أخبار منوعة

حسن بهواشي يكتب:مجانية التعليم.. بساطٌ يُسحب من تحت أقدامنا

11025340_919383378093023_138667800_o-200x200منذ عدة أيام رأينا بيانًا لطلاب جامعة القاهرة وقعت عليه خمسة كيانات طلابية يستنكر زيادة مصروفات الدراسة الصيفية في عدة كليات، وقد ورد في البيان كلمات تصف ما يحدث بأنه انتهاكًا لمبدأ مجانية التعليم وزيادة في العبء المادي الذي أنقض ظهر الطلاب وأسرهم.فقد ارتفعت مصاريف الدراسة الصيفية للمادة الواحدة بنسب وصلت إلى ٧٠٪ وبعض الكليات زادت بنسب كبيرة كانت صادمة فقد أصبحت مصاريف المادة في الدراسة الصيفية في كلية الطب البيطري في جامعة القاهرة أكثر من ألف جنيه للمادة الواحدة! ومن ناحية أخرى فقد طالت الزيادات المادية في العام الماضي مصاريف المدن الجامعية لتصبح ١٦٥ جنيه بعد أن كانت ٦٥ جنيهًا شهريًا.وإذا سألت أحد أصحاب القرار قد يجيبك بأن هذه الزيادات قد تساهم في تطوير الخدمة وتحسينها ولكن لا تطوير تم ولا تحسُّن يُرى. وفي العام الماضي خرج الدكتور (طارق شوقي) رئيس المجلس الاستشاري لشؤون التعليم والبحث العلمي الذي أمر بتشكيله عبد الفتاح السيسي عقب توليه رئاسة الجمهورية، خرج إلينا بحزمة مقترحات كان أبرزها المقترحات الخاصة بتقليل حجم الإنفاق الحكومي على دعم التعليم الجامعي من خلال ربطه بالدرجات التي يحصل عليها الطالب حيث تتكفل الدولة بدفع المصاريف كاملة للحاصلين على ٧٠٪ وأكثر من مجموع الدرجات، بينما يتم إجبار الطلاب الحاصلين على أقل من هذه النسبة على دفع جزء من المصاريف، أما الراسبون فيدفعون المصاريف كاملة. وقال الدكتور (شوقي) أن التعليم المجاني كحق مكتسب آن له أن ينتهي.كانت تلك بعض الملامح لخطوات فعلية تجاه إلغاء مجانية التعليم بشكل عملي، ودليلًا على عزم صناع القرار على إلغائها ولكن متى يكون ذلك التنفيذ القاسم للظهور وكيف يكون في بلد ٤٠٪ من شعبه تحت خط الفقر فإذا لم تؤخذ تلك النسبة الكبيرة في الاعتبار وحُصِرت فرصة التعليم الجامعي على المقتدرين ماديًا، فإن الفقر سيجد له منافسًا شرسًا وهو الجهل، ذلك الوحش الضاري الذي سيهلك الحرث والنسل إذا لم يُقيّد. وبالنظر لدولة كألمانيا نجد مجانية التعليم الجامعي تشمل كل جامعاتها ومع ذلك لم تتأثر جودة التعليم لديها، فقد كانت فطنة الإدارة الألمانية بأن مجانية التعليم الجامعي تعود بالنفع الكبير على المجتمع كله سببًا في إصرارهم على المضي نحو مجانية التعليم.ولماذا تتحمل الحكومة الألمانية هذا العبء الثقيل إذًا؟إن هذه السياسات تدل على إيمان كبير بأن فرض مصاريف جامعية لا يحقق عدالة اجتماعية، لأن ذلك يستثني غير القادرين من الطلاب المنحدرين من عائلات فقيرة، وتجسيد عملي لمبدأ أن التعليم حق من حقوق الإنسان.هذا التوجه بالتأكيد ليس نوعًا من الترف، فالطالب الذي يحصل على شهادة جامعية بمستوى تعليم جيد يعود بالنفع على نفسه ووطنه. وما أحوج أوطاننا للعلماء والمتعلمين. ومن جهة أخرى نرى في الولايات المتحدة الأمريكية مثلًا المصاريف الجامعية الباهظة وتنامٍ للقروض الطلابية بشكل كبير لتصل إلى مليار دولار.ولكن إنفاق هذه التكاليف على دراسة جامعية هي الأفضل في العالم يفتح أمام صاحبه مسارات التوظيف بشكل يُمكّن الدارس من تغطية تكاليف دراسته في فترة وجيزة بعد التخرج. كما أن التسهيلات في الحصول على فرص عمل بدوام جزئي بمعايير تضمن للطالب أجرًا عادلًا قد يساعد بشكل ما على تغطية جزء من مصاريف دراسته.لكن أين نحن من نظام تعليم جامعي هو الأفضل عالميًا؟! كل ما اتُخذ من خطوات من شأنها تطوير التعليم العالي تحولت إلى أنظمة تعامل الطالب كزبون في مشاريع استثمارية تدر الأموال من معاهد وجامعات خاصة وأقسام ذات مصاريف عالية في الجامعات الحكومية.ولكن السؤال هنا هو: لماذا دائمًا الطالب وبالأخص الفقير يعتبر هو العبء الكبير الذي يُنظر إليه بعين الملل؟! لماذا يُحمّل الطلبة دائمًا عواقب إخفاقات الاقتصاد وتخلف المنظومة التعليمية؟!يُنظر للطالب كأنه العقدة الأساسية في نظام تعليمي متهالك ودولة اقتصادها متعثر. وكأن الحل السحري للنهوض بالتعليم لن يأتي إلا بتحميل الطالب ما لا يُطاق من مصاريف على دراسة جامعية الكل يعرف ماهيتها وموضعها بالنسبة لغيرها عالميًا. ولكن هذا لا يعني أننا ضد فكرة كفكرة المجلس الاستشاري التي ذكرناها، بل نحن نرحب بكل فكرة عادلة مُخطط لها ويؤخذ في الاعتبار معها مستوى المعيشة المتدني الذي وصلت إليه غالبية الأسر. لا مانع من التدرج في إلغاء مجانية التعليم ولكن نريد أيضًا اندفاعًا حقيقيًا في قاطرات التقدم الاقتصادي والرقي المعيشي والخدمي للمواطنين كما هو الحال في قاطرات تقليل الإنفاق الحكومي على دعم التعليم الجامعي.نتمنى نظامًا اقتصاديًا وقانونيًا ومعايير ترعاها الدولة، تسهل على الطلاب الحصول على فرص عمل بدوام جزئي كما هو الحال في الولايات المتحدة بشكل يضمن للطالب حقه المادي والمعنوي من صاحب العمل. ففي الولايات المتحدة نجد نسبة كبيرة من المتاجر الضخمة والمطاعم والشركات تسهل طرق التقدم للعمل فيها عن طريق الإنترنت أو عن طريق تخصيص أجهزة كمبيوتر في مكان العمل يجلس المتقدم ويكمل استمارة التقديم.وقانون العمل الأمريكي يضبط الحد الأدنى للأجور بما يحفظ حقوق العاملين. أما في بلادنا فلا قانون يُنظِم ولا عمل يُنَظّم. بالإضافة إلى أن الحكومة الفيدرالية والجامعات كذلك تمنح قروضًا طلابية، وبالنسبة للطلبة الذين ينتمون لعائلات من أصحاب الدخل المنخفض تمنحهم الجامعة منحة (لا تُرَد). نعود مرة أخرى لبلادنا التي هي في أمسّ الحاجة لكل عقل مفكر ومنتج، فلماذا نحرمها من عقول الفقراء؟! وكما نسمع ونرى في وسائل الإعلام من دعاوي تطالب بإلغاء الدعم عن الجامعات، وجعلها فقط للمقتدرين وقول أحد الإعلاميين بأن الطالب عليه أن يعمل ويجتهد لكي يوفر مصاريفه الدراسية كما يحدث في أوروبا وأمريكا!فإن آذاننا تتوق لسماع نداءات للحكومة بتوفير فرص عمل للطلبة داخل الحرم الجامعي كما يحدث في جامعات الولايات المتحدة. سؤال آخر يُطرح: ألم يدفع المواطن تكاليف التعليم مرة في الضرائب ومرة في شراء مستلزمات الدراسة وتكاليف الحياة الدراسية؟!وأخيرًا، نتمنى ألا تكون أفكار التدرج في إلغاء مجانية التعليم الجامعي من باب الاستسهال، ونأمل أن تصدر بعد اتخاذ نسبة الفقر في الحسبان وبعد الاطلاع على أحوال الشعب المصري. ولننظر كيف كان الشعب قبل أن تثمر ثورة يوليو بمجانية التعليم الجامعي ولكن الشعب المصري حينها أكل منها فرِحًا شاكرًا، ولم يقل أحد نريد مما تُنبت الأرض في الولايات المتحدة من مصاريف التعليم الجامعي الباهظة.ولكن اليوم تتحدث أفواه غير مطلعة لا على صعوبة معيشة ولا على حق دستوري بمجانية التعليم، يريدون استبدال الذي هو أصعب وأكثر مشقة وأكبر خسارة للوطن بالذي هو خير المصدر : ساسة بوست


займ на карту быстро

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock