كلية القانون الكويتية العالمية تناقش الحماية القانونية والجنائية الدولية للتراث الثقافي والحضاري الإنساني
في إطار نشاطها الثقافي والأكاديمي المستمر، نظمت كلية القانون الكويتية العالمية بعد ظهر يوم الإثنين 28 نوفمبر محاضرة قدمها عضو هيئة التدريس فيها وعضو المحكمة الجنائية الدولية والخبير الدولي الأستاذ الدكتور هادي شلوف، وخصصت للتعليق على حكم حديث للمحكمة الجنائية الدولية يؤكد الحماية القانونية الدولية للمباني التراثية والدينية والثقافية في مواجهة المخاطر والاعتداءات التي ترتكبها بعض الجهات والأطراف، مما يشكل سابقة قضائية ستكون لها آثار على مستوى القضاء الجنائي الدولي وكذلك على مستوى القضاء الجنائي الوطني أيضا.
وقد أوضح الدكتور شلوف أن هذا الحكم، الذي صدر نهاية سبتمبر من العام الجاري، يعد تطورا مهما في الاجتهاد القضائي الجنائي الدولي، وهو يكتسب أهمية حيوية للمجتمع الإنساني عامة وبالنسبة للعرب والمسلمين خاصة، الذين تتعرض مقدساتهم وآثارهم للتدمير الممنهج والمستمر، سواء أكان ذلك بسبب الاحتلال كما هو الحال في فلسطين، أو بسبب جماعات التطرف والتشدد أو الاعتداءات والحروب الدولية، كما هو الحال في العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان ومالي، مشيرا إلى أن منظمة الأمم المتحدة للثقافة والتربية والعلوم (اليونيسكو) سارعت فور صدوره إلى تنظيم مؤتمر دولي لتدارس أبعاد هذا الحكم فيما يتعلق بتوفير مزيد من الحماية للتراث والثقافة الإنسانية، كما أن جامعة نيوساوث ويلز الاسترالية الحكومية نظمت مؤتمرا علميا بشأن ذلك بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية والصليب الأحمر الأسترالي واليونيسكو.
وفي محاضرته، التي شارك بها عدد من كبار أعضاء هيئة التدريس في الكلية إلى جانب الطلبة، قال الأستاذ الدكتور شلوف أن الحكم، الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية بعد نحو عام من المداولات، يتعلق بدعوى مرفوعة من جمعيات مجتمع مدني، ضد مواطن من دولة مالي الإفريقية يدعى (احمد الفقي المهدي) وآخرين، متهمين بارتكاب جرائم حرب تتعلق بتحطيم عشر مباني دينية وثقافية، من بينها تسعة اعتبرتها منظمة (اليونيسكو) تراثا إنسانيا عالميا. وأضاف د. شلوف أن المحكمة انتهت في النهاية بإدانة المتهم الرئيسي وقضت بسجنه تسع سنوات وذلك بعد اتفاق بين هذا الأخير والنيابة العامة يقضي باعترافه بالجرائم المرتكبة في مقابل تخفيف العقوبة، معتبرا أن هذا الحكم تاريخي بأتم معنى الكلمة، لأنه يؤكد اتجاه المجتمع الدولي ومؤسساته القانونية (المحكمة الجنائية الدولية واحدة منها) لحماية المباني والآثار التي تحمل قيمة دينية وحضارية وثقافية إنسانية، كما يؤكد الشراكة القائمة بين هذه المؤسسات وبين منظمات المجتمع المدني، وهو ما يتوجب على المؤسسات العربية والإسلامية استثماره فيما يتعلق بالقضايا والحقوق العربية والإسلامية.
وشدد د. شلوف على أن المحكمة الجنائية الدولية ما كان لها أن تصدر هذا الحكم، لولا أن دولة مالي كانت عضوا في الاتفاقية المنشئة للمحكمة وسبق لها التصديق على وثائقها، داعيا في هذا الإطار الدول العربية والإسلامية إلى الانضمام إلى المحكمة الجنائية والاستفادة من المنافع والايجابيات التي تحققها العضوية فيها، وأشاد في هذا الإطار بخطوة السلطة الفلسطينية التي بدأت منذ فترة خطوات جدية للانضمام، لأنها ستزيد من الضغوط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي تواصل انتهاكاتها وجرائمها بحق الإنسان الفلسطيني وحقوقه ومقدساته، لكن الخبير الدولي الجنائي والعضو المؤسس في المحكمة الجنائية الدولية أشار إلى أن صلاحيات المحكمة محدودة في عدة مجالات، مما يجعلها عاجزة عن النظر في كثير من القضايا والمظالم التي يتعرض لها العرب والمسلمون، وذلك لارتباط تحريك القضايا بالعضوية أو بالإحالة من مجلس الأمن الدولي، الذي يتكون كما هو معروف من الدول الخمس الكبرى (أمريكا، بريطانيا، فرنسا، الصين وروسيا)، والتي تمتلك حق النقض (الفيتو)، مما يشكل عائقا حقيقيا مثلا أمام إحالة جرائم إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو إحالة جرائم نظام ميانمار ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) وغيرها.
وسجل د. شلوف أن بعض الدول الكبرى سارعت إلى سحب توقيعها على الاتفاقية المنشئة للمحكمة خوفا من انطباق أحكامها على الأعمال التي تقوم بها في مناطق كثيرة من العالم، مما يعكس جدية وموضوعية أعمال المحكمة، مشيرا في هذا الإطار إلى قضية دارفور السودانية التي بحثتها المحكمة على مدى سنوات، وانتهت فيها المحكمة الى اتخاذ قرارات حاسمة لحماية الضحايا الذين يقدرون بمئات الآلاف، لكنها لم تجد سبيلها للتنفيذ بسبب افتقاد الجهاز التنفيذي وهشاشة وتلاعب المجتمع الدولي. وقد أعقب المحاضرة نقاش شارك به عدد من أعضاء هيئة التدريس حول المسؤولية الجنائية الدولية وسبل تعزيز حماية التراث والثقافة والحضارة الإنسانية.