دراسة لأستاذ علم الاجتماع يعقوب الكندري: التيارات الدينية فاعلة في الحياة السياسية الكويتية
كشفت دراسة أكاديمية حديثة، تفاوت التأثير المجتمعي للتيارات الاسلامية في الكويت، من تيار الى آخر، مع تمايز يطبع كل تيار على حدة من حيث الانتشار وتسليط الضوء عليه في وسائل الإعلام، وكذلك في مقدار الإسهام في مجرى الأحداث داخل المجتمع.
وبينت الدراسة التي حملت عنوان «التيارات الدينية في الكويت.. النشأة والأهداف والأنشطة والتأثير»، وأعدها أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت د. يعقوب الكندري، أن للتيارات الإسلامية دورا مؤثرا في الحياة الاجتماعية بالبلاد، وأسهمت بشكل فاعل في تكوين دعائم المجتمع الكويتي من خلال ما طرحته وما زالت تطرحه من رؤى وتصورات وأفكار من شأنها الاسهام في بناء المجتمع.
ذكرت الدراسة أن ابرز اسهامات تلك الجماعات يظهر جليا في الجانب السياسي، والذي ميّز كيانها وهيكلها داخل المجتمع، حيث انطلق النشاط الديني بصور عدة متكاملة في الحياة الاجتماعية انطلاقا من دعوة دينية ونشاط سياسي مصاحب له، على خلفية أن الحياة الاجتماعية والدينية تتكامل وتتحقق وتنجز أهدافها من منطلقات ومضامين سياسية.
وأوضحت أن التجمعات الدينية في الكويت لها مشاركات فعالة في الحياة السياسية، مثل الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) والتجمع السلفي الإسلامي اللذين اعدتهما الدراسة من بين أبرز التجمعات السياسية التي تحمل اتجاهات وايديولوجيات إسلامية في المجتمع الكويتي، مشيرة الى ان توجهاتهما الفكرية هي امتداد عملي لفكر جمعية الإصلاح الاجتماعية، وجمعية إحياء التراث الإسلامي، وهما تجمعان إسلاميان ينطلقان من رؤى تهدف الى نشر المفاهيم الإسلامية داخل المجتمع.
وتابعت الدراسة ان التيارين يمثلان ثقلا نسبيا في الحياة السياسية في المجتمع انطلاقا من القاعدة العريضة التي يملكانها داخل القطاعات المختلفة، مشيرة الى ان ما يميز التيارين تاريخهما الفعال والنشط في الفعاليات الاجتماعية منذ تبلور التوجهات الفكرية داخل الكويت.
ولفتت الى وجود عوامل متعددة ساعدت على انتشار الجماعات والتيارات الدينية والفكرية الأخرى ذات الأهداف المحددة، وأبرز تلك العوامل مستوى الحرية التي يتمتع بها المجتمع الكويتي في ظل وجود قواعد ديموقراطية تسمح بالتعددية الفكرية لاسيما الدينية منها.
ثوابت الأمة
وذكرت الدراسة ان تجمع ثوابت الأمة ظهر في أواخر عام 2003 ولم تكن له قواعد جماهيرية عريضة في البداية، ويصنف التجمع في الكويت على أنه من التيارات الدينية السلفية.
وذكرت ان «ثوابت الأمة» بدأ نشاطه بوضوح داخل المجتمع مع وصول أمينه العام الى البرلمان عام 2008 عن الدائرة الانتخابية الخامسة بعد أن كان له نشاط محدود قبل ذلك التاريخ، ويشير عديدون إلى أن التجمع بالإضافة إلى كونه تجمعا سياسيا دينيا سلفيا، فإنه ارتبط كذلك بالتيار القبلي، بحكم الموقع والانتماء الجغرافي لأمين عام التجمع.
وأشارت الدراسة إلى أن موقف «ثوابت الأمة» تجاه الأحداث السياسية التي دعت الى مقاطعة الانتخابات البرلمانية هو الأقل حدة، وذلك من خلال رفض التجمع الخروج في مسيرات غير مرخصة من منطلق شرعي باعتبار ان الخروج عن الحاكم لا يجيزه الشرع.
السلفية العلمية
وتطرقت الدراسة الى نشأة تيار السلفية العلمية وهو أحد التيارات ذات الصبغة السياسية، وتمت تسميته في الوقت الراهن بالحركة السلفية بعد التغيرات التي لامست صفوفه، كما ان تغيير المسمى يعود إلى سهولة تداوله ويسر التعبير عن فكرمسؤوليه، لأن العلم من أساس المنهج السلفي، ويعتبر التيار أحد فروع السلفية الأم في الكويت والذي برز نشاطه بعد الاحتلال العراقي الغاشم على الكويت.
وأوضحت أن هذا التيار حاله حال تجمع ثوابت الأمة الذي يرفض ترشيح المرأة للانتخابات البرلمانية، حيث دعا في بيان له إلى عدم التصويت للمترشحات، معتبرا منصب «النائب» في مجلس الأمة من الولاية العامة التي لا يجوز أن تتولاها النساء.
حزب الأمة
وأوضحت دراسة الكندري أن تيار حزب الأمة يعد من التيارات الدينية السياسية التي احدثت جدلا واسعا في الكويت عند تأسيسه وظهوره على الساحة السياسية في 2005، وجاء إشهاره بالمخالفة للقانون الكويتي خطوة مفاجئة للمراقبين والمشتغلين في الحقل السياسي، في حين قوبل من جانب البعض بالإشادة والاستحسان لجرأته في الطرح وانفتاحه على الآخر بغض النظر عن انتمائه، أما الآخرون فانتقدوا المسلك واعتبروا مؤسسيه خارجين على القانون، وهو الموقف نفسه الذي انتهجته الحكومة التي لم يرقها ذلك وتصدت له وأحالت مؤسسيه إلى المدعي العام بتهمة السعي لتغيير نظام الحكم.
وبينت الدراسة ان حزب الأمة لم يكتف بإشهار نفسه كحزب سياسي ديني، بل تجاوز ذلك ليضع قواعد تنظيمية خاصة به في محاولة لتنظيم عمل المنتمين اليه، كما اسس موقعا إلكترونيا عرض خلاله أبرز أنشطته وقضاياه التي يتبناها بالإضافة إلى تحديد مبادئه العامة ونظامه الأساسي ووسائله لتحقيق الأهداف وهيكله التنظيمي وأدواره.
«تيار المدخلي»
وتطرقت الدراسة الى «تيار المدخلي» السلفي نسبة إلى الشيخ ربيع بن هادي المدخلي الذي يُعرف ايضا بـ «سلفية المداخلة» أو «الجامية»، وترجع التسمية في الكويت إلى أحد علماء نجران في جنوب السعودية.
وكان الظهور العلني لذلك التيار في السعودية إبان حرب الخليج الثانية 1991 عقب غزو العراق للكويت، وبدأ في الظهور كتيار مضاد للتيارات المعارضة لدخول القوات الأجنبية كالإخوان والسرورية.
وأوضحت ان البعض يرى أن «تيار المداخلة» يتسم بالشدة وحدة انتقاد مخالفيه في الفكر والمنهج، ويشير بعضهم الى أنه تغذى من الخلافات والتباينات بين التيارات الإسلامية.
واشارت الى ان «المداخلة» يرفض إشهار الأحزاب والحركات السياسية التي يرى انها تشتت الأمة وتجرئ الشعوب على الحكام وتسقط هيبة الحاكم.
حزب التحرير
وتطرقت الدراسة الى تأسيس حزب التحرير عام 1952 في القدس، بمنطلق وهدف رئيسي يكمن في تكوين نواة الدولة الإسلامية الموعودة، وذلك بعد انصهاره مع الإخوان المسلمين في الأردن، وشارك مرة واحدة في الانتخابات الأردنية وكانت لديه مجموعة من المحاولات الانقلابية في دول عربية.
وذكرت دراسة الكندري ان سلبية حزب التحرير في الانتخابات البرلمانية الكويتية تعود بالدرجة الأولى إلى رأي الحزب أساساً في العملية الديموقراطية، اذ من ضمن مبادئه تحريم الديموقراطية بالمطلق، وحسب ما جاء في منشوراتهم الخاصة فإن «الديموقراطية التي سوَّقها الغرب الكافر إلى بلاد المسلمين هي نظام كفر، لا علاقة لها بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد، وهي تتناقض مع أحكام الإسلام تناقضاً كلياً في الكليات وفي الجزئيات».
أنصار الشورى
وتناولت الدراسة تيار جماعة أنصار الشورى والسلام التي تأسست عام 1997، وكان مسماها في البداية جماعة أنصار الشورى، مشيرة الى ان تغيير المسمى جاء ليتواكب مع ايمان الجماعة بالصلح مع الكيان الصهيوني، كما عبرت عنه في بيانها.
وتعرف هذه الجماعة الدينية نفسها على لسان أمينها العام على أنها «جماعة إسلامية وسطية مستقلة.
وبينت الدراسة ان نشأة التنظيم هي نشأة سياسية ترتبط بشكل مباشر بالأوضاع السياسية التي تمر بها البلاد، وبالتحديد موضوع الديموقراطية ومفهومها، وهي تعني أن ظهورها كردة فعل لأحداث سياسية ترتبط بالمنهج الديموقراطي الذي تسير عليه الكويت، وتنطلق من قضية شرعية ترتبط بهدي القرآن والتمسك بالدين الحنيف.
جماعة التكفيريين
وتناولت الدراسة جماعة التكفيريين وهو تيار من الجماعات الدينية التي ينظر اليها كثيرون على انها متطرفة وذلك من منطلق الأدبيات المتعددة التي تشير الى ذلك على الوسائل الإعلامية المختلفة التي تستخدم هذا المسمى، حتى صار إطلاق لفظ التكفيريين أمرا شائع الاستخدام لنعت أي مجموعة دينية ترفض الآخر، حتى ولو لم يكن منهجهم أو فكرهم هو منهج أو فكر يرى من تكفير الآخر أسلوبا أو طريقا له.
وبينت ان الجماعة ظهرت اولا في مصر في عهد الرئيس السابق جمال عبدالناصر، بعد حملة الاعتقالات عام 1965 التي اعدم فيها سيد قطب وآخرون، وهناك من يشير إلى أنها ظهرت في نهاية الستينيات في أعقاب هزيمة حزيران 1976، وآخرون يقولون اتها ظهرت في 1971.
جماعة الإخوان المسلمين
تشير الدراسة إلى أن جماعة الاخوان المسلمين الكويتية انبثقت من الجماعة الأم في مصر نتيجة لما تعرضوا له من تعذيب واضطهاد في سجون عبدالناصر في تلك الفترة، التي ولدت فكر الإرهاب والعنف والتطرف كنتيجة لذلك وفق آراء البعض الذي قال «في هذا الجو الرهيب ولد الغلو ونبتت فكرة التكفير ووجدت الاستجابة لها»
وبينت ان من أفكار الجماعة معاقبة اعضائها بدنيا إذا انحرفوا عن فكرها، وإذا ترك العضو الجماعة اُعتُبِرَ كافراً يتم تعقبه وتصفيته جسدياً، وهو الأمر الذي حافظت الجماعة بسببه على وجودها حتى الآن في بعض الدول العربية.
أفغان الكويت
وتناولت الدراسة جماعة الجهاديين الأفغان الكويتيين، الذين ارتبط ظهورهم بقضية الجهاد الناتجة عن مشاركة العديد من الكويتيين في حرب أفغانستان ابان الغزو السوفييتي، واتسمت تلك المشاركة بالتنقل عبر فترتين زمنيتين: الأولى الجهاد ضد النظام السوفييتي، والثانية عقب انسحاب جيش الاتحاد السوفييتي وبروز فكر وتيار القاعدة المتحالف مع نظام طالبان.
وذكرت ان العديد من الكويتيين شاركوا في الجهاد الأفغاني، وقتل بعضهم ورجع البعض الآخر إلى البلاد، وهناك من اشترك مع نظام طالبان إلى ما قبل سقوطه في 2001 بعد أحداث 11 سبتمبر، وهناك من لقي نحبه أثر حرب الولايات المتحدة على طالبان وهناك من تم اعتقاله ونقل إلى معتقلات غوانتانامو، وأفرجت السلطات الأميركية عن الأغلبية منهم، ولم يقتصر الافراج على الكويتيين فقط بل امتد ليشمل اشخاصا من دول إسلامية اخرى اغلبها عربية، وهم من أطلق عليهم فيما بعد «العرب الأفغان» أو «الأفغان العرب»، ومعظمهم شارك في أعمال عنف في دول مثل مصر والسعودية والجزائر وليبيا واليمن.
حرمة الانتخابات
أما فيما يتعلق بموقف هذه الجماعة من الانتخابات، فهم يقطعون بحرمتها بالوضع الراهن، «ولا يجوز للمسلم أن ينتخب وهو آثم إن فعل، فالانتخابات في صورتها الحالية تؤدي إلى إيجاد مشرعين ناهيك عن ان حق الانتخاب مكفول فيها للمجنون والفاسق والكافر والمرتد والمرأة».
وقالت الدراسة ان تأثير هذا التيار لا يلقى القبول العام من أفراد المجتمع، ويتضح ذلك بشكل عام من استنكار غالبية التيارات الفكرية لأحداث العنف التي يرتكبها انصاره، وينسحب الاستنكار على التيار الفكري الإسلامي بشكل عام في الكويت.
وسائل حديثة
اعتمدت التيارات الدينية في الكويت على الوسائل التكنولوجية الحديثة لنشر أفكارها، وصمم بعضها مواقع إلكترونية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وضعت خلالها برامجها ومبادئها وأهدافها ومنهجها. وهناك تفاوت نسبي بين هذه التيارات في استخدام تلك الوسائل من حيث الاجادة وسرعة الانتشار.
مبادئ الكفار
ذكرت الدراسة أن التيارات الإسلامية مختلفة في عديد الآراء والتوجهات، مثل الدعوة الى السلمية أو العنف في عملية التغيير السياسي والاجتماعي، فهناك تيارات أعلنت في منهجها تبني العمل السلمي وعدم جواز الخروج على الحاكم وعدم قبول الإصلاح السلمي الا عن طريق المشاركة السياسية المباشرة، وفي المقابل تعتمد تيارات آخرى على إعلان الجهاد والتغيير بالقوة، وعدم الايمان بالديموقراطية التي تعتبرها مبادئ غربية كافرة.
ولاية المرأة
تعاملت التيارات الدينية بطرق مختلفة مع المرأة وتحديد دورها في الحياة السياسية، فمنها من أكد على حقها في المشاركة بالحياة السياسية، فيما عارض آخرون وأنكروا عليها ذلك من باب «الولاية العامة»، فيما تشدد آخرون في عدم السماح لها في المشاركة مطلقا.
شعبية كبيرة
أشارت الدراسة الى أن التيارين الرئيسين الأكثر شعبية وانتشارا في الكويت هما الحركة الدستورية الإسلامية والتجمع الإسلامي التابعين لجمعيتي الإصلاح الاجتماعي والتراث الإسلامي، مؤكدة أن لهذين التيارين تأثيراً فعالاً نسبياً في الحياة السياسية في المجتمع المحلي.
القبس