؟ – لماذا مازالت لدينا عقدة الاستعانة بالأجانب والبنك الدولي الذين فشلوا باعتراف المختصين في العالم، ونحن هنا في الكويت لدينا العديد من العناصر البشرية أصحاب الكفاءات في مواقع مختلفة من الدولة وتستطيع ان تقدم افضل ما لديها؟ – الاعتقاد بأن إصلاح التعليم في رصد ميزانيات مبالغ فيها هذا خطأ كبير لأنه لن يتطور التعليم مادامت بعض القيادات وصناع القرارات التعليمية تحتاج إلى دورات تعليمية ومهنية في إدارة التعليم!
ستظل هناك العديد من التساؤلات تحتاج إلى إرادة واقعية وعملية حتى تخرجنا من الظلام إلى النور وننقل التعليم من الترهيب إلى الترغيب للطالب والمعلم والمسؤول!
د.سلوى الجسار