كتاب أكاديميا

“تيه المناهج .. ومناهج التيه .” بقلم د.مريم فرحان العنزي

عاقب الله بني إسرائيل بالتيه أربعين سنة جرّاء تخليهم ومخالفتهم لأمر نبي الله موسى عليه السلام والمتأمل بالتيه يجده عملية إصلاحية على شكل عقوبة هادفة لإصلاح نفوس بني إسرائيل وتهذيبهم .. ولكن السؤال لماذا أربعون سنة بالتحديد .؟!
‏يستند ابن خلدون على قول النبي الكريم “أن أعمار أمتي بين الستين والسبعين ” في تحديد مقدار الجيل وأنه على أرجح قول أربعين سنة ، تتعاقب هذه الأجيال تتعدد وتتجدد وتتنوع ‏ما بين جيل باني وجيل جاني وثالث مستهلك وآخر متطفل وفق ما يبني التعليم ويخرّج من أجيال تتوالى متعاقبة . 
‏وأنا هنا أتساءل .. في ظل الفوضى العارمة التي تعيشها وزارة التربية فيما ألقاه البنك الدولي على عاتق التواجيه الفنية والمعلمين من نقلة شاسعة البون في المناهج وأساليب الأداء .. الأجيال في تيه المناهج إلى أين ؟؟!
‏ولست هنا بصدد نقد المنهج أو أساليب الأداء سواء في الكفايات أو حتى توطين التدريب كوني مؤمنة أن الإنسان عدو ما يجهل ومن حق هذا النقلة أن تأخذ وقتها من المعرفة والدراية والممارسة والتجريب والقياس .. لكن ليس بهذا الشكل ..؟!
شعور التيه الذي يفرضه التغير المتوالي للمناهج يُفقد الميدان الاستقرار ومعه المعلمين والمعلمات في تذبذب من منهج “حمد قلم” إلى منهج “آكل وأشرب” و منهج “سالم وعبير” ثم منهج “أمل فراشة” وصولا إلى منهج “أنا حمد” كل هذا في خمس وعشرون عاما علما بأن المنهج السابق لم يستمر عشر سنوات فلا قياس للتجربة لا تقييم ولا تقويم .. فبالكاد يتعرف المعلم على المنهج حتى يتبدل كما تتبدل السلع والموضة !!

ولا أعلم مع هذا التبدل أي جيل ننشد بعد أربعين عاما !؟

فهل يعي من وضع أي منهج سابق أن للمنهج أهداف بعيدة المدى ؟ وهل تم قياسها؟ 

ولأي هدف معدم تقودنا تبدلات المناهج التائهة ؟! وإلى أين تذهب هذه تبدلات بالأجيال ؟!

ومن له الحق في البت في نجاح المنهج وقوته .. ؟!

ومن له الحق في البت في ثبات المنهج أو تعديله أو تبديله ؟!

ومن يجب أن يقيس ويقيم ؟!

أم أنها كلها جهة واحدة ؟! خصم وند وحكم ..

وهل للأساتذة المختصين بالمناهج دور في إعداد هذه المناهج ورسم وقياس أهدافها ؟!

أم أنها مناهج بلا هدف !؟

منهج تائه وهدف تائه يتوه معه المعلم نحو جيل تائه ،

مناهج في التيه تؤدي إلى تيه في المناهج .

صورة وعبارة وجملة وغلاف جديد يسجل إنجاز على حساب مستقبل أمة وضياع أجيالها ..!
ثم أن كليات التربية هي مواطن إعداد المعلمين وتأهيلهم للميدان التربوي ومع ما نعايشه من التيه في مناهج وزارة التربية فما مدى اطلاع أساتذة كليات التربية على تغيرات سوق العمل وتبدل أساليب الأداء لمواكبة هذا التبدل وإعداد المعلم المؤهل للميدان ؟

المعلم البعيد عن صياغة الأهداف السلوكية القريب من الكفايات العامة والمدرك للكفايات الخاصة والقادر على تحديد المعيار والموارد وتفاصيل الوضعية بتنوع ثري وبإلمام تام باستراتيجيات التعلم والقدرة على توظيفها .
وكيف يُرسم التعاون بين الجهات التي لها الحق في وضع مناهج وزارة التربية ، والبت في مدى صلاحية المنهج، وكيفية التعامل معه، والتسويق له، وتأسيس قاعدة لاطلاقه في الميدان لتبنيه والتوعيه به ؟!
والأبلى هل هناك وزارة تخطيط أصلا تنظم عملية التعاون وتبادل الخبرات ؟ أم أن دورها انتفى ؟! والتعاون انعدم
ومع أن تيه بني إسرائيل ظاهره عقوبة وباطنه إصلاح وتهذيب إلا أن تيه المناهج ظاهره إصلاح وبناء جيل وباطنه عقوبة حلت بالميدان يقاسيها ليل نهار محاولا سد فجوة المعرفة بجهود جبارة أمينة تضع مستقبل الوطن نصب عينيها لتبني له جيل يواكب منعطف يعصف بالامة

فإنهيار الأمم ليس بالضرورة أن يكون من الأعداء فنضج الجيل الطفيلي الجاهل التائه كفيل بانعدامها ..

والله من وراء المقاصد يهدي السبل .. 
د.مريم فرحان العنزي
@tfkeeer

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock