منال الشطي كويتية بحثت عن معلمتها المصرية 30 عاماً … لتقول لها: «لقد ربيتي أولادي»
إذا كانت للوفاء معنى، وإذا كان هناك واقع حي للقول الشائع في بيت شعر شهير:قم للمعلم ووفه التبجيلاكاد المعلم أن يكون رسولافإن ما فعلته المواطنة منال، هو ذلك المعنى، قولاً وفعلاً. فبعد سنوات طويلة، لم تنسَ الطالبة الكويتية، الصغيرة.. آنذاك، مدرسة اللغة العربية المصرية «الأبلة بهيجة»، التي أخلصت في تدريس المادة لطلابها فحفظوا لها الجميل، إنها المعلمة، التي زرعت في نفس منال قيماً نبيلة وألقت في قلبها بذور الوفاء دون وعي منها.وفي نتيجة طبيعية، حفظت الطالبة تلك الدروس الأخلاقية، وبذلت جهداً كبيراً لتصل إلى معلمتها بعد أكثر من 30 عاماً، حيث تقيم في مصر لا لشيء سوى أن تقدم لها كلمات شكر لما قدمته لها.الطالبة الكويتية، قبل سنوات طويلة، هي الآن القانونية منال سليمان الشطي، وتعمل كبير اختصاصي قانوني، وكانت وقت قربها من مدرستها المصرية بهيجة بيومي السيد علي الدين، تدرس في مدرسة الصابرية المتوسطة «بنات»، في منطقة الصباحية بمحافظة الأحمدي.منال، التي اختارت «الراي» دون غيرها لتكون شاهدة على «لقاء الوفاء» قالت «لم أنسَ تلك المعلمة يوماً، فكل حرف تعلمته منها ترسخ في ذهني، وبدوري حاولت منح ما تعلمت منها لأولادي في دروسي معهم، فكنت أدرس لهم دروس النحو والصرف بتقنية عالية تعلمتها عن معلمتي، فكانوا يتعجبون من مدى قدرتي وبراعتي في اللغة العربية، ويسألونني: من أين لك كل هذه المعلومات؟، فأجيبهم الفضل يرجع إلى معلمتي.. ادعوا لأبله بهيجة، فيرددون ورائي اللهم ارحمها في الدنيا والآخرة، حتى أولادي كان لها فضل في تربيتهم».التقينا مع الباحثة عن الوفاء، حين وصلت بسيارة إلى حي السيدة زينب العريق، بالقرب من وسط القاهرة، وبدأنا معها رحلة الوصول إلى بيت المعلمة المخلصة، ونحن في الطريق إلى البيت. قالت «لن أوفيها حقها بالكلمات، فالأمر لا يقتصر على أولادي، وإنما يمتد لكل كلمة انطقها باللغة العربية بطلاقة وشجاعة، وأنا خلف المنصات ألقي الكلمات والخطابات».وعن رحلة البحث قالت: «منذ فترة رأيتها في منزل أحد الأصدقاء، لم أتمكن من التواصل معها كي أعرف لها عنواناً أو رقم هاتف، فاستمر بحثي عنها، حتى حصلت على رقم هاتفها المصري، وفي أول زيارة إلى القاهرة، هاتفتها، فلم تتذكرني في البداية، ومرت دقائق على الهاتف أحاول فيها تذكيرها بي بسرد مواقف جمعتنا معاً، وعدت بها إلى ذلك اليوم الذي دخلت لمراجعة الوظائف المدرسية، واكتشفت أني قد نسيت إحضارها، فعاقبتني بحرماني من حضور الحصة، وقلت لها ان ما لا تعرفينه أني استمعت لكل كلمة قلتها عبر النافذة التي مكنتني من سماع شرحك، لأني لم استطع حرمان نفسي من الاستماع إليكِ.. وهنا تذكرتني وحصلت على عنوانها وقررت أن أشرف بزيارة خاصة لها».عندما وصلنا إلى بيت المعلمة، انعكست حرارة اللقاء بين الطالبة التي كبرت وأصبحت أماً والمعلمة التي خطت السنوات عليها علاماتها دموعاً، حين ارتمت منال في حضن معلمتها، وتلعثمت الكلمات، ومع هذا سادت الفرحة على وجوه الحضور.وحين جلست تلميذة الأمس إلى جوار معلمتها تدفقت الذكريات حيث قالت منال «أكثر جملة كانت تقولها لي وتكتبها (بارك الله فيك)، فلم يكن الإتقان في العمل وحده، هو ما جعلني أحمل كل هذا الشوق، إنما حثها الدائم لنا على الاخلاق والسلوك المنضبط، فكانت تقول لنا دائما أنا أدرس لكم اللغة العربية بإخلاص لأنها لغة القرآن الكريم، لغة ديننا».وأضافت موجهة حديثها لمعلمتها «لم أر مثلك أبداً، يا معلمتي فنحن نفتقد الآن إلى أمثالك من المعلمين والمعلمات الذين يعلموننا الإخلاص في العمل، والتمسك بالقيم والمثل العليا قبل الدروس المقررة للحفظ».ومن باب رد التحية بمثلها عبرت أبلة بهيجة عن سعادتها بلمسة الوفاء هذه، وقالت لـ (الراي): «حركت منال داخلي كل ما هو جميل، تجاه الكويت وأهلها وطالباتها… جعلتني أشعر بالخير الوفير القابع في قلبها، وسط كل تلك الشرور التي تملأ العالم… لقد أرسل الله إليَّ منال في تلك الظروف الصعبة التي تمر بها منطقتنا ليقول لي إن الخير موجود، ذلك الخير المُتجسد في تلك الفتاة التي أعطتني اليوم درساً في الوفاء».وختمت بالقول «لساني عاجز عن التعبير لما أحدثته مقابلة منال داخلي، لم أكن أعلم أنني تركت كل هذا الأثر داخل قلبها، كنت فقط أقوم بعملي، ولم أشعر أني أقدم لها أكثر من واجبي كمعلمة.. فمنال نموذج نادر جدا في الحياة».انتهى اللقاء سريعاً لكن مع وعد باستمرار التواصل بين الطالبة والمعلمة في كل مرة ستزور فيها مصر.