كن معلماً ذا أثر .. بقلم: شهد الناصر
في مجتمعاتنا الكل ينظر للطالب وإخفاقاته، ويفرض عليه أن يكون وأن يكون دون الانتباه لدور المعلم الذي هو الوسيط بين العلم والطالب من جهة، وبين الطالب وعالمه المليء بالصعوبات والتحديات من جهة أخرى، فالمشكلة أحياناً ليست بالطلبة وإنما بطريقتك معهم، تريد من طلابك الإنجاز دون أن تقترب منهم هذا مستحيل، فهل لك أن تتجرد من متاعب عملك ولو للحظة وتوجه لنفسك السؤال: هل أنا راضي عن نفسي وعن إنجازي كمدرس؟ وما هو مدى نجاحي كمدرس؟
لتحسين طريقتك في التدريس عليك بما يلي:
١- عليك أن يكون لك هدف وخطط ومنهاج سليم تعمل عليه.
٢- لا تنتظر رد فعل إيجابي من أولياء الأمور أو عبارات امتنان أو شكر، فتأثيرك سيرافق طالبك مدى الحياة.
٣- كن مستمعاً لطلابك، فعليك أن تعرف الوقت المناسب لسماع طلابك ومتى تتجاهلهم.
٤- كن إيجابياً، فالروح الإيجابية تنعكس على طلابك لأنك قدوتهم ولاسيما إذا امتزجت إيجابيتك بالحيوية والإبداع ستخلق مزاج من التفاؤل عند طلابك مما يؤدي لتعليم باهر.
٥- ثق بطالبك وتوقع منه الأفضل واشعره بثقتك به لأن ذلك سيحفزه ويصقل قدراته ومواهبه.
٦- عليك بالابتعاد عن الجدية المفرطة لأن ذلك يترك أثر في نفسية طلابك على المدى البعيد ولتكن هناك لحظات من الدعابة، فلا تكن ليناً أو حازماً، فهناك شعرة بين الحزم واللين عليك ألا تقطعها.
٧- اثني على طلابك وشجعهم واعترف بمجهودهم لكن بحدود ما أنجزوه من عمل ودائماً عليك أن تجعلهم يشعرون أنك بحاجة لترى تطورهم وبمقدورهم تقديم مستوى أفضل.
٨- اسع للتجديد وابتكر وسائل جديدة لتغيير جو الملل الذي يمكن أن يسود أحياناً.
٩- انسجم مع نفسك ولا تكن مزاجياً واتخذ قراراتك بذكاء واتزان فلا داعي للتوتر.
١٠- تواصل مع أولياء الأمور بشكل إيجابي وتعاون معهم لتحقيق أهداف مشتركة ولتجاوز الصعوبات التي تعيق مسار التعليم، واجعل الطالب مشترك بهذا التواصل وعلى اطلاع لأن ذلك ينعكس إيجابياً عليه واجعل أهله يعرفون عن مزاياه الجيدة لأن ذلك سيعزز ثقته بك.
١١- استمتع بوقتك أثناء العمل، فلا مكان لك في الفصل إذا لم تكن مؤمن بعملك فعملك هو تعليم مجتمعات بأكملها.
١٢- تكيف مع متطلبات طلابك تقرب منهم وتواصل معهم لتحديد الأفكار والطرق التي ستساعدك وتساعدهم في إنجاز الصعوبات.
١٣- تحاورك مع طلابك وعدم استبدادك برأيك هذا يجعلك تربي فيهم روح احترام الرأي الآخر.
١٤- ساعد طالبك على تجاوز مشاكله العاطفية والاجتماعية، فأنت تتعامل مع شخصية شديدة الحساسية تحتاج للتوجيه والمساعدة لحل المشكلات.
١٥- المتعة في التعليم وخاصة في المراحل الأولى، فاللعب لا يتناقض مع التعليم بل يعتبر وسيلة في حد ذاته ويعطي نتائج مرجوة.
١٦- تعلم وثقف نفسك بكل ما هو جديد من أساليب التعليم الحديثة، وكن منفتح مع الآخر واستفد من ذوي الخبرات وتعاون مع الجميع.
١٧- ضع نفسك بمقعد طالبك وافهم الطالب الذي بداخلك للوصول لمفتاح تلاميذك، فأنت محرك الإنجاز لطالبك وملهمه فعليك أن تفهمه وتحتوي أخطاءه وتقبل منه الخطأ فهو في مرحلة تعليم فمن المستحيل ألا يخطئ.
١٨_عليك أن تعرف قصة هيلين ومعلمتها “آن سوليفان” لتعيد نمط تعليمك فلا يوجد مَثل أروع من “هيلين كيلر” ذات الإعاقة ومعلمتها آن سوليفان، فلا أعرف أيهما أكثر إبداعاً وأعظم قدرة على الإنجاز “هيلين كيلر” معجزة التحدي الإنساني أم معلمتها “آن سوليفان” صاحبة الإصرار والصبر والمثابرة والبصيرة!
لقد أبهرني دور المعلمة “آن سوليفان” ذات العشرين عاماً، فبالرغم من صغر سنها استطاعت التقرب من هيلين كيلر ذات السبع سنوات الفاقدة لحواسها الثلاث، فلقد استمرت كرفيقة وموجهه ودامت رفقتهما ٤٩عاماً، كانت رفقة إنجاز وإبداع وتحدي وإخلاص ومحبة.
لم تكن آن سوليفان مجرد معلمة، بل هي رمز للمجال التعليمي والتربوي بأخلاقها وصبرها وحزمها في تربية وتعليم هيلين:
أ- لقد استقلت بالمعيشة مع هيلين كيلر في بيت صغير في حديقة القصر وأبعدتها بذلك عن اللهو والدلال ليكن لها عالمها الخاص الذي تجد فيه روحها وتكتشف ذاتها وملكاتها الفكرية، وفي هذا رسالة تربوية لنا بأن نبعد الطالب عن كل ما يلهيه وخلق جو تعليمي جذاب ومشجع لزيادة التركيز عند الطالب.
ب- قامت بتعليم هيلين الكتابة بطريقة الإحساس بكفها، بحيث تعلمت كتابة الحروف على طمي (وحل) الحديقة ثم على الورق ثم تميزت هيلين بخط جميل ثم علمتها النطق، فكانت تضع يدها على حنجرتها لتشعر باهتزاز صوتها وتجعلها تحس بتعابير وجهها، لقد صبرت آن سوليفان كثيراً، مما أعطى هيلين الإصرار بالرغم من إعاقتها.
هذه المعلمة أعطت درساً في تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، فالكثير ينظر لعجزهم دون أن يعرف أننا العاجزن بتفكيرنا، فالعجز ليس بالجسد، وإنما هو عجز فكر، عجز إصرار، عجز مثابرة.
ج- قامت آن سوليفان بتعليم هيلين الجغرافيا ورسم الخرائط على طمي الحديقة، وعلمتها علم النبات في أثناء تجولها اليومي بحديقة القصر وجعلتها تلمس بيدها وتتحسس كل شيء، وبذلك أعطتنا درساً بضرورة الابتعاد عن التعليم المحدود النظري في الصفوف وإنما علينا اتباع التعليم العملي للطالب ليخرج من نطاق المعلومات النظرية المتكدسة وحشو المعلومات الممل.
د- لقد درست هيلين العلوم والنحو واللغة الانجليزية والألمانية واللاتينية واليونانية، فكانت معلمتها بجوارها تنقل لها بأصابعها مايقوله أساتذ القاعة، وبذلك أشعرتها بدعمها نفسياً، فالدعم النفسي للطالب يجعله أكثر نشاطاً وتقبلاً للتعليم.
هـ- لقد احتوت أخطائها وصبرت عليها مما يجعلنا ننتبه إلى ضرورة إتاحة الفرصة للطالب في التعبير عن نفسه وذاته، وأن نتقبل خطأه ونعطيه الفرصة للمحاولة والتجربة.
و- كانت آن سوليفان معلمة بكل معنى الكلمة، فلقد قطعت مع هيلين رحلة شاقة من المثابرة وبذلك تخرجت هيلين وحصلت على بكالوريوس العلوم في سن الرابعة والعشرين، ثم حصلت على الدكتوراه في العلوم والفلسفة.
ي- لم تنسى هيلين دور معلمتها التي دعمتها وخلدت اسم المعلمة آن سوليفان في كتاب (Teacher) حيث قالت فيه:
“كم هي قريبة إلى نفسي (معلمتي) لدرجة أنني نادراً ما أفكر في نفسي بمعزل عنها، لا أدري فيما إذا كان استمتاعي بجمال الأشياء من حولي يعود في أغلبه إلى الأمر الفطري لدي، أم بسبب تأثير معلمتي، وأشعر أن وجودها لا يمكن فصله عن وجودي، أفضل ماعندي ينتمي إليها، ولا توجد في داخلي موهبة أو أمنية أو متعة إلا أيقظتها بلمستها الحانية”.
هذه هيلين كيلر لم تنسى فضل معلمتها ومن أخذت بيدها إلى النور، فكم من آن سوليفان أشعلوا نجوم في سماء المجتمع وتواروا في ظلام النسيان.
فشكراً لمعلمي الذي ألهمني للكتابة، شكرآ لمن صقل شخصيتي، لمن جعلني أرى أفكاري بشفافية، لمن احتوى أخطائي ولم يمل من عثراتي، لمن أعطاني فرصة المحاولة والتجربة، شكراً لمن آمن بقدرتي على الإنجاز، فله ومن أجله سأنجز.
بقلم:
م. شهد الناصر