لماذا لا نعد أطفالنا اليوم ليواجهوا طوفان الإعلام؟
يجب أن نعد النشء للعيش في عالم سلطة الصورة والصوت والكلمة
هكذا تقر منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة أهمية التربية الإعلامية في مؤتمراتها، كما تعتبرها حقًّا من الحقوق الأساسية لكل مواطن، ما جعلها توصي دول العالم بإدخال التربية الإعلامية كمادة رسمية في أنظمتها التعليمية، شأنها شأن التربية البدنية أو التربية الفنية.
أصبح الإعلام شئنا أم أبينا جزءًا أساسيًّا من عالمنا اليوم، فأنت محاط بالأدوات الإعلامية أينما حللت وارتحلت، بدءًا من التلفاز والإنترنت والصحف والمذياع واللوحات الإشهارية وغير ذلك، ما يعطي بدون شك الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة سلطة مؤثرة على قيم الناس ومعتقداتهم وتوجهاتهم وكذا ممارساتهم في مختلف الجوانب، اقتصاديًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا.
من هنا تأتي أهمية التربية الإعلامية في حياة الناس، وخصوصًا الجيل النشء كمشروع حماية وتمكين، يهدف إلى إعداد أفراد الجمهور لفهم الثقافة الإعلامية التي تحيط بهم، وحسن الانتقاء والاختيار منها، وتعلم كيفية التعامل معها، وكذلك المشاركة فيها بصورة فعالة ومؤثرة.
أولًا ماذا نعني بالتربية الإعلامية؟
مهارة التعامل مع الإعلام هي ما نعنيه بالتربية الإعلامية، وقد ظهر هذا المفهوم لأول مرة في العالم في أواخر الستينيات من القرن الماضي بالدول الغربية، حيث كان يهتم الخبراء باستعمال وسائل الاتصال الحديثة والإعلام كوسيلة تعليمية مثلها مثل المدرسة لتحقيق منافع تربوية ملموسة، مستفيدين من أبحاث المؤسسات الاقتصادية والنظم السياسية، التي كانت تستخدم الإعلام لأغراضها التجارية والأيديولوجية دون الاكتراث بمصلحة الجمهور.
وبحلول السبعينيات، حين كان يتوجس الكثير من تداعيات ظهور التلفاز وانتشاره، بدا النظر إلى التربية الإعلامية على أنها تعليم دفاعي ضد الرسائل المزيفة والقيم غير الملائمة التي ينبغي للأطفال والشباب أن يرفضوها، لكن في العقد الأخير مع ظهور الثورة الرقمية تطور مفهوم التربية الإعلامية بحيث لم يعد مشروع دفاع فقط، وإنما مشروع تمكين يهدف إلى تزويد الجيل النشء بالمهارات اللازمة للتعايش مع عصر الإعلام فهمًا واستهلاكًا وإنتاجًا.
تعرف منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) التربية الإعلامية بكون الأخيرة تختص في التعامل مع كل وسائل الإعلام الاتصالي، وتشمل الكلمات والرسوم المطبوعة، والصوت والصور الساكنة والمتحركة، التي يتم تقديمها عن طريق أي نوع من أنواع التقنيات، حيث تمكن أفراد العالم من الوصول إلى فهم لوسائل الإعلام الاتصالية المستخدمة في مجتمعاتهم، والطريقة التي تعمل بها هذه الوسائل، ومن ثم تمكنهم من اكتساب المهارات في استخدامها للتفاهم مع الآخرين.
لماذا التربية الإعلامية ضرورية اليوم؟
قبل ثلاثين عامًا لم تكن هناك حاجة ملحة للتعامل مع الإعلام الذي كان محصورًا في الأدوات الاتصالية التقليدية مثل الصحف والمنشورات، إذاك كان إعلامًا محليًّا محدود التأثير، بخلاف يومنا هذا الذي اجتاحت فيه ثورة الإعلام والمعلوميات والاتصالات العالم، وأصبحت الحاجة إلى الوعي الإعلامي أمرًا ملحًا وعاجلًا، خصوصًا وأننا نعيش في عالم تتجاذبه الصراعات الدينية والأهواء السياسية والمصالح الاقتصادية.
كانت المدرسة والمنزل في البداية هما المصدران الرئيسان لاكتساب المعرفة والقيم التربوية بالنسبة للطفل، أما الآن فقد أحكم الإعلام سيطرته على سكان المعمورة، رجالًا ونساءً، أطفالًا وكبارًا، مربيين ونشئًا، بفضل أسلوبه المبتكر وقدرته على الإبهار وتقنيته المدهشة، متجاوزًا بذلك حدود الزمان والمكان، حتى عادت التربية التقليدية بواسطة الأسرة والمدرسة غير مجدية في عالمنا اليوم، الذي صار الإعلام فيه يملك النصيب الأكبر في التنشئة الاجتماعية، والتأثير والتوجيه، وتربية الصغار والكبار معًا، وما لم يكن الإنسان يملك وعيًا إعلاميًّا فإن التيار الجارف سيكتسحه لا محالة.
بدون الوعي الإعلامي إذن، سيدخل المرء في حال من التخبط والتشتيت والتعصب والجهل، نتيجة التعرض العشوائي للرسائل الإعلامية الهائلة والمتنوعة من قبل وسائل الاتصال التي تحيط بنا من كل جانب، لذلك فمهارة التعامل مع الإعلام هي أمر نحتاجه بشدة طوال حياتنا اليومية، ليس فقط من أجل تشكيل مناعة معرفية نفسية ضد المسممات الإعلامية، وإنما أيضًا من أجل نشر قيم الحوار والديموقراطية والإنسانية، بالإضافة إلى المشاركة الفعالة في توعية المجتمع المحلي والمساهمة في الثقافة العالمية.
ناهيك عن أن التربية الإعلامية هي البذرة الأولى للتعلم الذاتي على مدى الحياة، وهو الأمر الذي أضحى مطلوبًا في عصرنا هذا أكثر من أي وقت مضى.
ما هي المهارات التي يمكن للتربية الإعلامية أن تقدمها للفرد؟
تعمل التربية الإعلامية على تنمية ثلاثة مستويات، المجال العقلي، الذي يتجلى في العمليات العقلية مثل المعرفة والفهم والتذكر والتقويم لمساعد الفرد في فهم طبيعة البيئة الإعلامية وتحليل مضامينها والحكم عليها، أما المجال الثاني فهو يخص العمليات الوجدانية حيث يتعلم المتلقي تذوق المواد الإعلامية متجاوزًا الفهم المجرد، وتلمس اتجاهها والقدرة على الإحساس بالقيم المبطنة بها، وثالثًا المجال السلوكي المرتبط بالممارسة والإتقان والإبداع، حينئذ يصير المتلقي فاعلًا أيضًا في الإعلام عبر الحوار والتعبير عن الذات وإنتاج المواد الإعلامية، هنا يكون المرء صحافيًا مواطنًا.
وتضمن التربية الإعلامية لأفراد المجتمع، حسب منظمة اليونسكو، التعرف على مصادر النصوص الإعلامية، والقدرة على استنباط أهدافها السياسية والاجتماعية والتجارية الثقافية، وكذا معرفة السياق الذي وردت فيه، مثلما تمكن التربية الإعلامية من تحليل المواد الإعلامية وتكوين آراء انتقادية حولها، وفهم وتفسير الرسائل والقيم التي تتسلل من الإعلام إلى الفرد، علاوة على اكتساب مهارات استعمال وسائل الإعلام المناسبة للصغار والشباب من أجل بث قصصهم ورسائلهم الإعلامية إلى الجمهور.
ويقول خبراء الإعلام إن التربية الإعلامية تكسب الفرد مميزات عدة جديرة بالفخر، نذكر منها، مساهمتها في مساعدة المرء على تحصيل مهارات التفكير العليا، مثل مهارة التفكير الناقد والتفكير الإبداعي ومهارة اتخاذ القرار وأيضًا مهارة حل المشكلات، كما تساعد الشباب في تعزيز ثقتهم بأنفسهم من خلال اكتشاف أسرار صناعة الإعلام وإيجادهم استعمال الأدوات الإعلامية تقنية ومهارة، ما يجعلهم مؤثرين وفاعلين في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية وليس فقط مجرد مستهلكين سلبيين للمواد الإعلامية.
وجدير بالذكر أن البلدان المتقدمة مثل كندا وجل الدول الأوروبية تدخل التربية الإعلامية ضمن نظامها التعليمي الرسمي، لتعليم جيلها النشء مهارات التعامل مع الإعلام، ولأجل ذلك الغرض توفر كل المقومات اللازمة للتربية الإعلامية من مناهج تعليمية ومصادر تربوية وأطر مدربة، بعكس دول العالم الثالث، منها الدول العربية، التي لا يتلقى أفرادها أي تكوين أو دعم رسمي يخص هذا النوع من التربية، ما يجعل شعوبها كثيرًا ما تعيش فوضى إعلامية استهلاكًا وإنتاجًا.
في الأخير نقدم لكم هذا الدليل الرائع والمبسط للكاتب الإعلامي فهد بن عبد الله الشميمري، لمن يريد اكتساب مهارات التعامل مع الإعلام، يمكنكم تحميله
المصدر:
ساسة بوست