دراسة علمية: آن الأوان للتوقف عن استخدام «باوربوينت» في العملية التعليمية
غالبًا ليس هناك من لم يمر بهذه التجربة: مُقاومة النعاس خلال إحدى المحاضرات في فترة الدراسة الجامعية، بخاصة تلك المحاضرات التي يستخدم المُحاضر فيها، برنامج «باوربوينت».
وكمن السؤال هُنا: هل تعتقد حقًا أن مشاهدتك للمدرس، أو المحاضر، وهو يقرأ عليك مئات من شرائح الباوربوينت «PowerPoint»، سيجعل منك شخص أكثر ذكاءً؟ هذا السؤال، وجهه «بول رالف»، البروفيسور في علوم الكمبيوتر بجامعة أوكلاند، على طلابه عام 2015. وتزامن هذا مع مقال نُشر في نفس العام، ناقش فيه فكرة استخدام الجامعات لنظام تعليمي يعتمد على «الباوربوينت»، موجهًا انتقادات كبيرة لهذا الأسلوب في التعليم. وذكر المقال بوضوح أن باوربوينت، «يجعل الطلاب أغبياء والأساتذة مملين جدًا».
وقال رالف: إنه يتفق تمامًا، مع الانتقادات التي وجهها هذا المقال الذي نشر في موقع «the conversation»، ومع ذلك، فإن معظم الجامعات تجاهلت هذه النصيحة، والسبب وراء هذا التجاهل، هو أنه بدلًا من قياس النجاح بمدى تعلم طلابهم، فإن الجامعات تقيس النجاح من خلال استطلاعات رضا الطلاب، من بين أمور أخرى. بمعنى آخر فإن الجامعات تأخذ بما يحبه ويفضله الطلاب، وليس بما هو أصح وأكثر فائدة علميًا.
ما هي مشكلة الباوربوينت؟
ساهم الاعتماد المفرط على شرائح باوربوينت، إلى الاعتقاد بأن توقعنا، ومطالبتنا للطلاب، بالعمل على قراءة الكتب، وحضور الدروس، وتدوين الملاحظات، والقيام الواجبات المنزلية، هو أمر غير عقلاني وغير معقول.
وعليه، فإن الدورات التعليمية المعتمدة على الباوربوينت، تُساهم في نشر الخرافة التي تقول: إن الطلاب يمكن أن يصبحوا ذوي مهارات ومعرفة، دون الكثير من المجهود؛ وذلك عبر العمل من خلال العشرات من الكتب، ومئات المقالات، وآلاف من المشاكل التي تحاول حلها.
وأظهرت دراسة أجرت أبحاث على أسلوب باوربوينت في التعليم، أنه في حين أن الطلاب يفضلون الباوربوينت على الأوراق الشفافة التي تُعرض عبر شاشة «بروكيجتور» (transparencies)، فإن الباوربوينت لم يزد من مقدار تعلم الطلاب أو من درجاتهم. وهنا تظهر لنا قاعدة علمية مميزة «حبك لشيء ما، لا يجعل منه الشيء الصحيح أو الفعال»، كما أنه لا يوجد شيء معين يجعل من الأوراق الشفافة أيضًا أداة تعليمية فعالة».
وأوضحت الدراسة التي قارنت التدريس القائم على «باوربوينت» ضد وسائل أخرى، مثل التعلم القائم على حل المشاكل، حيث يطور الطلاب المعارف والمهارات من خلال مواجهة المشاكل الواقعية والصعبة، أن الوسيلة الثانية تتفوق بشكل واضح.
ثلاثة أسباب
ووصف بعض المتخصصين فكرة التعليم باستخدام «باوربوينت» أنها سامة لنظام التعليم، وذلك لثلاثة أسباب رئيسة: يتمثل السبب الأول في أن شرائح «باوربوينت» لا تشجع على التفكير المعقد؛ إذ تشجع هذه الشرائح المعلمين على تقديم موضوعات معقدة باستخدام النقاط والشعارات والأرقام المجردة والجداول التبسيطية، مع الحد الأدنى من الأدلة؛ وبالتالي فهي لا تشجع على تحليل عميق للأوضاع المعقدة والغامضة؛ لأنه يكاد يكون من المستحيل أن تقدم وضعًا غامضًا ومعقدًا على شريحة. هذا الأمر يجعل الطلاب يتوهمون الوضوح والفهم.
بينما يتمثل السبب الثاني في أنه بقراءة التقييمات المقدمة من الطلاب، فإن الخبراء، مثل بول رالف، يقتنعون أنه عندما تبنى معظم الدورات على شرائح «باوربوينت»، يذهب الطلاب إلى التفكير في أية دورة تعليمية كـ«مجموعة من الشرائح». ونلاحظ أن الطلاب غالبًا ما يوجهون انتقادات للمعلمين الجيدين، الذين يقدمون التعقيد والغموض الواقعي، بأنهم معلمون غير واضحين. كما ينتقد الطلاب ـ دائمًا ـ المعلمين الذين يتحاشون وضع النقاط الرئيسة للرسوم البيانية لعدم توفير الملاحظات المناسبة.
أما عن السبب الأخير، فيتمثل في أن شرائح «باوربوينت» تتسبب في تثبيط عملية التوقع المعقول. يقول بول رالف عن هذا الأمر، إنه عندما كان يستخدم «باور بوينت»، كان الطلاب يتوقعون أن تحتوي الشرائح على كل التفاصيل اللازمة للمشاريع والاختبارات والواجبات. وبالتالي لماذا يتعب أي منهم نفسه في إضاعة الوقت في قراءة كتاب أو الذهاب إلى فصل تعليمي، عندما يمكنهم الحصول على شرائح «باوربوينت» جاهزة وهم يرتدون ملابس النوم في المنزل.
قياس الأشياء الخاطئة
السؤال هنا: ما دام أسلوب استخدام العرض باستخدام باوربوينت سيئ لهذه الدرجة، فلماذا لا تزال هذه الوسيلة شائعة الاستخدام إلى أقصى حد؟
تقيس الجامعات «رضا الطلاب» عن العملية التعليمية فيها، لكنها لا تقيس عملية التعلم نفسها. ومنذ تركز المنظمات التعليمية على مقاييس الطلاب المحببة، مثل «باوربوينت»، فإنها تبقى غير مهتمة بفعالية العملية التعليمية نفسها، ونقصد هنا مقدار وجودة ما يتعلمه الطالب.
من المعروف أن المستشفيات تقيس معدلات الاعتلال ومعدلات الوفيات. وتقيس الشركات الإيرادات والأرباح. وتقيس الحكومات معدلات البطالة والناتج المحلي الإجمالي. ولكن في المقابل فإن الجامعات لا تقيس التعلم.
أشياء مثل الامتحانات، والأوراق البحثية، والمشاريع المشتركة، تقيس المعرفة أو قدرة الطالب العلمية بشكل ظاهري؛ لأن التعلم هو عبارة عن تغير في المعارف والمهارات؛ وبالتالي يجب أن يقاس على مر الزمن، وليس في وقت محدد مسبقًا.
المذهل في الأمر أنه عندما نقوم بمحاولات لقياس مدى التعلم، فإن النتائج ليست جميلة على الإطلاق؛ فقد وجد باحثون أمريكيون أن ثلث الطلاب الجامعيين الأمريكيين لم يظهروا أي تحسن ملموس في التعلم في برامج تعليمية تستمر لمدة أربع سنوات. وأجرى الباحثون اختبارات للطلاب في بداية ووسط ونهاية مرحلة تعليمهم باستخدام وسيلة تقييم التعلم الجماعي، وهي الأداة التي تختبر كل مهارة، وإلى أية درجة ينبغي أن يتحسن، مثل مهارات التفكير التحليلي، والتفكير النقدي، وحل المشكلات، والكتابة.
ويمكن لأية جامعة نشر اختبارات مماثلة لقياس تعلم الطلاب. وسيكون من شأن ذلك أن يسهل وجود عملية تقييم صارمة لأساليب التدريس المختلفة. ويقول بول رالف «نود أن نكون قادرين على تحديد العلاقة بين استخدام باوربوينت والتعلم بشكل كمي واضح». وبالتالي سيكون الباحثون قادرين على تحقيق عشرات التعديلات، فيما يتعلق بأساليب وأدوات العملية التعليمية، ومعرفة ما يصلح وما لا يصلح للطلاب؛ من أجل مزيد من التقدم.
للأسف، يبدو أن العديد من العوامل الرئيسة للتعلم تحد من درجة رضا الطلاب، والعكس بالعكس. وطالما استمرت الجامعات بقياس رضا الطلاب، وعدم قياس عملية التعلم نفسها، فإننا سنستمر في نفس هذه الدوامة، عمل شاق أقل وتوقعات أقل، وعملية تعلم أقل جودة.
ساسة بوست