كتاب أكاديميا

د. علي حسن يكتب: ماذا يحتاج ذوي الإعاقة التمييز أم المساواة؟

قد يبادر أحدهم بالإجابة العقلانية والمنطقية على هذا السؤال وبشكل سريع أنها المساواة وهي ما حثت عليه المواثيق الدولية كدساتير الدول وتقارير منظمة الأمم المتحدة والصحة العالمية والتنمية البشرية وحقوق الإنسان والقوانين الدولية، والتي تركز جميعها على حق المساواة للجميع ومنهم ذوي الإعاقة ومحاربة التمييز ، ولا نريد أن نستعجل في الإجابة المنطقية لسؤال المقال قبل أن نخوض في غمار طبيعة متطلبات واحتياجات وقدرات ذوي الإعاقة ، ولا نريد أن نشطح بعيدا أو نخرج عن المألوف في هذا المجال قبل أن نتطرق لبعض الأمور الحياتية الهامة .

تعريف المساواة : تعني المساواة التطابق والمماثلة بين الأفراد في الحقوق والواجبات بمقتضى القاعدة القانونية التي تنظم العلاقات الاجتماعية ، وتحتل المساواة مكانا مرموقا ضمن المنظومات الحقوقية للدول المعاصرة لأنها تعد شرطا للحرية ، لذلك يعد بعض الفقهاء أن المساواة هي أول الحقوق وأساسها . وهي عنصر أساسي لبناء دولة القانون .()

ويمثل المبدآن المتمثلان في المساواة وعدم التمييز جزءا من أسس سيادة القانون. وأن “جميع الأشخاص، والمؤسسات والكيانات، العامة والخاصة، بما فيها الدول نفسها، يجب أن يحاسبوا وفقا لقوانين عادلة ونزيهة ومنصفة ولهم الحق في أن يتمتعوا بحماية القانون دونما تمييز على قدم المساواة” وأهمية احترام المساواة في الحقوق بين الجميع دونما تمييز على أساس العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين .() إذن فلا خلاف في الدعوة للمساواة بين الجميع أمام القانون وأمام القضاء، والمساواة في استخدام المرافق العامة وفي الوظائف العامة، وغيرها من الحقوق.

ولكن واقعيا وفعليا ألا يحتاج الشخص المعاق لنظرة من الدولة والمجتمع والأفراد نظرة واعية مسئولة بعيدا عن الشفقة والعطف؟ ، أليس المعاق هو ذلك الشخص الذي يعاني من عجز أو نقص أو خلل في بعض قدراته ( حركيا أو حسيا أو ذهنيا ) تمنعه عن ممارسة حياته وواجباته الأساسية بشكل مثالي وطبيعي؟ ، وعلينا جميعا أن نسعى لتقديم العون والمساعدة له لتجاوز عقبة العجز ، ليستطيع أن يمارس دوره الطبيعي كمواطن في بناء أسرة وتحمل مسئولياته في بناء وتطوير المجتمع وممارسة وظيفته وهواياته بحرية ، هذا يعني أنه يحتاج لأن نميزه بنوعية من الخدمات التيسيرية والأجهزة التعويضية والتي تساعده في النهوض والقيام بحقوقه وواجباته كفرد منتج في المجتمع . فنحن حينما نميزه ليس من باب الشفقة ولكن لأننا نثق بأن لديهم الكثير ولدينا الكثير فنحن لا نساعدهم فقط بل نأخذ منهم

نحن نرفض فكرة التمييز ولكن هناك تمييز إيجابي وفق معايير مشروعة لرفع الظلم ولتخفيف المعاناة وهذا التمييز يرفعنا لمستوى المساواة ، فها نحن نميزه بمواقف السيارات الخاصة له ونميز الطالب منهم في نسبة 5 % الإضافية التي تمنح له عند تخرجه من الثانوية العامة ، وله متطلبات خاصة في السكن ناهيك عن اختصار فترة الانتظار في الهيئة العامة للإسكان ، والأولوية في الدور في المستشفيات والهيئات الحكومية والأهلية والقطاع الخاص ، وفي التقاعد والامتيازات المالية ، وغيرها من الامتيازات والاستحقاقات وبلا شك هم يستحقون كل هذا الاهتمام واكثر .

أليس نحن من نمارس هذا التمييز الإيجابي بطريقة فطرية في حياتنا اليومية حينما نقدم على أنفسنا كبير السن أو الشخص ذو الإعاقة ؟ يأتي هذا ترجمة لإنسانيتنا وأعرافنا وتقاليدنا وتربيتنا الإسلامية وأخلاقنا التي جبلنا عليها. لا وبالعكس يلقى هذا التصرف استحسانا من الجميع وفيه دلالة لتماسك التنظيم الاجتماعي ، إذن فعلينا أن نحقق لذوي الإعاقة التمكين الاجتماعي وهو ” إكساب ذوي الاحتياجات الخاصة مختلف المعارف والاتجاهات و القيم و المهارات التي تؤهلهم للمشاركة الإيجابية الفعالة في مختلف أنشطة وفعاليات الحياة الإنسانية إلي أقصي حد تؤهله لهم إمكانياتهم وقدراتهم إضافة إلي تغيير ثقافة المجتمع نحو المعاقين والإعاقة من ثقافة التهميش إلي ثقافة التمكين” .()

وعي المجتمع بمتطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة:

لقد أدي الالتفات إلي الأهمية البالغة لمفهوم رأس المال البشري ودوره في نهضة المجتمع وتقدمه إلي إيلاء أولوية متقدمة للتنمية البشرية في مجالات مثل رعاية الفقراء المهمشين وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم كي نستفيد بما لديهم من طاقات وتركيزنا هنا علي ذوي الاحتياجات الخاصة فلكي نمكن لهم داخل المجتمع لا بد من تأهيلهم وتعليمهم وإدماجهم في مجتمعهم كقوي منتجة وفاعلة فذوي الاحتياجات الخاصة مصطلح يشمل كل الفئات التي تحتاج إلي نوع خاص من الرعاية سواء كانت جسمية أو نفسية أو اجتماعية أو تربوية وتختلف قضايا ومشكلات وطرق رعاية كل فئة من هذه الفئات لاختلاف احتياجاتهم (). وتشير “ fahmeeda wahab ” إلي أن ذوي الاحتياجات الخاصة يتعرضون في كافة المجتمعات إلي مختلف صور التمييز السلبي وخاصة الاستبعاد من كافة فعاليات وخبرات الحياة الاجتماعية .

في الختام أرى أن ذوي الاحتياجات الخاصة يرغبون بالمساواة في الحقوق والواجبات مع أقرانهم وكذلك من حقهم المطالبة بتمييزهم وأتمنى أن يكون تمييزنا الإيجابي لهم نابع من إيماننا بحقهم في هذا التمييز والذي لا يكون فيه أي تعدي لحقوق الآخرين بل تقديم الأولوية والمساعدة والخدمات كواجب إنساني من منطلق المسئولية الاجتماعية والهدف منها الفائدة العامة للمجتمع وأفراده .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock