تاريخ الحركة النسائية في الخليج.. التعليم والوعي والتأسيس
تأثرت البدايات الأولى للحركة النسائية في الخليج، وبالأخص في البحرين والكويت، بالحركة الثقافية السائدة في مصر وبلاد الشام. كذلك بكتابات المفكرين الذين تناولوا قضايا المرأة كرفاعة الطهطاوي وقاسم أمين وغيرهما، وبرائدات الحركة النسائية العربيات مثل هدى شعراوي. وظهرت في الأربعينات من القرن الماضي بعض الأقلام الرجالية والنسائية التي تدعو المرأة للمساهمة في النهضة والتحرر من قيود التقاليد البالية.
سنحاول في هذا المقال دراسة تاريخ الحركة النسائية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، وبالأخص في البحرين، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، وعمان.
الحركة النسائية في البحرين
لعب التعليم دورا بارزا في ظهور الحركة النسائية، حيث تمثلت بداياته في ازدياد وعي المرأة بذاتها ومحاولتها الخروج على الوضع الذي فرضته عليها التقاليد والأعراف. كما لعبت الصحافة دورا كبيرا في طرح القضايا الجديدة على الساحة الخليجية، كضرورة انتشار التعليم بين النساء والدعوة إلى فتح مجالات العمل المختلفة أمام المرأة.
من ناحية ثانية، لعبت الجاليات العربية التي تولى أفرادها مسؤولية التعليم في مدارس البنات، دورا مهما وأساسيا في بلورة وعي النساء وتشجيعهن على إنشاء جمعياتهن. فقد قامت المدرسات الوافدات العاملات في مدرسة الهداية الخليفية للبنات (حاليا مدرسة خديجة الكبرى) بإنشاء جمعية مساعدة اليتيم، وانضمت لهذا التجمع الصغير بعض بنات العائلات الغنية.
في عام 1953، تأسس «نادي البحرين للسيدات» برئاسة الليدي بلجريف، زوجة المستشار البريطاني، التي اختارت نخبة من سيدات الطبقات العليا اللواتي نلن قسطا من التعليم، مثل السيدة الفاضلة عائشة يتيم (سكرتيرة)، والسيدة سلوى العمران (عضوا إداريا). كان النادي يهدف إلى القيام بالأعمال الخيرية ومساعدة الفقراء والمحتاجين وتعليم النساء بعض المهارات كالطبخ والخياطة. وقد تعرض النادي لهجوم على صفحات الجرائد وعلى منابر المساجد باعتباره عملا منكرا وخروجا على التقاليد والأعراف. بهذا الشأن أصدرت جماعة، أطلقت على نفسها جماعة «الدعوة إلى الإسلام»، بيانا نقتطف منه العبارات التالية: «قاطعوا هذا المنكر وأعلنوا الحرب النكر والنكير على القائمين والقائمات بأمره. واقتلوه في مهده قبل أن يرى النور، وإلا فالويل منه ثم الويل لنا جميعا».
في المقابل، لم يكن قادة الحركة الوطنية راضين عن نادي السيدات، ليس لأن العرف السائد في تلك المرحلة يعتبر الأندية حصرا على الذكور، لكن السبب الأهم هو أن النادي كان بقيادة زوجة المستشار البريطاني الذي يعد رمزا للاستعمار البريطاني في البحرين. لذا دعا عبد الرحمن الباكر، أحد أبرز زعماء حركة 45 – 56 إلى إنشاء جمعية نسائية على غرار الجمعيات النسائية في مصر وبلاد الشام بدلا من النادي. ونظرا لارتباط الكثير من التجار بالهيئة، فقد اضطر أولياء الأمور لمنع بناتهن من المشاركة في النادي. ووجدت القائمات عليه أن أفضل مخرج لهن من هذا المأزق هو إنشاء جمعية نسائية خيرية، هي جمعية «نهضة فتاة البحرين» التي بدأ العمل بها عام 1955. وبذلك نشأت أول منظمة نسائية في منطقة الخليج.
وقد اهتمت الصحافة بمسألة حقوق المرأة، وأتاحت للأقلام العربية والبحرينية الفرصة للكتابة فيها. فقد كتبت الأديبة اللبنانية روز غريب في مجلة «صوت البحرين» وكان لها دور في طرح الكثير من الآراء الاجتماعية المتقدمة. كما برزت بعض الأقلام النسائية مثل موزة الزايد وبدرية خلفان وشهلا خلفان. وتركزت مقالاتهن على انتقاد وضع المرأة وسيطرة العقلية الذكورية على المجتمع والدعوة إلى تحرر المرأة. ولكن على الرغم من ذلك كانت قوة التقاليد والأعراف أقوى من هذه الدعوات التي لم تُستثمر بشكل صحيح، بحيث يمكن تأطير النساء ضمن حركة نسائية مطلبية.
افتُتحت أول مدرسة حكومية للبنات في البحرين عام 1928 في حين لم تُفتح مدرسة للبنات في دول الخليج الأخرى إلا في بداية السبعينات من القرن الماضي
على المستوى السياسي، شهدت تلك الفترة تشكيل هيئة الاتحاد الوطني التي قادت العمل الوطني في الفترة ما بين عامي 1945 – 1965. يعتبر المؤرخون الهيئة أول تنظيم سياسي في منطقة الخليج. ويؤرخ الباحثون بدايات الحركة النسائية مع ظهور هيئة الاتحاد الوطني، ويشيرون بشكل خاص للدور الذي لعبته الأختان شهلا وبدرية خلفان، في حث النساء على المشاركة في المظاهرات المناوئة للاستعمار البريطاني، والخطاب الذي ألقته بدرية خلفان في جمع ضم آلاف المتظاهرين، وطالبت فيه بإعطاء المرأة حقوقها وبخلع الحجاب. كانت هذه الدعوة مثار إعجاب لدى بعض الشباب المتعلم الذين بدأوا يحثون زوجاتهم على الإقتداء بهذه السيدة، إلا أن تأثيرها كان آنيا، ونتيجة لزخم الحركة السياسية آنذاك والتأييد والحماس الذي أبدته المرأة تجاهها، إذ غابت الأختان خلفان عن ساحة العمل، كما ضربت الحركة بقسوة، واعتقل قادتها.
وعلى غرار ما حدث في البلاد العربية كمصر وبلاد الشام، قادت الحركة النسائية شخصيات ينتمين للطبقات الغنية، التي مكنتها ظروفها في تلك الفترة من التعليم والاحتكاك بالعالم الخارجي، فقد تكونت جمعية نهضة فتاة البحرين في غالبيتها من بنات العائلات التجارية اللواتي نلن قسطا من التعليم. إذ حصلت رئيسة الجمعية السيدة عائشة يتيم على شهادة من بريطانيا، كما درست عضوتان أخريان التمريض في العراق. هذا فضلا عن العضوات اللواتي درسن في البحرين على يد مدرسات عربيات، وتأثرن بهن إلى درجة كبيرة. وفي عام 1960 نشأت جمعية رعاية الطفل والأمومة التي تنتمي عضواتها في مرحلة التأسيس إلى الأسرة الحاكمة ونساء الطبقة التجارية الغنية وكبار موظفي الدولة.
ركزت الجمعيتان على العمل الخيري، كما افتتحت جمعية نهضة فتاة البحرين فصولا لمحو الأمية بين النساء لأول مرة في تاريخ البحرين. ثم تطورت الخدمات الرعائية للجمعيتين بافتتاحهما رياضا للأطفال. وقامت جمعية رعاية الطفل والأمومة بافتتاح مركز لرعاية الأطفال المعوقين ومركز ثقافي للأطفال. وفي الثمانينات انضمت لجمعية نهضة فتاة البحرين فتيات ممن أنهين دراستهن خارج البحرين، وبالأخص في الكويت والقاهرة وبيروت وكان لهن نشاط واضح في المنظمات الطلابية، وانضمت بعضهن إلى المنظمات السياسية العاملة في الخليج في ذلك الوقت، وكان لانضمامهن أثر كبير في تغيير خط الجمعية الخبري واتجاهها للتركيز على الجانب الحقوقي والمطلبي للمرأة.
وقد تأثرت أيضا بالحركات القومية في العالم العربي، وانضم بعض النساء لهذه التنظيمات خاصة إبان وجودهن في الخارج للدراسة. كما حاولت التنظيمات السرية العاملة في البحرين، والمرتبطة بطبيعة الحال بالتنظيمات العربية أو الشيوعية والماركسية، تنظيم النساء في صفوفها. إلا أنها لم تُعِر اهتماما يُذكر بقضية المرأة. وقد شاركت النساء وعلى نطاق واسع في الانتفاضة الشعبية عام 1965، وكانت لمشاركتهن هذه فرصة لهن للخروج خارج أسوار المنزل والمدرسة والانضمام للتنظيمات الوطنية. وقد لعبت المدرسات البحرينيات، الحديثات التخرج في الجامعات بالقاهرة وبيروت ودمشق، دورا بارزا في هذا المجال. وكان لهن دور في تثقيف الطالبات وتوجيههن للعمل السياسي. مما كان له أثر واضح في تعميق وعي الطالبات النقدي والتقدمي. ولكن على أثر ضرب الحركة توقف دورهن، ولم يؤثرن في الحركة النسائية بعد ذلك وأحجمن عن المشاركة الفاعلة في الجمعيات النسائية.
وفي عام 1970، أنشئت جمعية «أوال» النسائية على أثر نكسة يونيو (حزيران)، وتنحدر عضوات هذه الجمعية من الطبقة الوسطى وغالبيتهن مدرسات أو موظفات. ونشطت في هذه الجمعية فتيات ممن تلقين دراستهن في الخارج والتصقن بالحركات الطلابية والسياسية السائدة في ذلك الوقت، كما شارك بعضهن في التنظيمات السياسية الوطنية كالجبهة الشعبية، لتحرير الخليج والجزيرة العربية التي قادت العمل المسلح انطلاقا من إقليم ظفار بسلطنة عمان. كذلك جبهة التحرير الوطني، وهي الجناح البحريني للحزب الشيوعي، بالإضافة لحزب البعث العربي الاشتراكي. وكان للخلفية السياسية لقيادة الجمعية عند إنشائها أعظم الأثر في توجهات الجمعية، التي رفضت العمل الخيري والرعائي وركزت على العمل المطلبي الحقوقي النسوي.
في السنة نفسها، أي عام 1970، جرى إنشاء جمعية الرفاع الثقافية الخيرية وعضواتها من الموظفات وخاصة المدرسات. كانت في بدايتها قريبة إلى حد ما من توجهات جمعية «أوال»، وخاصة في المطالبة بحقوق المرأة في قانون الأحوال الشخصية وحقوق المرأة السياسية. إلا أنها ركزت بعد ذلك على العمل الخيري الرعائي، خاصة بعد حل المجلس الوطني وإصدار قانون أمن الدولة، حيث أضحى أي تحرك من أجل حقوق المرأة يُفسر على أنه عمل سياسي. كما أنشئت جمعية النساء الدولية عام 1974 التي تتألف من نساء ينتمين إلى الطبقة التجارية العليا ومن زوجات العاملين في السلك الدبلوماسي أو المديرين وأصحاب الأعمال الأجانب.
حقوق المرأة السياسية في البحرين
حرمت المرأة البحرينية من حقها في المشاركة في أول تجربة برلمانية بعد الاستقلال. وقد لعبت جمعية «أوال» النسائية دورا بارزا في المطالبة بحق المرأة السياسي في الانتخاب والترشيح. وشاركتها في ذلك جمعية الرفاع الثقافية الخيرية وجمعية نهضة فتاة البحرين. وقد قامت هذه الجمعيات بحملة توعية بين النساء لتثبيت حقهن السياسي، كما أقامت مع عناصر من التيارات السياسية التقدمية كثيرا من الندوات واللقاءات في النوادي من أجل شرح وجهة نظرهن. وتبنت كذلك عريضة أرسلت إلى رئيس المجلس الوطني آنذاك وإلى أمير البلاد، ووقعتها كثير من الأندية إلى جانب الجمعيات الثلاث؛ «أوال» و«النهضة» و«الرفاع». في هذه الفترة، وبالتحديد سنة 1973، تصدت جمعيات «أوال» و«النهضة» و«الرفاع» لأطروحات نواب الكتلة الدينية في المجلس الوطني لمنع الاختلاط في الأماكن العامة والعمل ومنع المدرسات من تدريس الأطفال الذكور في المدارس الابتدائية ورياض الأطفال، وكذلك منع الممرضات والطبيبات من معالجة المرضى الذكور. واعتبرت الجمعيات هذا المشروع «محاولة مشبوهة تستهدف النيل من الحريات الشخصية للمواطنين، متخذين من المرأة وسيلة للمتاجرة بالشعارات والمزايدات». ومما يؤسف له أن العمر القصير للمجلس الوطني لم يتحِ الفرصة للجمعيات النسائية لإنضاج تجربتها. وبحل المجلس الوطني وسيادة قانون أمن الدولة تراجع العمل النسائي وتضاءل معه الأمل في خلق حركة نسائية فاعلة. ولا بد هنا من الإشارة إلى بعض المآخذ التي شابت العمل النسائي في تلك الفترة، التي يمكن إيجازها في التالي:
1 – عدم قدرة الجمعيات على التواصل بشكل صحيح مع القاعدة النسائية في مدن وقرى البحرين.
2 – تأخر التحرك، إذ جاء قبل أيام معدودة من صدور قانون الانتخابات الذي حرم المرأة من حقها السياسي.
3 – عدم التوجه لبعض الشخصيات النسائية التي لعبت دورا بارزا في العمل النسائي أو الشخصيات ذات النفوذ في البلاد.
4 – عدم استمرار التحرك في فترة قيام المجلس الوطني بوتيرة العمل نفسها خلال فترة انعقاد المجلس التأسيسي، الذي وضع مسودة الدستور.
الحركة النسائية في البحرين منذ التسعينات
تفاعلت النخبة المثقفة من النساء مع الأحداث التي سادت في البحرين في الفترة الممتدة من 1999 إلى 1994، وقُمن بتوقيع عريضة لأمير البلاد آنذاك، الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، يناشدنه فيها بتحقيق المطالب الشعبية ومنها الديمقراطية والبرلمان. واجهت الحكومة هذا التحرك البسيط بشدة، وهددت الموقعات على العريضة بفصلهن من العمل إذا لم يعتذرن ويسحبن تواقيعهن. وبالفعل فُصِلت سيدتان، هما حصة الخميري والمرحومة عزيزة البسام، كما جرى تجميد الدكتورة منيرة فخرو، الأستاذة في جامعة البحرين، عن العمل، ولم تُعَد إلى عملها إلا بعد الإصلاحات السياسية في البحرين عام 2001.
لعب التعليم دورا بارزا في ظهور الحركة النسائية وتمثلت بداياته في ازدياد وعي المرأة بذاتها ومحاولتها الخروج على الوضع الذي فرضته عليها التقاليد
كما انضمت النساء للحركة الشيعية المعارضة في فترة التسعينات واعتقل بعضهن وتعرضن للتعذيب داخل المعتقل واستشهدت إحداهن. كما عانت الكثيرات منهن مرارة الإبعاد عن الوطن. إلا أن طابع الحركة الديني واقتصاره على طائفة معينة لم يخلق حركة نسائية مطلبية واضحة المعالم. بل العكس هو الصحيح، إذ جرى التركيز على وضع المرأة الدوني، ولم يُنظَر لها كشريك في النضال الوطني بل كتابع للرجل.
وعلى أثر الإصلاحات السياسية التي حدثت في البلاد أواخر عام 2000، والتي تمثلت في عودة المبعدين وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإتاحة هامش من الحريات العامة، جرى التوسع في إنشاء جمعيات المجتمع المدني السياسية والاجتماعية والدينية. وظهرت الجمعيات السياسية على اختلاف تلاوينها، ودخلت المرأة في هذه الجمعيات. إلا أنها إلى الآن تخرج عن الخط الذي رسمه لها شيوخ الدين، فتخلت عن مطالبها الحقوقية الخاصة بالنساء، ودخلت في دوامة الحلال والحرام وعارضت على سبيل المثال لا الحصر اتفاقية «السيداو». هذا إلى جانب التخبط الذي تعيشه الجمعيات السياسية نتيجة لتسارع الأحداث.
من ناحية أخرى، ظهرت على الساحة جمعيات نسائية متعددة يشكل أغلبها امتدادا للجمعيات السياسية. ولم تخرج هذه الجمعيات عن النمط السائد للعمل النسوي من زيارة للمسنين وإقامة الندوات المقتصرة على النخب النسائية. إلا أن الجمعيات النسائية ذات التوجه الديني، أو اللجان الملحقة بالجمعيات الدينية، تتمتع نتيجة لتوجهاتها الدينية بقاعدة جماهيرية واسعة. لكنها ما زالت أسيرة سيطرة الجمعية الأم، حيث لم تستطع الخروج من عباءتها، وبالأخص فيما يتعلق بمبدأ المساواة بين الجنسين، وقانون الأحوال الشخصية الموحد للطائفتين السنية والشيعية، والاختلاط وغير ذلك. وبالمقابل استطاعت الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة توحيد عملها في إطار تنظيمي موحد، فأنشأت الاتحاد النسائي البحريني. وقد تركز عمل الاتحاد على التوعية بحقوق المرأة في إطار اتفاقية «السيداو» وتمثيل الجمعيات في الخارج والعمل على قانون الأحوال الشخصية والعنف ضد المرأة وغيرها من الملفات التي تتطلب العمل المشترك بين الجمعيات.
الحركة النسائية في الكويت
يمكن إرجاع البوادر الأولى للحركة النسائية الكويتية إلى الأربعينات من القرن الماضي، حيث بدأ تعليم البنات ينتشر، على الرغم من الصعوبات التي واجهته، والتي تمثلت في معارضة القوى المحافظة لتعليم الفتاة. وقد ظهرت في أواخر 1948 بعض الأقلام النسائية التي تدعو المرأة إلى المشاركة بوعي في الحياة العامة. كما كتبت بعض الشخصيات الرجالية مؤيدة لحق المرأة في الحرية. وفي عام 1953، اجتمعت مجموعة من الشابات مناديات بالسفور، وأطلق على هذا الاجتماع «ندوة الحجاب». أثار خبر الاجتماع العديد من ردات الفعل المؤيدة والمعارضة. إلا أن هذه الحركة لم تخرج عن نطاق الاجتماع والكتابة في الصحف، لكنه دفع المرأة للتفكير في إنشاء جمعياتها على خطى الجمعيات العربية.
جاء إنشاء الجمعيات النسائية في الكويت متأخرا عن البحرين بعدة سنوات. ويمكن إرجاع ذلك إلى عدم وجود حركة سياسية قوية، وإلى الرفاه الاقتصادي الذي عاشته الكويت. كذلك لقوة التقاليد والعادات التي جعلت المرأة تتردد في القيام بهذه الخطوة، أو بخلع الحجاب الذي نظرت إليه الفتيات العائدات من الدراسة في الخارج كقيد وكرمز لتخلف المجتمع. وهذا ما عبرت عنه إحدى الكتابات النسوية في الخمسينات من القرن الماضي، حيث تقول: «في بلد كهذا لا يزال أهله متمسكين بالتقاليد القديمة، ولا يزال الجيل المتقدم في السن يعد كل حركة تقوم بها المرأة في سبيل التحرر من قيود التقاليد (…)، فإن هذا العائق له من الأثر الجبار ما يحتم علينا التريث والتبصر في خلع الحجاب مرة واحدة».
قادت الحركة النسائية في الخليج شخصيات ينتمين للطبقات الغنية التي مكّنتها ظروفها في تلك الفترة من التعليم والاحتكاك بالعالم الخارجي
في بداية الستينات من القرن العشرين حاولت بعض الفتيات العائدات من الدراسة في الخارج تشكيل نادٍ نسائي باسم «نادي المرأة الكويتية». وتذكر السيدة لولوة القطامي، وهي إحدى قياديات العمل النسائي، أن دافعهن لإنشاء النادي هو «تنظيم الجهود من خلال كيان اجتماعي قانوني يحقق طموحاتهن في تغيير اجتماعي وثقافي يحتضن القيم والمثل الكويتية، ويصب في صالح الأغلبية من نساء الوطن، ويساعد على تمكينهن من القيام بدورهن المطلوب كمواطنات وأمهات وزوجات». إلا أن السلطات الحكومية رفضت السماح لهن بالعمل مراعاة للتقاليد السائدة آنذاك، التي كانت ترفض فكرة النادي للبنات. لذا أعادت المجموعة طلبها بإنشاء جمعية نسائية تحت اسم «الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية» التي أشهرت رسميا بتاريخ 10 فبراير (شباط) عام 1963. وقبل ذلك بأيام قليلة، وتحديدا في 17 يناير (كانون الثاني) من العام نفسه، سمح لجمعية النهضة العربية النسائية، التي غيرت اسمها ليصبح جمعية النهضة الأسرية بالعمل.
ركزت الجمعية الثقافية في أهدافها على الجوانب الحقوقية، مثل المطالبة بحقوق المرأة الدستورية، وتعزيز وعيها بحقوقها الشرعية، والعمل من أجل تعديل الأوضاع والقوانين الوضعية والأعراف الاجتماعية التي تمس حقوق المرأة. ولم تهمل الهدف الخيري، لكنها لم تعطه أهمية أساسية. في حين جاءت أهداف جمعية النهضة الأسرية أكثر عمومية، وتركزت على مساعدة الفتاة الكويتية بنشر الوعي الثقافي والعلمي والمطالبة بحقوقها ومعالجة الأمراض الاجتماعية والتوعية بأهمية الأسرة وكذلك الاطلاع على نهضة المرأة في البلاد العربية. ولم يرد ذكر العمل الخيري ضمن أهدافها. يرجع السبب في عدم إعطاء العمل الخيري أهمية، على العكس من الجمعيات النسائية في البحرين، إلى الوفرة الاقتصادية وارتفاع مستوى المعيشة في الكويت مقارنة بالبحرين، وتكفل الدولة برعاية الفئات المحتاجة.
تشابهت أنشطة الجمعيتين وغلب عليها الطابع الرعائي التوعوي، كإنشاء دور حضانة للأطفال، والقيام بحملات نظافة وتوعية صحية في المناطق النائية من الكويت، وفتح صفوف لمحو الأمية والقيام بمحاضرات وندوات لتوعية الأسرة والمجتمع. كما تركز عملهما الخيري خارج حدود الكويت، حيث تمثل بإنشاء قرى حنان لرعاية الأيتام في السودان، ودعم المجهود الحربي لتحرير فلسطين. حرصت الجمعيتان على الارتباط بالعمل النسائي العربي، حيث مثلت جمعية النهضة الأسرية الكويت في الاتحاد النسائي العربي، كما ساهمت أيضا في إنشاء لجنة العمل النسائي في الخليج والجزيرة بهدف ربط وتنسيق العمل النسائي في هذه المنطقة. إلا أن عمل هذه اللجنة تركز على عقد المؤتمرات، إلى أن توقف نهائيا بعد الأزمة العراقية – الكويتية.
في عام 1974، حاولت الجمعيتان إنشاء اتحاد نسائي لتأطير العمل النسائي الكويتي والدفع بالمطلب النسوي الحقوقي خطوات للأمام. لكن عمر الاتحاد القصير لم يمكنهما من تحقيق هذا الهدف. فجرى حل الاتحاد بقرار من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عام 1977، إثر انسحاب الجمعية الثقافية منه. وفي الفترة الممتدة من عام 1981 إلى 1990، وهي الفترة التي شهدت قيام الجمعيات الإسلامية، أنشئت في الكويت جمعيتان إسلاميتان، هما جمعية «بيادر السلام» وجمعية «الرعاية الإسلامية». كما أنشأت الجمعية الكويتية التطوعية النسائية لخدمة المجتمع، إثر الغزو العراقي للكويت. ويغيب العمل في المجال المطلبي النسوي الحقوقي عن عمل هذه الجمعيات. وقد يكون في توجه جمعيتي بيادر السلام والرعاية الاجتماعية المحافظ ما يدفعهما لمعارضة مطلب مثل حقوق المرأة السياسية ومشاركتها في الحياة البرلمانية. تركز هاتان الجمعيتان على التوعية الإسلامية وتحفيظ القرآن والعمل الخيري وتدريب الفتيات على بعض المهارات الفنية وإنشاء رياض الأطفال. وتنشط الجمعية الكويتية للعمل التطوعي في توعية المرأة بأهمية العمل التطوعي وترسيخ الانتماء والولاء للوطن والاهتمام بالطفولة والأمومة والعمل الخيري.
عام 1994، جرى تسجيل الاتحاد الكويتي للجمعيات النسائية، برئاسة الشيخة زوجة ولي العهد آنذاك. وقد ضم في عضويته الجمعيات الثلاث السابق ذكرها إلى جانب نادي الفتاة، في حين امتنعت جمعية النهضة النسائية عن الانضمام إليه معتبرة أنه مناورة من السلطة لسحب البساط من تحت أرجلها وتقييد حركتها. ولم يكن الاتحاد بفعل توجهات الجمعيات الأعضاء فيه فاعلا على الساحة النسائية. فاقتصر عمله على التنسيق بين الجمعيات الثلاث (انسحب نادي الفتاة لعدم انطباق شروط العضوية عليه)، وحل أي خلافات قد تنشأ بينها، وتمثيل المرأة داخل الكويت وخارجه. يتمتع الاتحاد بدعم الحكومة، إلا أن عدم انضمام الجمعية الثقافية لعضويته وإهماله من ناحية أخرى للعمل النسوي المطلبي يشكلان نقطة ضعف تجعل الاتحاد جمعية أخرى لا تختلف في أنشطتها وتوجهاتها عن الجمعيات الأعضاء فيه.
الحقوق السياسية للمرأة في الكويت
استندت المرأة الكويتية في مطالبتها بحقوقها السياسية، وخاصة حقها في المشاركة في مجلس الأمة انتخابا وترشيحا، على المادة 29 من الدستور التي تنص على أن: «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين». إلا أن قانون الانتخاب حصر الحق في المشاركة بمجلس الأمة على المواطنين الذكور، وبالتالي حرم المرأة (حسب رأي نورية السداني) من ثلاثة حقوق أساسية، هي الحق في الترشيح والانتخاب وفي تولي منصب وزيرة.
جاء إنشاء الجمعيات النسائية في الكويت متأخرا عن البحرين بعدة سنوات.. ويمكن إرجاع ذلك إلى عدم وجود حركة سياسية قوية.. إضافة لسطوة الأعراف والتقاليد
كان تأثير تجربة المرأة المصرية منذ بداية نضالها بقيادة هدى شعراوي واضحا على التجربة الكويتية. تذكر نورية السداني في كتابها «المسيرة التاريخية للحقوق السياسية للمرأة الكويتية»: «وهنا في الكويت كأن التاريخ العربي يعيد نفسه من جديد بعد ثمانية عقود من زمن مضى من هذا القرن، ها هي ذات الوسائل التي اتبعت في ذاك التاريخ تتبع في هذا التاريخ في الكويت (…) المهم أننا في تلك اللحظات التاريخية التي عاشها المجتمع الكويتي بدءًا من عام 1973 وصولا لعام 1982 هي ذاتها التي عاشها المجتمع المصري في بداية هذا القرن، بذات وسائلها من الصحافة إلى البرلمان (…) حتى بالنسبة للضغوط النسائية، نجدها ذاتها، فعلى هذا المستوى أيضا بدأت مسيرة المرأة المصرية ضمن إطار جمعياتها النسائية في عام 1924». كما تشير الكاتبة إلى تأثير الأحداث التي مرت بها المرأة العربية إثر نكسة يونيو (حزيران) 1967 على إعادة النظر في عمل الجمعيات في الكويت: «صدمة عام 1967 جعلتني أغير تفكيري وأسلوب حياتي، فطريق العمل ليس أسواقا خيرية ومعارض وتصفيقا وهبلا لا ينتهي (….) السطر الأول في التفكير الجديد خروج الجمعيات النسائية الكويتية عن خط العمل الخيري».
بعد هذا التصريح بأربع سنوات، وفي 15 ديسمبر (كانون الأول) 1971، عقد أول مؤتمر عام للمرأة في منطقة الخليج. وطرح مطالب نسوية حقيقية ونوقشت فيه عدة مواضيع تمس الحقوق السياسية والاجتماعية للمرأة. كما رفعت سبعة مطالب لمجلس الأمة الكويتي تناولت حق المرأة في المشاركة السياسية الكاملة وحقها في المشاركة في الشأن العام، إلى جانب بعض المطالب المتعلقة بالأحوال الشخصية. عند قراءة هذه المطالب يتضح وضع المرأة الكويتية المتدني في تلك الفترة والتطور الذي حققته في السنوات اللاحقة، حيث حققت المرأة الكويتية تقدما ملموسا على مستوى مشاركتها في الشأن العام، وأصبح بينها المحاميات وصاحبات الأعمال كما تحقق لها قانون للأحوال الشخصية. وفي فبراير 1977 رُفعت عريضة لولي العهد موقعة من 395 امرأة تتضمن مطالب، من أهمها حصول المرأة الكويتية على حقها السياسي. إلا أن مجلس الأمة رفض هذا الحق للمرأة وذلك في جلسته في 19 يناير 1982، أي بعد ما يقارب التسع سنوات من رفع المطالب التي خرج بها المؤتمر النسائي السابق ذكره.
وبعد الأزمة الكويتية في التسعينات، وفي ظل غياب مجلس الأمة، أصدر أمير الكويت مرسوما أميريا يمنح المرأة حقها السياسي، وذلك تقديرا لجهودها في الدفاع عن الكويت في فترة الاحتلال. إلا أن مجلس الأمة الذي أعيد انتخابه بعد ذلك أفتى بعدم قانونية المرسوم، ورفض بأغلبية بسيطة حقوق المرأة السياسية. والغريب أن شخصيات معروفة بليبراليتها صوتت ضد حق المرأة في المشاركة السياسية. وقد حاولت الناشطات في مجال العمل النسائي تنظيم أنفسهن والعمل كقوة ضغط من خلال محاولات قلة من النخبة النسائية تسجيل أنفسهن في سجل الانتخابات، واللجوء إلى المحكمة الدستورية لانتزاع حقهن السياسي، إلا أن هذه الأخيرة خذلتهن عندما أفتت بعدم دستورية منح المرأة لحقها السياسي. وقد تكلل نضال المرأة الكويتية بالنجاح، ومُنِحت النساء الحق في المشاركة في البرلمان الكويتي، وبالفعل استطاعت خمس نساء من الفوز في انتخابات مجلس الأمة لدورة واحدة فقط، إلا أن قوة التيارات الدينية المعارضة تقف دائما في طريق وصول الكويتيات إلى قبة البرلمان. من هنا يمكننا أن نستنتج أن نضال المرأة الكويتية في هذا المجال هو طريق طويل يحتاج منها للصبر والعمل الدؤوب وتكثيف الجهود لتوعية القاعدة العريضة من النساء. كذلك محاولة كسب تأييد التيارات الإسلامية المعتدلة، والتنسيق والتعاون بهذا الخصوص مع جميع مؤسسات المجتمع المدني ومنظماته.
الإمارات العربية المتحدة
أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد بُدِئ في إنشاء الجمعيات النسائية مباشرة بعد الاستقلال وقيام الاتحاد، الذي ضم سبع إمارات صغيرة، أكبرها وأغناها إمارة أبوظبي. جاءت الجمعيات جزءا من استكمال مظاهر ومتطلبات الدولة الحديثة ولسد حاجة هذه الدولة الناشئة في إيصال بعض الخدمات الرعائية للمرأة، مثل التدريب الحرفي والتعليم والتوعية الأسرية وغير ذلك. لقد حظيت الجمعيات النسائية في دولة الإمارات بالدعم الكامل من الحكومة، حتى أصبحت وكأنها مؤسسات حكومية أكثر منها جمعيات أهلية، وترأستها في الغالب زوجات الحاكم في الإمارة أو قريباته. تعتبر جمعية نهضة المرأة الظبيانية (فبراير 1973) أول جمعية نسائية في دولة الإمارات العربية المتحدة. تلتها خمس جمعيات نسائية «كلها تحذو حذو جمعية النهضة النسائية وتسترشد بخطواتها من أجل تحقيق هدفهن المشترك، لرفع شأن المرأة ومكانتها والنهوض بها».
في شهر مارس 1975، جرى إشهار الاتحاد النسائي المكون من الجمعيات الست برئاسة الشيخة فاطمة حرم رئيس الدولة آنذاك. يهدف الاتحاد إلى النهوض بالمرأة العربية في البلاد روحيا واجتماعيا وثقافيا، ومد النشاط النسوي ليشمل جميع إمارات الدولة، ودعم النهضة الوطنية الشاملة التي تعم البلاد، ومتابعة إقامة علاقات وطيدة مع الجمعيات والاتحادات النسائية الأخرى في الخليج والمنطقة العربية، وأخيرا متابعة نشاط الهيئات النسائية الدولية والتعاون معها. ويغلب على نشاط الاتحاد وجمعياته الأعضاء الطابع الرعائي في أنشطتها مثل التوعية الصحية، رعاية الطفولة والأمومة، التوعية الدينية، طبق الخير والأنشطة الخيرية وتدريب المرأة على بعض المهن والحرف اليدوية.
دولة قطر
تغيب الجمعيات النسائية الأهلية في دولة قطر، حيث يتركز العمل النسوي في المجلس الأعلى لشؤون الأسرة الذي ترأسه زوجة الأمير. أنشئ المجلس بناء على القرار الأميري رقم 35 لسنة 1998 وجاء لسد فراغ مؤسسي في قطاع التنمية الأسرية وتعزيز آليات التنسيق بين الوزارات والمؤسسات المختلفة المعنية بقضايا التنمية الاجتماعية. يضم المجلس نخبة من الخبرات النسائية القطرية، وبالأخص من عضوات الهيئة التدريسية في جامعة قطر. وفي 5 مارس (آذار) 2000 جرى إنشاء لجنة شؤون المرأة بهدف الاهتمام بحقوق المرأة وواجباتها، والتأكيد على دور المرأة في التنمية المستدامة وضمان حقها في المشاركة بالأدوار القيادية ومواقع صنع القرار، وتعزيز دور الجمعيات الأهلية وتمكينها من تنفيذ البرامج المتعلقة بالمرأة.
وعلى الرغم من حداثة العمل النسائي في قطر، فإن المرأة القطرية تتمتع بتشجيع القيادة السياسية، حيث نالت الحق في المشاركة في أول تجربة انتخابية ورشحت نفسها لعضوية المجلس البلدي المركزي. ويأتي حصول المرأة على حقها في الانتخاب والترشيح ليختصر سنوات من معاناة طويلة للسعي لإقناع الرجل صاحب السلطة السياسية بأحقية المرأة وكفاءتها في إدارة المناصب القيادية والمشاركة في الحياة السياسية.
على الرغم من حداثة العمل النسائي في قطر فإن المرأة القطرية تتمتع بتشجيع القيادة السياسية.. حيث نالت الحق في المشاركة في أول تجربة انتخابية
لقد واجهت النساء اللواتي رشحن أنفسهن الكثير من المعارضة من قبل المجتمع المحافظ. إذ تعتبر هذه الخطوة قفزة كبيرة لم يستطع المجتمع القطري استيعابها، وخاصة في ظل تقاليد مفرطة في محافظتها ترفض أو تضع قيودا على مسائل تخطتها الكثير من المجتمعات العربية المسلمة. لذا فإن إحداث تغييرات اجتماعية لصالح المرأة يتطلب الكثير من الجهد من قبل الفئة الواعية من النساء والرجال على حد سواء. كما يتطلب أيضا اختراقا للذات التقليدية للمرأة ولمنظومة قيم المجتمع وبعض موروثاته الاجتماعية.
بالإضافة إلى إطلاق القوى الإبداعية للمجتمع والسماح له بإنشاء منظماته الأهلية، وإتاحة هامش واسع من حرية الرأي والسماح بالتعددية السياسية. فالعمل الفوقي المفروض من قبل القيادة السياسية على القواعد الشعبية لا يمكن أن يكتب له النجاح إذا لم يدعمه مجتمع مدني قوي وفاعل.. مجتمع يتمتع بحرية وديمقراطية حقيقيتين.
سلطنة عمان
تختلف مسيرة المرأة في سلطنة عمان في الفترة التي سبقت وصول السلطان قابوس إلى الحكم عن مسيرة المرأة في الخليج. فقد شاركت المرأة العمانية في الكفاح المسلح بقيادة جبهة تحرير ظفار، ثم الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي. كما أدرجت الأخيرة في برنامجها قضية المرأة. إلا أن الفقر والأمية وظروف الحياة السياسية لم تمكنها من تحقيق هذا البرنامج. وقد ركزت الجبهة الشعبية على تعليم النساء ومحو أميتهن. يرجع الفضل في ذلك إلى المناضلة البحرينية ليلى عبد الله فخرو التي عملت في صفوف الجبهة الشعبية وأدارت مدارس لتعليم الفتيات في إقليم ظفار جنوبي عمان. ولا يزال الكثيرون في السلطنة يذكرون لها ذلك.
حظيت الجمعيات النسائية في دولة الإمارات بالدعم الكامل من الحكومة حتى أصبحت وكأنها مؤسسات حكومية أكثر منها جمعيات أهلية
بعد تولي السلطان قابوس للحكم والقضاء على الجبهة الشعبية تسارع التطور في السلطنة وأنشئت مدارس للبنات. وقد اعتمدت السلطنة في تحديث نظامها السياسي والتعليمي على وجه الخصوص على المواطنين العمانيين المتعلمين الذين عادوا إلى بلادهم من المهجر، وتولوا المناصب القيادية فيها. وكان فيهم عدد من النساء ممن تلقين تعليما عاليا في القاهرة وبيروت والكويت والبحرين وزنجبار.
بقيام الدولة الحديثة في السلطنة ظهرت الحاجة لخلق مؤسسة قادرة على التواصل مع النساء في المناطق النائية والأقاليم. لذا أنشئت 25 جمعية نسائية تحت مسمى جمعية المرأة العمانية غطت أغلب أقاليم السلطنة. كان أولها في 23 سبتمبر 1970 في العاصمة مسقط (أشهرت رسميا عام 1972) وآخرها في ولاية خصب عام 1994 (أشهرت رسميا عام 1999). ولا تختلف جمعيات المرأة في سلطنة عمان عن مثيلاتها في الإمارات العربية المتحدة، حيث تتركز أهدافها وأنشطتها على رعاية المرأة والطفل من خلال الدورات التثقيفية والتعليمية ومحو الأمية وإنشاء رياض الأطفال والتدريب الحرفي والمهني للمرأة. كذلك تركز على ضرورة احترام التقاليد المحلية. من هذا المنطلق لم نجد أي تحرك لهذه الجمعيات للتصدي لممارسة ختان البنات الشائع في السلطنة، ولم يكن للجمعيات أي موقف مطلبي لصالح المرأة. وهي تعمل بتنسيق تام مع مديرية شؤون المرأة والطفل في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.