أخبار منوعة

التعليم الشمولي.. طريقك لفهم أعمق دون مجهود

التعليم الشمولي هو عملية تهدف للتعلم بشكل أكثر فعالية. هذا المبدأ جاء من خلال عدة مقالات، كتبها «سكوت يانغ»، ليجمعها لاحقًا في كتاب صغير ويُطورها في شكل خطوات عملية.
يانغ أشار إلى أمر مميز جدًّا، وهو أن هناك أناسًا يمكنهم تعلم المبادئ والمواد الجديدة بلا مجهود يُذكر، فيما هناك بعض الناس الذين يحتاجون إلى بذل جهد أكبر لتحصيل نفس كمية المعرفة. يُفسر يانغ هذا الفرق، بـ«عملية التعلم الشمولي»، والتي يصفها بأنها «طريقة لشرح الكيفية التي يفكر بها الأذكياء، وبالتالي فهي ليست تقنية جديدة أو ثورية، لكنها تتبع أنماط تفكير معينة».
تعريف أعمق للتعليم الشمولي


يعرف التعليم الشمولي بأنه، فلسلفة التعليم القائم على فرضية أن يجد كل شخص الهوية والمعنى والهدف في الحياة، من خلال وصلات إلى المجتمع، وإلى العالم الطبيعي، وإلى القيم الإنسانية، مثل الرحمة والسلام. وطبقًا لما ذكره رون ميللر، مؤسس مجلة التعليم الشمولي، فإنه يهدف إلى «تقديس جوهر الحياة، وزرع الرغبة والشغف للتعلم». ويشير هذا المصطلح حاليًا، للأنواع الأكثر ديمقراطية وأكثر إنسانية من التعليم البديل.
ويذكر أحد العلماء، أن ما يميز التعلم الشمولي عن طرق التعليم الأخرى، هي أهدافه وتوجيه الانتباه نحو التعليم التجريبي، بالإضافة إلى إضافة العلاقات والقيم الإنسانية إلى بيئة التعلم.
تعريف أبسط
لتتخيل أنك تشعر بجوعٍ شديد، وأن أصوات بطنك أصبحت مسموعة على بعد عدة أمتار، ثم فوجئت أن مدرس الكيمياء قال لك هناك اختبار مفاجئ. ووسط التوتر الذي أصاب الصف كله، اضطررت لأخذ ورقة الأسئلة، والمدرس يخبرك أن وقت الإجابة هو ساعة واحدة. بدأت تجيب على الأسئلة كلها بسرعة كبيرة، لترفع يدك بالورقة بعد 40 دقيقة فقط، معلنًا انتهاءك.
في اليوم التالي فوجئت بأنك الأول على الفصل، رغم أن هناك أسئلة في الاختبار لم تسمع عنها من قبل، حتى أنك لا تعلم عن الصابون، سوى أنه ضروري لغسل اليدين قبل وبعد تناول الطعام، فكيف تمكنت من كتابة تقرير مبسط عن الخواص الكيميائية للصابون. أخذت تستعيد ترتيب العشرة الأوائل، ففوجئت أن المدرس قد ذكر أسماء زملاء لك جاؤوا بعدك في الترتيب، رغم تأكدك أنهم يعرفون عن الصابون أكثر منك بكثير. كيف حدث هذا؟
ألم يقابلك أحد هؤلاء الطلبة، الذين يعتبرون الكلية مجرد نزهة، والدراسة بها مجرد أمر على الهامش، وتتعجب كيف أنهم يقومون بمشاريع أكثر تشويقًا من الدراسة والاستذكار، وفي نفس الوقت يُحصّلون أعلى الدرجات، فيم أنت تجلس بالساعات يوميًّا لتدرس عشرات المراجع والملخصات!
هناك بالفعل البعض ممن يملكون تلك الموهبة، الفهم السريع بدون أدنى مجهود، سواء داخل حجرة الدراسة أو في الحياة بشكل عام. تجده يتحدث في المبادئ العلمية العامة المختلفة، كما لو أنه خبير، فينتقل معك من الأحداث التاريخية إلى نسبية أينشتاين، دون حدود فاصلة.
ليست موهبة
علماء النفس يخبروننا أن الذكاء والعبقرية، ليسا أمرًا جينيًّا بحتًا. ليست موهبة كاملة نولد بها، ولا يمكن أن نكتسبها، فبحسبهم فإن الذكاء جُزءٌ منه جيني وآخر بيئي مُكتسب، وعليه فإنه بإمكاننا أن نطور طرق استيعابنا، بحيث نفهم ونستوعب استيعابًا أسهل وأسرع. إذا كانت لديك إستراتيجية مميزة للتعلم، فإنك تستطيع أن تحول ما كان في يومٍ ما موهبة فقط، إلى قدرة ومهارة يمكن اكتسابها، مثلما جعلت صبغات الشعر الناس يملكون الشعر باللون الذي يحبونه دون تقيد بالصفات العامة للعرقيات.
الفكرة هنا أن هؤلاء العباقرة لم يستعملوا نفس الإستراتيجية التي يستخدمها باقي المتعلمين، لكنهم يستخدمون وسيلةً وإستراتيجيةً مختلفةً لاستيعاب وفهم المعلومات والأسس، ألا وهي التعلم الشمولي. هذا النوع من التعلم هو المضاد التام للتلقين والحفظ. فبدلًا من أن تحاول ربط المعلومات بمخك بقوة على أمل أنها ستنزل من المخ في وقت حاجتك إليها، فإن التعلم الشمولي يمثل عملية نسج المعرفة التي تتعلمها بكل شيء تفهمه بالفعل.
عملية التلقين والحفظ، تركز على التعلم من خلال صناديق معلومات مفردة، كما لو أنها نظام كمبيوتر يقوم بعملية حشو معلومات. نعم هي منظمة، لكنها منفصلة عن بعضها البعض. فأنت تملك صندوقًا يُسمى العلوم، وآخر يُسمى التاريخ، وثالث يسمى الأفلام التي شاهدتها الأسبوع الماضي، ورابع يسمى الوظيفة. كل صندوق من هذه الصناديق ينقسم داخليًّا إلى صناديق أصغر، فصندوق العلوم يحتوي على صناديق صغيرة تسمى الأحياء والكيمياء والرياضيات والفيزياء، هذا الأخير ينقسم إلى صناديق أصغر هي الليزر والطفو والكهربية… وهكذا.
المشكلة هنا أن مخك ليس كمبيوتر للحشو، لكنه شبكة من الخلايا العصبية المتصلة ببعضها البعض، فإذا أردت معلومة معينة فإنك تأمل أن تجذب الخيط الذي سيقوم بسحب الصندوق المناسب. لكن التعلم الشمولي يتميز في المقابل بأنه فوضوي، نعم فوضوي، فهو لا يضع الأشياء المتعلمة في صناديق لكنه يقوم بحياكة هذه المبادئ والأسس والمعلومات مع بعضها البعض. وبالتالي إذا كان هناك طريق مسدود لاستعادة معلومة فإن هناك طرقًا بديلة وخيوطًا بديلة يمكن جذبها.
الروابط والبناء
من هنا يمكن القول إن التعلم الشمولي يهدف إلى التعلم من خلال بناء العلاقات والروابط والشبكات. فإذا قلنا إن كل رابطة من هذه الروابط هي عبارة عن حجر بناء، فإذا كان الحجر موجودًا بصورة مفردة فهو بلا قيمة، ولا نفع منه، بينما إن قمنا بجمع ألف حجر بآلية وإستراتيجية معينة، فإننا سنحصل على منزل في النهاية، هذا المنزل يطلق عليه اسم «بناء». وبالتالي فإن كلَّ بناء هو عبارة عن مجموعة من الروابط، وبالتالي فنحن نتحدث عن كيفية تناسُب كل الأفكار مع بعضها البعض حتى يمكن إنشاء فكرة معقدة مفهومة.
البناء بمفرده لا يمكن أن يتواصل، فلو أنك بدأت تتعلم بمفردك فإنك ستقوم بإضافة مجموعة من الحجارة فوق بعضها، وإذا كنت محظوظًا بمعرفة مخطط البناء، فإنك ستحاول تنظيم هذه الحجارة، لكن إذا لم تتمكن من إيجاد الروابط الملائمة بين هذه الحجارة فإنك في النهاية ستنتج شيئًا غير مفهوم ومربك.
من هنا فإننا سنقول لك إنك لم تتمكن من التعلم بشمولية، عندما تخبرنا أنك لم تفهم المبدأ والأساس وراء هذه المعلومات والأفكار التي تتلقاها. أنت استوعبت ما ألقي إليك من معلومات، لكنك لم تفهمها في المستويات العميقة، فأنت تملك كومة من الحجارة، لكنك لم تستطع أن تحولها إلى بناء واضح المعالم.
فحتى يمكنك بناء منزل، فعليك أن تكون مدركًا لما أنت على وشك القيام به وبنائه. وبالتالي فإن هدفك الأساسي من كل موضوع معقدٌ تحاول تعلمه، هو محاولة تكوين بناء واضح المعالم، إطار واضح يجمع جميع الروابط الموجودة داخل هذا الموضوع المعقد.
بناء نموذج
أنت الآن قمت بتحديد هدفك، وهو إنشاء ناطحة سحاب، إذًا، فإنك لن تشتري قطعة أرض وتلقي كميةً من الحجارة بها، لكنك ستبني في البداية نموذجًا مصغرًا (ماكيت). هذا النموذج ليس هو البناء الذي تريده بالطبع، لأن البناء يمثل مجموعةً كاملة من الإدراك والفهم. وبالتالي فلو تمكنت من إنشاء بناء كامل في الرياضيات، فأنت بالتالي قادر على حل أي مسألة رياضية.
هنا ستبني أولًا نموذجًا للبناء الذي تريده، هذا النموذج هو عرض تمثيلي للفكرة التي تحاول فهمها، وبالتالي فهو حل مؤقت وغير مكتمل. وبالتالي فبدون محاولة بناء عشرات النماذج لن يمكنك إنشاء البناء الذي ترغب فيه، وحاول أن تفهم أن فهم كل شيء مرة واحدة هو أمر مستحيل تحقيقه بالنسبة لقدرات العقل الواعي. لكنك ببناء نماذج فردية فستتمكن من حكايتهم سويًا لتصل للبناء الذي تريده.
عندما تأخذ درسًا في الجبر على سبيل المثال، فإن الأمر يصبح معقدًا كي تتمكن من إنشاء بناء متكامل للمبدأ العلمي الخاص بدرس المتجهات الخطية في الفراغ. هنا يمكنك أن تحاول إيجاد نموذج يساعدك على الفهم كي تتخيل ما هي المتجهات الخطية. البعض تخيل هذه المتجهات بأنها طائرة ثلاثية الأبعاد، هنا فإن هذا التخيل جعل الأمور بالنسبة لك حيةً أكثر. وبالتالي فيمكن تخيل الطائرة الحمراء وهي تتقاطع مع الطائرة الخضراء لتكمل طريقها نحو سطح الماء الأزرق، وهكذا، ستخلق طائرةً وتخلق بحرًا وتخلق نجومًا لتجد نفسك تنشئ بناءً كاملًا متماسكًا. وبالطبع لا يشترط أن يكون النموذج في البداية كاملًا، فيمكنك دائمًا تحسينه حتى تصل إلى الشكل الأمثل.
طريقة التعليم الشمولي
نأتي هنا للسؤال الأهم، كيف يمكن أن أتعلم بشمولية؟ يشير سكوت يانغ في كتابه «التعليم الشمولي»، إلى أن فكرة التعليم الشمولي تحدث عند غالبية الناس بشكل افتراضي، فلا يوجد هذه الكمية الكبيرة من التقنيات الواعية التي تجعلك تتعلم بشمولية. بمعنى آخر فإنك عندما تحتاج إلى نموذج فإنك تتخيله أمامك فجأةً بشكل مباشر. وعندما تقوم بوضع نماذج كافية ستجد أمامك البناء المتكامل جاهزًا. وعندما تتعلم معلومات جديدة فإنك تبدأ بربطها سويًا داخل وخارج هذا البناء.
ليس معنى هذا أنها موهبة لا تكتسب، بل إنك تستطيع تدريب نفسك على بناء النماذج المختلفة، وربطها سويًا. فكما أنك كنت قادرًا على جمع 3 + 5 باستخدام أصابع اليدين، ولاحقًا أصبحت تعرفها تلقائيًّا، أيضًا يمكنك تدريب عقلك على تخيل النماذج والبناء لا إراديًّا.
من بين التقنيات والإستراتيجيات التي يمكن استخدامها لتدريب العقل على التعلم الشمولي هي عملية تسمى «visceralization»، والتي تعني أن تُلخّص المبادئ العامة والأفكار الخاصة بالموضوع، باستخدام صورة أو إحساس معين، بدلًا من محاولة تجميع الأفكار في مجموعات لتكوين نموذج، فالنموذج هو خبرة وليس عملية تجميعية. وحتى تقوم بالعملية هذه على أفضل مستوى فمن المفضل أن تنشئ بيئةً متكاملةً من الصور والأصوات والأحاسيس والملمس، وليس مجرد صورة صامتة.
هذا الموضوع كان يقوم به بعض المعلمين بالفعل، عندما كان يشرح لك فكرةً ما باستخدام صورة عقلية معينة، ليقرب لك الفكرة. لكن التعليم الشمولي يعني أنك أنت من عليه خلق هذه الصورة او البيئة المتكاملة في عقله، لا أن تتلقاها من شخص آخر. هنا عليك أن تسأل نفسك، كيف يبدو هذا المبدأ الذي أحاول تعلمه، ما شكله وما لونه وما صوته وكيف ملمسه؟
الإستراتيجية الثانية يطلق عليها اسم «metaphore»، فبعد أن كونت النماذج بالإستراتيجية السابقة، عليك الآن أن تحيك هذه النماذج لتكوّنَ البناء الذي تريده. ومصطلح «metaphore» يعني حرفيًّا قيامك بربط شيئين مختلفين لا يوجد علاقة فعلية بينهما. وبالتالي لأنك تحتاج إلى ربط فكرتين مع بعضهما البعض حتى لو كانتا غير مرتبطتين.
أينشتاين استخدم هذا المبدأ عندما وصف الكون بأنه نسيج من الزمكان. فهو لم يكن يؤمن فعليًّا أن الكون عبارة عن خيوط قطنية محاكة سويًا، لكنه استخدم فكرة النسيج التي تملك أنت بالفعل بناءً واضحًا لها ليربطها بالفضاء. أيضًا تمكنك هذه الفكرة من إنشاء بناء بسرعة عبر القيام ببعض التعديلات على نموذج بناء متكامل موجود بالفعل.
الإستراتيجية الثالثة والأخيرة تتمثل في الاستكشاف، وهي تشير إلى عملية الدخول للبناء والنماذج والروابط الخاصة بك، ثم تبدأ في اكتشاف الأخطاء الموجودة وتعدلها. تخيل هذه العملية كما لو كانت قيامًا بوضع الدهان النهائي لمنزلك. قم باستبعاد النماذج غير الملائمة، واملأ الفجوات الموجودة. هذه العملية قد لا تكون بحاجة إليها إذا ما قمت بالعمليتين السابقتين بشكل قوي متكامل.
الوسيلة الأفضل للقيام بعملية الاستكشاف هذه هي عبر مواجهة المشاكل، مثل الواجبات المنزلية إذا كنت طالبًا، والاختبارات المختلفة إن كنت في الجامعة.

ساسة بوست 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock