أخبار منوعة

أطفال مميزون يتغلبون على مصاعبهم باستخدام الأجهزة الذكية

تداهم ثورة التكنولوجيا والأجهزة الذكية مختلف أنحاء العالم مقتحمة حياة الناس لتلعب دورها الكبير في انسيابية شؤونهم وتعقيداتها لكن هذا الدور في الوقت ذاته يزداد أهمية وحذرا وخطورة بالنسبة للأطفال.
وكأي أمر مستحدث تنقسم رؤى الخبراء والاختصاصيين وكذلك عامة الناس حول مآلاته بين الأمور الإيجابية والسلبية فهناك من يرى أن تأثير التكونولوجيا السلبي على الأطفال ونموهم أكبر من تأثيراتها الإيجابية لاسيما في أعمار مبكرة فيما يرى آخرون أن استخدام مثل هذه الأجهزة الذكية له أثر إيجابي على تنمية ذكاء الأطفال وانفتاحهم المتسارع على العالم منذ الصغر.

ويحصر الفريق المؤيد للأجهزة التكنولوجية هذه الإيجابيات في سرعة توفير هذه الوسائل للمعلومات وزيادة التحصيل العلمي وتوجيه الطفل وتنمية إدراكه العقلي بشكل صحيح الى جانب الترفيه وخلق جو توعوي وتوجيهي.

في المقابل يبرز أنصار الرأي الآخر السلبيات التي يمكن أن تؤثر على الأطفال جراء استخدام التقنيات الحديثة في اختلال النمو الاجتماعي والوجداني الطبيعي للطفل وتفاعله النفسي مع الأقران والأقارب وفقدان حميمية العلاقات الحقيقية في عالم افتراضي فضلا عن قلة النمو الإدراكي والتفسير المباشر لمعاني الأشياء والمشكلات اللغوية والتأثير السلبي على الذاكرة على المدى الطويل.

فعندما بلغ محمد عمر السنتين وثمانية أشهر تم تشخيصه بالإصابة باضطراب طيف التوحد (autism spectrum disorder ASD) وفورا بدأت أسرته بالبحث عن علاج لهذا المرض داخل الكويت وخارجها وكان القرار الأخير هو الاستقرار في الولايات المتحدة الأمريكية مدة عامين كان محمد خلالها يتلقى جلسات علاجية تمتد ثماني ساعات يوميا وخضع بعدها للعلاج في دولة الإمارات العربية المتحدة وصولا إلى تعيين معالجة خاصة له هنا في الكويت فقط من أجل العمل على اكساب طفلهم المهارات الحياتية اللازمة له.

وتحدثت والدته ساره جراغ إلى وكالة الأنباء الكويتية (كونا) بالقول “لم أسمع صوته أبدا طوال عشر سنوات هي عمر محمد اليوم.. بدانا معه باستخدام لغة الإشارة ثم بطاقات الصور ثم توصلنا إلى طريقة رائعة تم ارشادنا اليها في احدى الجلسات العلاجية في دولة الامارات ألا وهي استخدام تطبيق ذكي يتم تحميله على الأجهزة الذكية مثل الهواتف أو الأجهزة اللوحية (التابلت) من أجل مساعدته في التعبير عن نفسه ورغباته”.

وبينت أن هذا التطبيق يحتوي اقساما عديدة تخص معظم أوجه الحياة (ألوان – اشكال – حيوانات – نباتات – أشخاص.. الخ) اذ يختار الطفل عن طريقه ما يود التعبير عنه ويكون الجمل التي يريد أن يقولها ويتحدث التطبيق بصوت عال ومسموع نيابة عنه فأصبح “الجهاز الذكي صوتا لمن لا صوت له”.

وأكدت أنها ووالد محمد على وعي كبير بأضرار ومخاطر إدمان الأجهزة الذكية على الأطفال ومؤمنة تماما بالأثر السلبي لهذه الأجهزة على الأطفال في الحالات الطبيعية لكن في الوقت ذاته ستظل تستخدم هذه الأجهزة في حالة محمد إلى أن تسمع صوته الحقيقي.

وفي الجانب الآخر هناك تجربة الطفل علي الهادي (عامان ونصف العام) بابتسامته المميزة يتموضع سعيدا أمام الكاميرا وهو يدرك أن أمه ستنشر هذه الصورة في صفحته على (إنستغرام) ليحصد إعجاب وتعليقات المتابعين الذين يتعرفون من خلاله على مرض لم يسمع به أغلبهم و هو مرض استسقاء الحبل الشوكي (Spina Bifida).

وقالت غدير باقر والدة علي أنها تستخدم الأجهزة الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل يومي وباستمرار لنشر الوعي حول حالة طفلها وكيفية التعامل مع هذا المرض إضافة الى تهيئة الأم الحامل التي تم تشخيص جنينها بهذا المرض للتكيف والتعامل مع تداعياته.

وأضافت باقر أنها ومنذ انشائها لصفحة للتوعية بهذا المرض تعرفت على الكثير من أولياء الأمور والمصابين بالمرض وتواصلت معهم في مناسبات عدة وشكلت “جماعة دعم ومساندة” لخدمة بعضهم البعض.

وأوضحت “بالنسبة لعلي حتى عمر السنة ونصف السنة لم أعرضه للأجهزة الذكية ببساطة لأنه ليس بحاجة لها وعوضا عن ذلك فهو مهتم جدا بالسيارات ويحفظ تقريبا أسماء جميع السيارات والشاحنات باللغتين العربية والانجليزية ويحب الحيوانات وخصوصا الديناصورات واليوم في عمر السنتين ونصف السنة يجد علي متعته في اللعب بالصلصال وصنع الأشكال الهندسية منه وتسميتها”.

وقالت إنها ورغم ذلك كانت هناك مراحل مهمة من رحلة علاج علي احتاجت أن تستخدم الأجهزة الذكية معه مثلا حين أرادت أن تريه صورا ومقاطع فيديو لأطفال مصابين بنفس المرض وهم يستخدمون الكرسي المتحرك و(المشاية) أو يتناولون أدويتهم من أجل تهيئته وتخفيف الأمر عليه واشعاره بأنه ليس وحده فيما يمر به بل هناك العديد من الأطفال حول العالم يعيشون مثله ويستخدمون ما يستخدمه وأنه ليس مختلفا عنهم.

وتابعت “لكني لا أفكر أبدا في استخدام هذه الأجهزة من أجل تسلية علي أو الترفيه عنه فأنا أفضل أن يقضي علي وقته في اللعب الحقيقي وتبادل الحديث مع افراد الأسرة وتنمية مهاراته العقلية والعضلية بدلا من التسمر أمام شاشة ما”.

وأوضحت باقر ان الأجهزة الذكية ومواقع التواصل “تمثل بالنسبة لي نافذة لمشاركة خبراتي والاستفادة من خبرات الاخرين”.

من جانبه قال استشاري طب وطوارئ الأطفال الدكتور عبدالله شمساه أنه لاحظ خلال عمله اليومي في المستشفى والعيادة ازديادا في حالات صعوبات التعلم وتأخر النطق وعدم التركيز والعزلة والسمنة والخمول والعصبية وغيرها من المشاكل الدراسية والنفسية والصحية وانتشار السلوكيات غير السوية بين الأطفال معزيا هذه المشاكل الى ادمان هؤلاء الأطفال على استخدام الأجهزة الذكية إضافة الى الاستخدام السلبي لهذه الأجهزة.

واضاف أنه فكر بإقامة ندوة مجانية لأولياء الأمور لتوعيتهم وتحذيرهم من هذه المخاطر والعمل على طرح حلول لها وبادر إلى عرض هذه الفكرة في صفحاته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي ليفاجأ بتجاوب ضخم من متابعيه الذين ابدى العديد منهم استعداده للتطوع والمساعدة في تقديم هذه الندوة وتقديم المزيد من النصائح والمعلومات المتخصصة في مجالات عديدة كالآثار النفسية والاجتماعية واضطرابات النطق.

وقال إن الفكرة تطورت وتبلورت بعد اجتماع المتطوعين الأول معه لتتعدى مجرد كونها ندوة توعوية تقام لمرة واحدة فقط ولتصبح حملة متكاملة تحت عنوان (حملة وقت بلا أجهزة device free time) تعمل وفق خطط مدروسة وبمساهمة من كفاءات لمجموعة من الأطباء والاختصاصيين والفنيين والاداريين وأولياء الأمور المهتمين بهذا الشأن ولديهم الرغبة على العمل سويا من أجل التوعية.

واضاف أن الحملة هي حملة تطوعية توعوية تسعى لتوعية أولياء الأمور والمربين والأطفال بأضرار ومخاطر الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية وتأثيرها على الأسرة والطفل وحثهم على تقنين وقت استخدام هذه الأجهزة ونشر أفكار لممارسات الاستخدام الإيجابي لها إضافة إلى طرح بدائل وأفكار لقضاء أوقات سعيدة للأسرة بعيدا عن سجن هذه الأجهزة التي باتت تخلق فجوات بين أفراد الأسرة الواحدة والبيت الواحد وتربط جسورا افتراضية بأشخاص يقطنون على بعد آلاف الأميال “ولا نعرف عنهم شيئا”.

واشار الى أن الحملة تسعى لتحقيق التوعية المنشودة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وإقامة الندوات التوعوية وورش العمل والدورات وزيارات للمدارس وجمعيات النفع العام لافتا الى النجاح الذي حققته الحملة في أولى فعالياتها الشهر الماضي والتي تضمنت محاضرات قصيرة لعدد من المختصين وورش عمل للأطفال تعلمهم كيفية الاستمتاع بأوقاتهم بعيدا عن الأجهزة الذكية.

ولعل من أكبر المخاطر وفق ما يراه الباحثون مساهمة التكنولوجيا ووسائلها في انطواء الفرد وكآبته وخمول بعض وظائف الدماغ وزيادة صفات التوحد والانعزالية وقلة التواصل مع الناس.

وتتجدد التساؤلات باستمرار حول كيفية التعامل مع هذا العصر التكنولوجي في الوقت الذي يوسع فيه قاعدة مستخدميه على مستوى العالم بسرعة هائلة.

فمن المهم تمتع الجميع بقدرة معقولة على فهم وادراك كيفية استغلال هذه الأجهزة بالإيجاب من خلال تأصيل استخدام هذه الأجهزة في التعليم وفق اشراف عائلي يوجه الطفل الى الاستخدام الصحيح لهذه الأجهزة في ظل حقيقة علمية مفاها ان الاطفال يستفيدون أكثر من التعامل مع الأشخاص وجها لوجه.

ويبرز هنا ان توجه الأطفال لاستخدام هذه الأجهزة هو انعكاس لاستخدام الوالدين لنفس الأجهزة لذا ينصح بعدم استخدامها أمام الأطفال إلا عند الحاجة وعدم استخدامها كوسيلة لتهدئة الأطفال. (كونا)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock