فنلندا التي تصدرت المؤشرات العالمية بـ2016.. تمنح عاطليها 585 دولار شهريًا في 2017
قررت الحكومة الفنلندية منح ألفي عاطل عن العمل في بلادها 585 دولارًا راتبًا شهريًا بلا شروط، وهو قرار غير مسبوق عالميًا، ويعطي ملمحًا أكثر رفاهية لدولة تصدرت الكثير من المؤشرات العالمية لعامي 2016، و2015.
ماهية القرار وأسبابه
في سابقة هي الأولى من نوعها عالميًا، قررت الحكومة الفنلندية، منح عاطلين من مواطنيها راتبًا أساسيًا شهريًا بلا شروط لمدة عامين بدايةً من العام الجديد 2017، ويبلغ قيمة الراتب الشهري الأساسي 560 يورو (أي 585 دولارًا) ، وستمنح الحكومة ذلك الراتب لألفي عاطل، يُختارون بشكل عشوائي ولن يُخيروا بين المشاركة في تلك التجربة أو عدمها، ولكنهم سيحصلون تلقائيًا على الراتب الأساسي كل شهر.
ولن تطلب الحكومة من هؤلاء العاطلين ما يُثبت أنهم يبحثون عن عمل، وستصرف الراتب الشهري بصرف النظر عن أي دخل يتلقاه هؤلاء الأشخاص من مصادر أخرى، وبلغت نسبة البطالة في فنلندا في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي 8.2%، بوجود 213 ألف عاطل في فنلندا.
وتستهدف الحكومة الفنلندية من ذلك النظام، تحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص عمل جديدة، وخفض نسبة البطالة، وتسعى فنلندا من خلال هذه التجربة إلى دراسة مدى إمكانية أن تساعد تلك السياسة العاطلين المتلقين للراتب على إيجاد عمل لهم في ظل شعورهم بالأمان المالي نتيجة تلقيهم الراتب الشهري الأساسي، بدلًا من تطبيق نظام إعانة البطالة المؤقتة، وإذا نجحت التجربة تلك في مساعدة العاطلين على إيجاد فرصة عمل، فقد تمنح الحكومة ذلك الراتب لمزيد من الفنلنديين.
فنلندا اعتادت أن تكون الأقوى في التعليم عالميًا
ويبدو من هذا القرار أن الحكومة تحاول مساعدة العاطلين الفنلنديين الذين تخرجوا في التعليم الأقوى عالميًا، ولم يجدوا عملًا مناسبًا، وبذلك لا يتوقف دعم الحكومة الفنلندية لمواطنيها على تقديم التعليم الأقوى عالميًا، وإنما تسعى لاستمرار الدعم للعاطلين الذين قابلهم الحظ السيء بعد ذلك، ولم يجدوا بعد فرصة عمل.
واعتادت فنلندا أن تتصدر دول العالم في التعليم، إذ حافظت على صدارتها في المؤشر العالمي للتعليم وفقًا لتقارير التنافسية العالمية لعام 2016، وهي صدارة احتلتها فنلندا أيضًا في عامي 2015، و2014. وترجع أسباب قوة فنلندا تعليميًا إلى عدة أسباب من أبرزها:
احترام التعليم باعتباره جزءًا من الهوية الفنلندية، وصعوبة الوصول لمهنة المدرس، واعتماد ساعات عمل أقل وراحة أكثر، والمساواة بين الطلاب وعدم الفصل بينهم على أساس مستواهم التعليمي، وشدة الارتباط بين الطالب والمدرس.
اقرأ أيضًا: 7أسباب جعلت فنلندا أقوى دولة في التعليم عالميًّا
فنلندا تتصدر العديد من المؤشرات العالمية
لا يتوقف التميز الفنلندي على التعليم فقط، إذ تصدرت تلك الدولة الإسكندنافية الصغيرة، العديد من المؤشرات العالمية لعامي 2016، و2015.
فتصدرت فنلندا مؤشر حرية الصحافة، الذي أصدرته منظمة مراسلون بلا حدود لعام 2016، ويعتمد هذا المؤشر في معاييره على تعددية الإعلام واستقلاليته وبيئته وإطاره القانوني والشفافية وجودة البنية التحتية، وانعدام الانتهاكات التي تمارس ضد الصحافيين.
كما تصدرت فنلندا مؤشر التقدم الاجتماعي العالمي لعام 2016، والذي يعتمد في معاييره على مدى توافر الاحتياجات الإنسانية الأساسية: من تغذية ورعاية ومياه وصرف صحي، وسكن ومأوى، وأمان شخصي. وأساسيات الرفاهية: من إتاحة إمكانية الوصول للمعرفة، وإتاحة الوصول للمعلومات والاتصالات، وصحة وجودة البيئة، والفرصة: ويندرج تحتها عناصر الحقوق الشخصية، والحرية الشخصية والاختيار، والتسامح والاندماج، وإمكانية الوصول لتعليم متقدم.
وتصدرت فنلندا أيضًا، مؤشر الأمان العالمي، الذي أصدره تقرير التنافسية العالمية لعام 2015، والذي يعتمد في معاييره على: «تكاليف أعمال الجريمة والعنف»، و«تكاليف أعمال الإرهاب»، و«معدلات الإصابة بالإرهاب»، و«معدلات القتل»، و«موثوقية جهاز الشرطة ومدى قدرته على توفير الحماية من الجريمة».
فيما تذيلت فنلندا مؤشر الهشاشة العالمي، لعام 2016، والذي يعتمد في معاييره على: الضغوط الديموغرافية، واللاجئين والمشردين داخليًا، والتنمية الاقتصادية المتفاوتة، والمظالم الجماعية، وهجرة الأكفاء خارج الدولة. والفقر والهبوط الاقتصادي، وشرعية الدولة، والخدمات العامة، وحقوق الإنسان ودور القانون، والأجهزة الأمنية، وانقسام النخب، والتدخل الخارجي، وبذلك فوفقًا للمؤشر فإن فنلندا الأقل هشاشة عالميًا.
السويسريون رفضوا 2560 دولارًا شهريًا بلا شروط!
مع أن فنلندا هي أول دولة تطبق نظام الدخل الشهر الثابت بلا شروط، فلم تكن فنلندا هي أول دولة يُطرح فيها نظام كهذا، ففي العام الحالي أيضًا طُرح للاستفتاء الشعبي في سويسرا نظام يسمح للسويسريين بالحصول على دخل شهري ثابت يبلغ 2500 فرانك سويسري (25600 دولارًا تقريبًا) ، وجاءت نتيجة الاستفتاء الذي جرى في الخامس من يونيو (حزيران) الماضي، برفض هذا النظام بأغلبية كبيرة، إذ بلغت نسبة الرفض الشعبي 76.9% فيما بلغت نسبة القبول 23.1%.
وكان قد تقدم بالمبادرة مجموعة من المواطنين السويسريين، الذين لا ينتمون إلى أي حزب سياسي، بمبادرة جاءت تحت عنوان «من أجل دخل أساسي غير مشروط». وتقترح المبادرة تخصيص الحكومة السويسرية راتبًا شهريًا لكل السويسريين والأجانب المقيمين منذ أكثر من خمسة أعوام من العاملين، وغير العاملين، ومن البالغين، والقُصر.
واقترح أصحاب المبادرة آنذاك، أن يكون حجم ذلك الراتب الشهري 2500 فرانك سويسري (2560 دولارًا تقريبًا) لكل بالغ، وهو مبلغ لا يُعد كافيًا في سويسرا، وكذلك ما يعادل 740 دولارًا لكل قاصر. ويحتاج هذا الإجراء، إذا ما طبقته الحكومة السويسرية، إلى ميزانية إضافية تبلغ حوالي 25 مليار فرانك سويسري (25.6 مليار دولار) تقريبًا. وهو ما يُعادل حوالي 35% من إجمالي الناتج المحلي في سويسرا.
وتتبلور طريقة عمل المبادرة، وآلية تمويلها، وفقًا لأصحابها، على قاعدة أن عديم الدخل يتلقى الدخل الأساسي غير المشروط، وكذا يتلقى من له دخل. ولكن الأخير يُخصم منه مبلغ – لا يزيد عن قيمة الدخل الأساسي نفسه – لتمويل خزينة الدخل الأساسي.
ولمزيد من التوضيح، فإذا افترضنا أن قيمة الدخل الأساسي غير المشروط هي 2500 فرنك، فإن الشخص عديم الدخل، يتلقى 2500 فرانك شهريًا. أما الشخص الذي يتقاضى مثلًا ألف فرانك شهريًا، فإن النظام يمنحه 1500 فرانك آخرين، والشخص الذي يتقاضى 2500 راتبًا شهريًا يظل دخله كما هو، دون زيادة أو نقصان.
والشخص الذي يزيد راتبه الشهري عن قيمة الدخل الأساسي (2500 فرانك سويسري)، ببلوغه مثلًا خمسة آلاف فرانك، يُخصم نصف راتبه لتمويل نظام الدخل الأساسي غير المشروط، ويتبقى النصف الآخر له، على أن تصرف له الحكومة «الفيدرالية» أيضًا 2500فرانك سويسري، الذي يمثل حقه في الدخل الأساسي غير المشروط.
وقد رفضت المبادرة في النهاية، وارتكزت أسباب الرفض بشكل أساسي على المخاوف من تغيير النظام الاجتماعي بشكل غير مضمون. ذلك بالإضافة إلى صعوبة تمويل تلك المبادرة، والقلق من انخفاض قيمة العمل، وانخفاض القيمة الشرائية. وكذا التخوف من زيادة عمليات الهجرة إلى سويسرا، ولا يبدو أمر رفض مبادرة كهذه «غريبًا» على السويسريين؛ الذين رفضوا منذ أربعة أعوام، مبادرة شعبية كانت تستهدف زيادة أسابيع العطلة السنوية مدفوعة الأجر، من أربعة أسابيع إلى ستة أسابيع؛ خوفًا من تراجع قدرتهم التنافسية عالميًا.
المصدر: ساسة بوست